"جمعيات التوفير" تساعد الفلسطينيين في الخروج من أزماتهم

"جمعيات التوفير" تساعد الفلسطينيين في الخروج من أزماتهم

21 اغسطس 2020
ازدادت الأزمة المعيشية سوءاً في فلسطين (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

تنتظر أنغام سعيدة من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، في فلسطين المحتلة، الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، بشوق، إذ سيكون دورها في تسلّم "جمعية التوفير" الشهرية التي تشترك فيها مع عدد من أقاربها وزملائها، في محاولة لتوفير مبلغ مالي يعينها على قضاء حوائجها. تقول أنغام لـ"العربي الجديد": "سيكون مبلغاً جيداً، يوازي نحو ألفي دولار أميركي، سننفقه على إعادة ترميم المطبخ وغرفة نوم الأطفال. هكذا كنت أخطط منذ اللحظة الأولى التي قبلت فيها قبل عشرة أشهر، عرض زميلتي في العمل الدخول معهم في الجمعية".
يشترك مع أنغام أربعون شخصاً يدفع كلّ واحد منهم 100 دولار شهرياً، فيُصرف المبلغ المجموع لاسمين في كلّ شهر، وفق قرعة جرت بينهم. وتقوم فكرة الجمعية على دفع كل شخص يشترك بها مبلغاً محدداً ويقع الاختيار على شخص (أو أكثر بحسب الاتفاق) بالقرعة فيأخذ المبلغ كاملاً. وفي الشهر التالي يتم اقتراع اسم آخر، حتى يتحصل جميع المشتركين في الجمعية على نفس المبالغ لكلّ منهم، من دون تكرار أيّ اسم. وتقول أنغام: "ما شجعني على ذلك أنّ المبلغ ضمن إمكانياتي، وما سأحصل عليه أيضاً جيد في هذه الظروف، ولولا الجمعية لما استطعت توفيره".
ويلجأ الفلسطينيون إلى وسائل كثيرة للتغلب على ظروفهم الصعبة، في ظل غلاء الأسعار وانخفاض قيمة العملة المتداولة، والأهم هي الأزمات المالية المتعاقبة وعدم انتظام صرف الرواتب، مع ارتفاع نسبة البطالة وقلة فرص العمل. ومن تلك السبل الجمعيات الصغيرة. ويزداد الإقبال على هذه الطريقة في ظلّ الأزمات، كالتي يعيشها الفلسطينيون اليوم مع حالة الطوارئ لمواجهة وباء كورونا، ورفض السلطة الفلسطينية تسلّم أموال الضرائب "المقاصة" من دولة الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى عدم انتظام صرف الرواتب وانضمام عشرات الآلاف إلى قوائم الفقراء.

أمجد داود، الموظف في مؤسسة حكومية، صاحب خبرة في جمعيات التوفير، إذ بدأ الاشتراك فيها قبل سنوات طويلة، واستطاع من خلالها أن يتجاوز كثيراً من المشاكل المالية والعائلية، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وانقطاع الرواتب. يقول داود لـ"العربي الجديد": "في عام 2006 كنت قد وظفت حديثاً في الحكومة، وعلى وشك إتمام حفل زفافي، ونظراً للحصار المالي الذي تعرضت له الحكومة بقيادة حركة حماس حينها، توقف صرف الرواتب لأشهر طويلة، ولحسن حظي كان دوري في تسلّم الجمعية، الأمر الذي ساعدني على دفع أجرة قاعة الأفراح وإتمام الزفاف". هذا الوضع شجع داود على الدخول في جمعية أخرى بمبلغ مالي أكبر، ساعده في تسديد الأجرة السنوية لبيته وأقساط سيارته، ويقول: "هذا أفضل من الاستدانة من هنا وهناك، ومن القروض المصرفية، فكأنّك تضع مالاً في حصالة وتفتحها بعد امتلائها".
لكنّ الرياح لا تجري دوماً كما تشتهي السفن، فلم يستطع يزن برقان من الانتظام في جمعية كبيرة تضم نحو خمسين شخصاً مع جيرانه وأصحاب المحلات التجارية في حيه السكني بمدينة نابلس بعد توقفه عن العمل جراء إغلاق المؤسسة التي كان يعمل بها. يقول برقان: "كان القطاع الخاص من أكبر المتضررين من أزمة كورونا، وشركة السياحة والسفر التي أعمل بها مغلقة منذ إعلان الطوارئ في مارس/آذار الماضي، وقد دفع لنا صاحبها نصف راتب لشهرين، ثم أعلن عن إغلاقها كلياً، وهذا الأمر حال دون أن أتمكن من تسديد قسطي الشهري للجمعية التي التزمت بها بداية العام الحالي والبالغ 300 دولار". كان برقان سيتسلم في فبراير/شباط 2021 نحو سبعة آلاف دولار، لتكون الدفعة الأولى للشقة التي ينوي شراءها. وبالإضافة إلى هذا، كان الاتفاق بين جميع المنتسبين في الجمعية على أنّ من يتخلف عن الدفع لشهرين متتاليين يفقد عضويته وتعود له المبالغ التي دفعها بعد أن يتسلم آخر عضو فيها مستحقاته.

في هذا الإطار، يشير أستاذ علم الاجتماع في جامعة "النجاح" غسان ذوقان، إلى أنّ هذه الطريقة في جمع الأموال وتقسيمها قديمة جداً، لكنّها ما زالت فعالة، بل تزداد أعداد المتعاملين معها بعد كلّ انتكاسة اقتصادية. ويتابع في حديثه إلى "العربي الجديد": "هي طريقة تعزز أيضاً العلاقات الاجتماعية، بالرغم من وقوع خلافات أحياناً بين المنتسبين إليها، لتخلف بعضهم عن الدفع أو اشتراطهم أن يكونوا أول من يقبض المال، لكنّها في المقابل تلعب دوراً كبيراً في مساعدة الأفراد والعائلات على تجاوز الأوضاع المالية الصعبة بعيداً عن الاقتراض من البنوك والأشخاص".
الخلافات التي يتحدث عنها الأكاديمي، يمكن أن تحصل في مثل هذه الجمعيات المالية الأسبوعية أو الشهرية عن طريق تعسّر البعض في دفع مستحقاته، فإن تعثر أكثر من شخص في الوقت عينه هددوا احتمال استمرار الجمعية. ومن أخطر المواقف التي يمكن أن يتعرض لها هذا النظام أن يتسلم الفرد الأول أو الثاني على الجدول الأسبوعي أو الشهري مستحقاته، ويختفي كلياً عن المشهد، في عملية احتيالية يمكن أن تضرب مصداقية الجمعية نفسها، عدا عن خسارة كلّ شخص دفعته الشهرية التي لن يستردها من ذلك الشخص المتواري عن الأنظار.

المساهمون