"بانيبال".. احتفاء بالقصة على تخوم الرواية

"بانيبال".. احتفاء بالقصة على تخوم الرواية

30 ابريل 2014
+ الخط -

يتقاطع احتفاء "بانيبال" في عددها الجديد (49) بالقصة القصيرة العربية، مع انعطافة يشهدها النقد العالمي والمحكمون في الجوائز الكبرى لصالح هذا النوع الكتابي. فالسنة الماضية حازت الكاتبة الكندية أليس مونرو على "نوبل" للآداب. ولم تكن الرواية مَن طبخ هذه الجائزة لها، بل القصة القصيرة.
وأغلب الظن أن اللجنة المانحة السويدية توقفت طويلاً عند مؤلفات مونرو القصصية، بعددها الغزير، ولغتها الإنكليزية الرصينة، الممتلئة بالشخصيات والأحداث الغريبة، والبطيئة الإيقاع. الموغلة كذلك في مفارقات الوحدة والمرأة والبحث والحب.

سبق منرو إلى الجائزة بعام واحد، الصيني مو يان. ومن يقرأه، يعرف أن الرجل يملك سلطة على تشكيل القصة القصيرة، بانعطافات حادة، صادمة ولذيذة، نقدية غير صارخة ولا مستعجلة، بعكس ميوله الروائية التي يستعمل فيها كل مساحة سردية ووصفية ممكنة. وقبل إعلان الجائزة، اقتُرِحَ اسم مو يان بوصفه سيداً ـ مثل مونرو ـ من أسياد القصة المعاصرة. وكان سبقهما في 2008 الفرنسي لوكليزيو، الكاتب المسافر في أبعاد حياة البسطاء وأطفال الأقبية.

منْح الجائزة الأكثر مهابة، خلال الأعوام الأخيرة، لكتّاب تألقوا في القصة القصيرة، إشارة ينبغي التوقف عندها. لعله أيضاً تكريم لطريقة كتابية مختزلة، تقدّم نفسها بدون زوائد، تنتبه أكثر إلى الجملة، وتستفز للتجريب. تكريم للقصة القصيرة، وربما اعتذار لها.
أسماء كبرى في صوغ القصة القصيرة تغيب عن بال القارئ أحياناً، مثل الإيرلندي فرانك أوكونور و"الأب" التخييلي، الفرنسي مواباسان. آخرون يستقلون عربة الذاكرة ذهاباً وإياباً كريموند كارفر، إيتالو كالفينو، دانيلو كيش، إدواردو غاليانو، ليوناردو شاشا وغيرهم.

القارئ باللغة العربية لم يخرج عن ذوق القراءة العالمي لأسباب قد تتعلق بالتسويق، بذائقة الناشر أو صاحب المكتبة، أو ببساطة النقد أو العلاقات. وربما لم نهتم بالقصة القصيرة قدر اهتمامنا بالشعر والرواية اللذين يقدّمان بطريقتين مختلفتين صيغاً لإعداد معنى طويل للحياة. وبالتالي، فإن صورتنا لا تزال تقدَّم من خلال مطبوعة الرواية أو المجموعة الشعرية لا القصة القصيرة التي تحتمل التجريب/التخريب وتهدد ما يعتبره البعض قدسية السرد ووجوب فصل الروائي عن الشعري.

"بانيبال" تحمل في عددها الأخير لفتة أدبية تضيء على القصة القصيرة عبر أسماء عربية معينة تغطي اليمن وسوريا ولبنان والعراق وعُمان ومصر والمغرب والأردن وفلسطين وتونس والكويت؛ أسماء قد لا تقول ـ بل أكيد أنها لا تقول ـ كل اتجاهات القصة القصيرة الحديثة بالعربية.
ومن بين هذه الأسماء روَّاد مثل زكريا تامر وإبراهيم أصلان. هؤلاء، نعرف أنهم يدعوننا في قصصهم إلى قراءة احتمالات وأساليب ومدى تطويع اللغة وتكسيرها وبعثرتها في الحوار بما يضيف ألقاً. آخرون ينزلقون في التجريب عبر سكب الحياة اليومية في قالب حكائي، أو ترميزها للحديث عن المسافة والتغريب والفقد والذكرى.

أما خارطة عدد "بانيبال" الأخير فيمثّلها أحمد بوزفور، سالمة صالح، زكريا تامر، إبراهيم فرغلي، أحمد الرحبي، سعيد الكفراوي، أنيس الرافعي، بسمة الخطيب، محمود سعيد، نسرين طرابلسي، وجدي الأهدل، جوخة الحارثي، محمود البياتي، أحمد سعداوي، حسونة المصباحي، عالية الإسماعيلي، هشام البستاني، طالب الرفاعي، حزامة حبايب، إبراهيم أصلان، كمال العيادي، ومحمود شقير.

لكن احتفائية هذه المجلة لم تتوقف هنا، إذ نشرت، على تخوم إعلان جائزة البوكر العربية للرواية، مقتطفات من الروايات الست التي وصلت هذا العام إلى القائمة القصيرة. كما تضمّنت في بابها "الأدب الضيف" بانوراما عن الشاعر البريطاني ستيفن واتس.

المساهمون