"باب الحارة": باب الربح لن يُغلق

"باب الحارة": باب الربح لن يُغلق

08 يوليو 2016
مشهد من مسلسل "باب الحارة" (MBC)
+ الخط -
انتهى عرض الجزء الثامن من السلسلة السورية الشهيرة "باب الحارة". فبعد عشر سنين مرت على الجزء الأول، كرّس العمل نفسه سيد الأعمال لما يعرف بالبيئة الشامية، فقبل "باب الحارة" ليس كما بعده في هذا الفن الدرامي الافتراضي. صار "باب الحارة" ملحمة شعبية شغلت العالم العربي؛ إذ لم يبق عربي لم يشاهد العمل أو يسمع عنه، خصوصاً في أجزائه السابقة، مع تراجع في جزئه الثامن من ناحيتي المشاهدة وارتفاع نسبة الانتقادات التي استهدفته، لكنه بقي مُتابعاً رغم ذلك؛ فالعمل صار الناس مدمنين عليه يشاهدونه ثم ينتقدونه.

بدأ العمل عام 2006 في جزأين صورا معاً، وعُرِضَا على موسمين رمضانيين، لكن بعد النجاح الساحق لهما، وبعد الأرباح الطائلة التي جنيت منه، قررت "إم بي سي" استغلال ذلك، وإنتاج جزء ثالث ورابع وخامس، ليتوقف لثلاثة أعوام، وتعود الروح إليه في عام 2014، بجزئه السادس، وبعده بالسابع، والعام الحالي في الجزء الثامن.

أثار العمل الكثير من الكلام والجدل حول مزاجية عرابه، المخرج، بسام الملا، الذي أمات وأحيا وبدّل ممثلين. فمن لم يغيبه الموت، غيبه الملا بتمويته إثر خلافات أو اختلافات تطفو على السطح، بعد كل استبعاد لممثل من العمل، وأبرز الغائبين منذ الجزء الرابع، هو عكيد العمل، سامر المصري، الذي انتقد العمل في العام الماضي، قائلاً: "يكفي مسخرة"، مطالباً بإيقافه، لكن يحضرنا هنا أن نقول إنه ألم تكن المسخرة منذ صدور جزء ثالث ابتغاء الأرباح المادية، وإلى الآن ما زال العمل يحققها؟ وهل سيكون مسخرة لو استمر المصري في بطولته يحصد ثمراته مادياً ومعنوياً، أليس الفضل لـ"باب الحارة" في تكريس صورة العكيد الذي بات لقبه؟ ولاحقاً سار على نهجه أيمن رضا (شارك في الجزء الثالث)، الذي اعتبر أن العمل ضعيف فنياً ويشوّه تاريخ دمشق، وأنه اشترك به لأن العمل يعرض على "إم بي سي"، فجاءت مشاركته فقط من أجل الانتشار عربياً. ووصل به الأمر إلى وصف العاملين فيه بـ "دواعش" الدراما السورية.


ندرك أن الفنان يضطر أحياناً إلى العمل في ظروف فنية غير مقتنع بها، لكن لمَ تأخر الانتقاد سنوات، هل كان رضا والمصري يمنيان النفس أن يعيدهما الملا إلى العمل، كما فعل مع أبو عصام الذي عاد بعد غياب ثلاثة أجزاء، لمَ عاد؟ أليس لأن العمل جسر تواصل مع العالم العربي، ومتابع بشكل كثيف؟ ولم قبل، أيمن رضا، أن يكون شريكاً في تشويه تاريخ دمشق؟ وهل يحتاج أيمن رضا إلى الظهور على "إم بي سي" ليحقق الانتشار؟

أبرز صفة وصف بها العمل، هو أنه همّش المرأة الدمشقية؛ إذ جعلها حبيسة جدران البيت لا تجيد إلا الأعمال المنزلية وحياكة النميمة والمؤامرات النسائية، فربما ينبغي ألا يُحمَّل العمل ما لا يستطيع أن يتحمّله؛ لأن الملا لم يوجه اهتمامه إلى الجانب الثقافي والمعرفي في دمشق في تلك الفترة، فالعمل قائم على "حارة الضبع" الافتراضية وما تعيشه من متاعب ومشكلات يومية معيشية، وفي تصويرها الصراع مع الاحتلال الفرنسي، وصراعها مع الحارات الأخرى في العراكات التي تثير حمية المشاهدين. إذ إن نجاح تجربة "حارة الضبع" بالحماسة التي صورت فيها الحياة اليومية، ثم عممت هذه الحالة لدى كثيرين، جعل المجتمع الدمشقي يبدو أنه نموذج أكبر عن تلك الحارة. ربما كان هناك شريحة دمشقية تشبه هذا النموذج؛ فالمجتمع الدمشقي لم يكن مدينة فاضلة، إذ إن كل النماذج كانت موجودة ضمنه، فمن هاجم الجزء الثامن بأن شخصية "سمعو"، ومن شايعه، يشوهون صورة الإسلام، معتبرين أنهم غرباء عن المجتمع الدمشقي، فكيف يصح ذلك، ألم يكن التطرف موجوداً بسبب نسبة الجهل الكبيرة التي كانت متفشية في تلك الفترة، ثم إن العمل تطرق إلى حالة سيكولوجية عند "سمعو"؛ فهو يعاني من عجز جنسي أراد أن يعوضه بمغالاته في تدينه، كما أبرز مقابل "سمعو" معادلاً يمثل الإسلام المعتدل المتجسد في شخصية "الشيخ عبد العليم".


أما الأخطاء الإخراجية التي سادت العمل في الجزء السادس والسابع فلا مبرر لها، ولكن هناك من يظن أن ظهور الفنان، عبد الهادي الصباغ، في هذا الجزء في شخصية "أبو حازم" خطأ إخراجي، بعدما كان ظهر في الجزء السادس بشخصية "الشيخ فهمي"، لكن هذا ليس خطأ؛ لأن الملا كثيراً ما يبدل الممثلين أو يسند لهم أدوراً في أجزاء جديدة، بعدما يكونون قد ماتوا في أجزاء سابقة، كما فعل مع، نوار بلبل، في أجزاء سابقة، ومنى واصف ظهرت في الجزء الثاني بشخصية أتبعتها في أجزاء لاحقة بشخصية أخرى هي "أم جوزيف"، وكذلك مع "النمس" (مصطفى الخاني) بتغييبه في الجزء السادس وظهور الخاني بشخصية "الواوي"، ثم في السابع عودة "النمس"، وجعل ناهد حلبي وصباح بركات تتناوبان على شخصية "أم حاتم"، صحيح أن هذا لا يصب في مصلحة العمل، ويضعف قيمته الفنية، لكن ذلك لا يعد من الأخطاء الإخراجية؛ بل إنه يعد، سياسة إخراجية بيد المخرج.

شئنا أم أبينا، رفض من رفض، وهلل من هلل للعمل، "باب الحارة" صار علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية والعربية، مهد الطريق وفتح بابه الواسع ليسمع صريره كل من أراد العمل في البيئة الشامية الثرية، لأن الدراما صارت صناعة تحتاج إلى تجارة، والتجارة هدفها الربح؛ هذه العلاقة المتعدية مرهونة من أولها إلى آخرها بالربح المادي، من دون النظر إلى الجانب الفني؛ إذ يبدو أن "باب الحارة" لن يتوقف عن الصرير مع تواتر الأنباء عن التحضيرات لجزء تاسع وعاشر؛ ولأنه ما يزال تجارة مربحة فالباب ما يزال مفتوحاً ولما يغلق بعد.

المساهمون