"انتخابات" المجلس الوطني في الإمارات اليوم: السياسة ممنوعة

"انتخابات" المجلس الوطني في الإمارات اليوم: السياسة ممنوعة

05 أكتوبر 2019
تجري انتخابات المجلس بدورته الرابعة (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -
تنطلق، اليوم السبت، عملية التصويت الرئيسية في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات للدورة الرابعة، حيث سيتوجه عدد معين من الإماراتيين تنتقيهم الدولة لاختيار 20 عضواً في المجلس الوطني الاتحادي، وسط سيطرة حكومية كاملة على العملية الانتخابية في البلاد. وشهدت الأيام الماضية توجّه الإماراتيين للمشاركة في "التصويت المبكر"، الذي استمر لثلاثة أيام قبل موعد التصويت الرئيسي اليوم السبت في كافة الإمارات المتحدة، وعلى رأسها الإمارة الكبرى أبوظبي.

وتتم عملية التصويت من دون وجود صناديق اقتراع أو أوراق انتخابية، بل عبر عملية إلكترونية، وبإشراف موظفين حكوميين ومراقبين من قبل الدولة، وهو ما حدا بالمراقبين لوصفها بأنها الانتخابات الأغرب في العالم.


ولا يُسمح للمرشحين، بحسب اللوائح، الحديث عن القضايا السياسية أو الاقتصادية، وهو ما جعل المرشحين يصبّون اهتماماتهم للحديث عن القضايا العامة، مثل التنمّر في المدارس والدفاع عن البيئة والوصول إلى الفضاء وقضية العنوسة، كما لا يُسمح لأي مرشح بانتقاد أي سياسة حكومية معلنة، سواء كانت على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

وأجبرت الحكومة الإماراتية عدداً من المرشحين على الانسحاب نظراً لانتهاكهم هذه اللوائح وحديثهم عن قضايا سياسية واجتماعية، كان من بينهم المرشحة مريم الشحي، وهي تربوية متقاعدة وناشطة اجتماعية بارزة تتحدر من إمارة رأس الخيمة المحافظة، بعد انتشار تصريحات حادة لها انتقدت فيها عملية التغيير المجتمعي التي تقوم بها السلطات الإماراتية من دون استشارة الشعب، وهو ما رأته السلطات قدحاً فيها. وقالت الشحي في مقطع فيديو نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي لتوضيح أسباب انسحابها من الانتخابات، إن هناك مقاطع فيديو تم اجتزاؤها واستُخدمت في أغراض مسيئة لها، وإنها اختارت الانسحاب على الرغم مما بذلته من جهد كبير في الحملات الانتخابية. وقامت الشحي بتعليق حسابها على موقع "تويتر" الذي كانت نشطة فيه، كما أن أخبارها انقطعت منذ إعلان انسحابها قبل أيام قليلة من بدء العملية الانتخابية.

لكن إعلان المرشح عن إمارة دبي غيث عبد الله انسحابه من الانتخابات كان عبر بيان نشره على صفحته الشخصية في موقع "تويتر"، وهو جزء من كتاب وجّهه إلى "لجنة انتخابات المجلس الوطني" قال فيه إنه تعرض لقيود خلال حملته الانتخابية بسبب محاولاته الإصلاحية. وقال غيث عبد الله في بيانه: "يؤسفني أن أتقدّم بقرار الانسحاب من الترشح ووقف الحملة الانتخابية الذي أعتقد أنه من الصواب القيام به الآن، والسبب يعود في اعتقادي إلى أنه من غير المعقول عدم السماح لمرشح سياسي بطرح قضايا سياسية وطنية جادة ومهمة للغاية". وأضاف: "لقد تقدّمت للترشح من منطلق تمثيل جيل إماراتي راغب في مناقشة قضايا وطنية سياسية، والأجيال المقبلة تحتاج إلى أن يكون صوتها ورأيها مسموعاً في الأمور السياسية والاجتماعية المصيرية، مثل حرية المشاركة في العملية السياسية والتمكين وحرية التعبير والنقد البناء من منطلق الحرص على مستقبل وطنها بأقل قدر من القيود التي واجهتها خلال حملتي الانتخابية". ولم يُسجل أي ظهور للمرشح المنسحب غيث عبد الله منذ 19 سبتمبر/ أيلول الماضي وسط مخاوف على سلامته الجسدية.

ودعت الفدرالية الدولية للحقوق والتنمية ("إفرد") اللجنة الوطنية للانتخابات إلى التحقيق في دعاوى تعرّض بعض المرشحين لضغوط على خلفية برامجهم الانتخابية ما أجبرهم على الانسحاب. وقالت المنظمة التي تتخذ من العاصمة الإيطالية روما مقراً لها، إن "انسحاب المرشحين لشكواهم من ضغوط تمارسها السلطة عليهم يزيد من الشكوك القائمة أصلاً بشأن شفافية انتخابات المجلس الوطني في الإمارات، ومستوى الترشح والانتخاب الحر فيها". كما أكدت أن الانتخابات تجري في بيئة سياسية غير ديمقراطية، ولن تكون انتخابات حرة في ظل القيود الحكومية وعمليات القمع المتواصل للنشطاء.

وتأسس المجلس الوطني الاتحادي عام 1971 مع إعلان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بإشراف بريطاني، لكنه لا يعد مجلساً تشريعياً حقيقياً، إذ إنه مجرد مجلس استشاري يعين فيه رئيس الدولة 40 عضواً من المقربين لديه.

وقررت الإمارات عام 2006 السماح لشعبها بترشيح 20 عضواً للمجلس مقابل تعيين رئيس الدولة لـ20 آخرين، مع الإبقاء على صفته الاستشارية غير الملزمة للحكومة. لكن السلطات الإماراتية لم تترك حرية الاختيار للناخبين، إذ قامت بوضع جداول سُميت بـ"الهيئات الانتخابية" لتنتقي فيها المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب والتصويت. ولا تزيد نسبة المصوتين عن 35 في المائة من تعداد الشعب الإماراتي، كما أنها مارست أعمال رقابة شديدة على المرشحين، وحرصت على أن يكونوا موالين لها في ثلاث دورات انتخابية في أعوام 2006 و2011 و2015.

وكان ناشطون إماراتيون قد رفعوا عريضة "الإصلاح" في 3 مارس/ آذار عام 2011، طالبوا فيها باتّباع النهج الديمقراطي وجعل المجلس الاتحادي برلماناً حراً ينتخب فيه الشعب جميع أعضائه ويقوم بأدوار تشريعية ورقابية ولا يقتصر عمله على تقديم الاستشارات غير الملزمة. وضربت السلطات الإماراتية بيد من حديد فور صدور العريضة الإصلاحية التي حاولت منح أكبر قدر ممكن من الصلاحيات للبرلمان، إذ سجنت الموقّعين عليها وقامت بسحب جنسيات المحرضين على إصدار العريضة، فيما فرّ عدد منهم إلى الخرج خوفاً من بطش السلطات.