"النهوض العاثر": مراجعات الإصلاح والتجديد

"النهوض العاثر": مراجعات الإصلاح والتجديد

18 يونيو 2020
سوزان حفونه/ مصر
+ الخط -

مع نهاية القرن التاسع عشر، تبلوّرت رؤى العديد من المفكرين العرب حول تحديث الأمة ضمن مشروع قومي وحدوي، لكنها لم تجد طريقها للتحقّق مع دخول الاستعمار، لتبرز موجة ثانية نهاية أربعينيات القرن الماضي تحمل حلم تشكّل دولة متطورة معاصرة وقادرة على مواجهة الخطر الصهيوني، لكنها أخفقت مرة أخرى مع الانقلابات العسكرية التي حكمت في أكثر من بلد عربي.

في هذا السياق، يقارب الباحث المصري محمد حلمي عبد الوهاب في كتابه "النهوض العاثر: الإصلاح والتجديد في الأزمنة الحديثة، المشارب والتجارب" الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" قضايا الدين والدولة والتجديد، وإشكالية إصلاح مؤسسات المجال الديني، وتجارب الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي، وإشكاليات الأصولية والأصولية المضادة، وما يرتبط بها من مسائل العيش المشترك وقضايا الأقليات الدينية.

"الإرث الثقيل: من ينهض بمهمّة إصلاح المجال الديني؟" عنوان الفصل الأول الذي يتناول أزمة الإصلاح والنهوض في ظل صدمة الحداثة، ويثنّي بالكشف عن المقصود بمفهوم المجال الديني وأبرز تجلياته، ويختم بمقاربة تدبير الشأن العام في أزمنة التغيير، وإمكانية الإصلاح الديني من الداخل.

في الفصل الثاني "إصلاح مؤسسات المجال الديني: مناهج التعليم الديني في الأزهر الشريف أنموذجًا"، يرصد المؤلف أبرز محاولات الإصلاح التي تمّت في الأزهر إبَّان النصف الأول من القرن العشرين على يد محمد عبده، والتي امتد أثرها بُعيد وفاته لدى مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد يوسف موسى، وأمين الخولي، وعبد المتعال الصعيدي. ثم يُقدِّم عملية مسحٍ للمناهج الأزهرية التعليمية الحديثة في فرعَي الفقه والتوحيد، في المرحلتين التعليميتَين الإعدادية والثانوية، إضافةً إلى مواد أخرى.

يركز الفصل الثالث "المرجعيات الدينية في أزمنة التغيير: وثائق الأزهر الشريف أنموذجًا" على رصد الدور الذي أراد الأزهر أن يؤدّيه في مرحلة انتفاضات الربيع العربي، بوصفه وسيطاً بين الفرقاء السياسيين، إلى أن انتهى به الأمر فعليّاً إلى أن يصبح مرجعاً وعاملاً نشطاً في إنتاج الخطابَين السياسي والديني العامَّين. ويشمل هذا الرصد جملة التحولات الكبرى التي طرأت على خطاب المؤسسة الأزهرية، والثوابت التي انطلقت منها في إصدار وثائقها، والغايات التي تغيَّاها الأزهر الشريف من وراء ذلك.

في القسم الثاني "تجارب الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي"، ثلاثة فصول؛ "مفهوم النهضة في فكر مالك بن نبي: السنن التاريخية وإمكانية التغيير في مشروعه الحضاري"، الذي يكشف عن الإطار الوظيفي لمفهوم الحضارة لدى المفكر الجزائري (1905 - 1973)، و"تيارات الإصلاح والتجديد في شبه القارة الهندية من شاه ولي اللَّه الدهلوي إلى أبي الأعلى المودودي"، الذي يعرض نماذج الدهلوي، والسيد أحمد خان ومحمد إقبال، والمودودي وأبي الحسن الندوي، و"الجدال في شأن الدين والدولة في الأزمنة الحديثة: سجالات محمد عبده وفرح أنطون أنموذجاً"، الذي يعرض نقاشات المفكّريْن حول مسألتَي الدين والعِلم، والطابع المدني للسلطة في الإسلام.

يضمّ القسم الثالث "في الأصولية والأصولية المضادة: العيش المشترك وقضايا الأقليات الدينية"، ثلاثة فصول أيضاً، هي: "فقه العيش المشترك في الأزمنة الحديثة: الأصول والامتداد"، ويركز على اجتهادات مدرسة الإمام محمد عبده وإخفاقاتها في ما يتعلق بترسيخ قيم التعايش المشترك، و"التقريب بين المذاهب الإسلامية وإشكالية الصراع على المرجعية الدينية"، الذي يستعرض علاقةَ الأزهر بالتشيُّع، محللًا نشأة "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية"، والظروف التي أحاطت بها، وانقسام علماء الأزهر الشريف بين مؤيّدٍ ومعارضٍ، و"أخلاق الطاعة في الفهم السلفي المعاصر: النص والوعي والتاريخ"، الذي يناقش تحولات طرأت على التيار السلفي المصري المعاصر في مستوى الخطاب، وفي مستوى الممارسة العملية أيضًا، بشأن مفهوم الطاعة، والموقف من الديمقراطية، والدولة المدنية، والمشاركة السياسية، وقيم المواطنة والتعددية، وما يتصل منها بوضعية الأقباط والمرأة بصفة خاصة.

المساهمون