"المخادع الحقيقي": ينبغي ألا نستهين بقراءة توف جانسون

"المخادع الحقيقي": ينبغي ألا نستهين بقراءة توف جانسون

09 يوليو 2016
(الكاتبة في مرسمها بعدسة صديقتها ورسامة شخصياتها توليكّي بياتيلا)
+ الخط -

تُحاول الروائية الاسكتلندية آلي سميث (1962)، في تقديمها لرواية "المخادع الحقيقي" إبعاد ما ارتبط بالروائية الفنلندية، توف جانسون (1914 - 2001)، من أنها كاتبة قصص أطفال فقط، ورسّامة المخلوقات الخيالية، "المومينز"؛ حيث ترتكز في تقديمها للعمل على قصّة للأطفال كتبتها جانسون، لتوصل فكرة مفادها "ينبغي ألاّ نستهين أبداً بجانسون التي لا تستهين بقرّائها أبداً".

قراءة العمل، الذي صدرت ترجمته إلى العربية مؤخّراً عن سلسلة "إبداعات عالمية" في الكويت، بترجمة وتقديم محمد فرغل، تكفي للأخذ بنصيحة سميث؛ حيث الأحداث التي اعتمدت الأسلوب البوليسي والتشويق من خلال تقشير ملامح الشخصيات بالتدريج ومع التقدّم في القراءة، وتتطرق إلى موضوع تناوله الأدب من قبل. ولكن وراء كل ذلك، هناك ما هو أبعد من ذلك، وعلى مستويَين.

الأول، حين تمرّر جانسون في عملها هذا هواجسها الشخصية التي تتعلّق بالكتابة، بما فيها الخداع نفسه، حيث "تُقحم جانسون حياتها في أدبها المتخيّل. أحياناً بوضوح، وحرية وصراحة، وأحياناً خفية من خلف أسماء وأقنعة متنوعة"، وفقاً لكاتب سيرتها، بويل ويستين، وهي لا تختلف كثيراً مع ذلك، إذ تعتبر "كلّ عمل جاد هو نوع من الصورة الذاتيّة" على حدّ قولها، عقب صدور الطبعة السويدية من هذا العمل عام 1982.

المستوى الثاني يتعلّق بفكرة الخداع، لكن ليس بصفته السلبية، بل ذلك الذي يولد مع الإنسان ويتشارك به مع الحيوان في أحيان كثيرة، ويسري في التعاملات الإنسانية على أنه حدث عادي، ولا تستثني جانسون من هذه العلاقات الكاتب نفسه، حيث الخداع باتجاهين، من القارئ إلى الكاتب وبالعكس. وبتعبير الأوروغواياني كارلوس ليسكانو، يخترع الكاتب نسخة منه للاستخدام المخادع لذاته، لتداولها عند القرّاء، في حين تذوب شخصيته وتُسحق أمام هذا الاختراع (الخداع) الجديد لاسمه. وهو ما بُني عليه جزء كبير من الرواية من خلال واحدة من شخصيتيها، وهي رسّامة قصص الأطفال آنّا، التي تعيش أعلى التلّة مع ثروتها ووحدتها، والثلج، في انتظار الربيع في مدينة من مدن الدول الاسكندنافية.

يمكن اختصار أحداث العمل بما يحدث بعد أن تقتحم الشابة كاتري حياة الرسامة آنّا، وتبدّل كل ما اعتادت عليه، وتتدخّل في حياتها، فتفتح بريدها للتخلص من كل شيء لا يدرّ منفعة. وبينما تحاول آنّا إيجاد معنى لكل هذا الخداع، ينتقل الحديث عن رسائل الأطفال التي تتلقّاها الكاتبة، ويجري حساب المنفعة من هذه المراسلات من قبل كاتري، والتي توفّر فيها الكاتبة نصائح للأطفال، اعتادت فيها خداعهم وإيراد تفاصيل غير موجودة عن حياتها، بهدف "أن ترسل لهم رسالة لطيفة".

من هنا، تبدأ القناعات بالتغيّر نتيجة التواصل بينهما، آنّا التي تفضل التعرّض للخداع على أن يكشف لها حقيقة الآخرين، وكاتري التي تبدأ بالميل إلى خداع شرعي بالحصول على نسبة من مبيعات الرسّامة، حيث تفتح معاملات آنّا وحساباتها مع الناشرين وشركات الدعاية التي تستخدم رسومات آنّا، وما توفّره كاتري بحنكة الرياضيات والحساب تتقاسمه مع الرسامة.

ارتبط اسم جانسون بالأطفال منذ البداية، كرسّامة وكاتبة قصص أطفال، من خلال شخصيّات المومينز "الإرث الساطع الذي تركته" وهم كائنات طيّبة تتجاوز المنعطفات بالطيبة والبراءة، وذلك أيضاً ما نقلته في عملها هذا؛ حيث تكثر الأرانب، والكلاب المطيعة، والمراهقون، والعجائز الطيبون، الذين يتجاوزون المحن بالطيبة، ويغفلون المخادع الحقيقي بين الناس، والموجود في دواخلهم أيضاً.

دلالات

المساهمون