"الشام العتيقة" في غزة

"الشام العتيقة" في غزة

09 أكتوبر 2017
في مطبخها (محمد الحجار)
+ الخط -
الحرب في سورية قادت رتيبة أحمد أهل وعائلتها إلى قطاع غزة. هناك، بدأت تطهو الأطعمة الشامية التي أحبها الناس، حتى باتت تعد موائد مختلف المناسبات

عرفها أهالي غزة من خلال مطبخها. هي لاجئة فلسطينيّة الأصل ولدت وعاشت في سورية، قبل أن تضطر للنزوح إلى قطاع غزة، حيث باتت تطهو للغزيين مختلف الأطباق الشامية، والتي تعد "غريبة" في مجتمع محاصر منذ أكثر من عشرة أعوام، إضافة إلى بعض المأكولات العراقية والتركية. وبات مطبخها مصدر دخل لأسرتها، التي هربت إلى غزة من جراء الحرب في سورية في عام 2012.

رتيبة أحمد أهل (54 عاماً) من أصول فلسطينية، ولدت في مدينة القامشلي شمال شرق سورية. كان والدها فدائياً، وقد شارك مع الثوار الفلسطينيين لمحاربة الاحتلال الإنكليزي. وحين كان في 16 من عمره، سجن في معتقل زلفة في مدينة أم الفحم شمال فلسطين التاريخية لمدة ثلاث سنوات. وأُفرج عنه وهو في 19 من عمره، بشرط نفيه إلى بلد عربي مجاور، فاختار سورية، وتحديداً منطقة القامشلي على الحدود السورية التركية، بسبب حبه العيش في مناطق ريفيّة.

في طفولتها، كانت رتيبة تتحدّث لغات مختلطة بين الكردية والآشورية والسريانية، بسبب قرب العائلة من الأكراد وغيرهم. وبدأت تتحدث العربية حين دخلت المدرسة. وفي الثامنة من عمرها، انتقلت وأسرتها إلى دمشق، ثم إلى مخيم اليرموك، وبقيت هناك.



وفي عام 1983، تزوجت رتيبة من ناهض أهل، الذي كان عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية، وقد قضى حياته إلى جانب الثوار. إضافة إلى عمله في المنظمة، كان يبيع السمك، ويحضره من مدينة اللاذقية في فصل الصيف. وفي الشتاء، يبيع الفاكهة. لكن الحرب في سورية، دفعتها وعائلتها للانتقال إلى قطاع غزة في عام 2012. ووصلت العائلة إلى القطاع قبل أسبوع من العدوان الإسرائيلي الثاني عليه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2012. كانت قد هربت من الموت في سورية، لتجده يلاحقها في غزة. وبعد العدوان، بدأت رتيبة تتأقلم مع المجتمع الغزي وتتعرف على العائلات السورية من أصول فلسطينية. وصار الناس يعرفونها أكثر فأكثر من خلال الموائد التي تعدها في المناسبات الاجتماعية والخاصة، وأحب كثيرون مذاق الأطعمة "الغريبة" التي كانت تعدها، خصوصاً تلك الشامية والتركية والعراقية. بالنسبة إلى الغزيين، كان بعضها جديداً، إلا أنّهم أحبوه.

تقول رتيبة لـ "العربي الجديد": "بداية، كنت أعد المكدوس والكبة واللبنة على الطريقة السورية لمن يطلبها. وبعد العدوان الأخير على قطاع غزة في عام 2014، صرت أعد مختلف الأطعمة بحسب الطلب، وبدأت النساء الغزيات يعرفنني". وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي، أنشأ ابنها صفحة على "فيسبوك"، حملت اسم "الشام العتيقة"، وصار ينشر على الصفحة المأكولات التي تعدها والدته، ليزداد الطلب على مأكولاتها.

ما يميز رتيبة أنّها تعدّ الموائد الكبيرة لوحدها، رغم أنها تعاني من مشكلة في ظهرها. حتّى أنّها تعدّ المنسف الأردني وغيرها من المأكولات التي يتطلب إعدادها وقتاً وجهداً. وفي معظم المناسبات، و"البوفيهات" المفتوحة، يُطلب من رتيبة تحضير الطعام، وهو ما أكسبها ثقة كثيرين، وباتت من اللواتي يعتمد عليهن لإعداد موائد المناسبات أو الحفلات أو حتى اجتماعات العائلات الفلسطينية التقليدية.



أكثر المأكولات طلباً هي الكبة بأنواعها المقلية واللبنية والمشوية والصاجية وتلك التي تعد في الصينية، إضافة إلى "الشيشبرك"، وهي مأكولات غير مألوفة كثيراً في غزة، خصوصاً أن المجتمع محاصر، وليس هناك تبادل ثقافي بين المجتمعات، حتى في الأطعمة. كذلك، باتت المجمعات التجارية تطلب منها إعداد الكبة لبيعها. ويبدو أن هناك تقديرا للكبة، إذ تعرض في زاوية خاصة، ويعمل المسؤولون على تسويقها. كذلك، فإن "المحاشي بجميع أنواعها مطلوبة، إضافة إلى الصفائح العربية والسورية. في إحدى المرات، أخبرتها امرأة أنها تحب أكلة الضولمة العراقية، وقد تفاجأت حين وجدتني أعدها"، لافتة إلى أنها كانت قد تعلمتها من والدتها حين كانت العائلة تزور العراق وهي طفلة.



يعدّ مشروع "الشام العتيقة" مصدر رزق جيد بالنسبة لرتيبة وعائلتها، لكنّها تعاني حالها حال كثيرين من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي. وتقول إنّ نسبة من أرباح مشروعها تذهب لتغطية نفقات الاشتراك بمولدات الكهرباء. تضيف أنه في بعض الأحيان، تحتاج إلى الكهرباء طوال اليوم، علماً أن الكهرباء تنقطع نحو 20 ساعة في اليوم. ورغم الظروف الصعبة، تؤكد أنها لن تتوقّف عن العمل، خصوصاً بعدما اشتهرت كثيراً، وبات يقصدها زبائن من المحافظات الشمالية والجنوبية.