"التُربي"..مهنة لا تعرف الكساد في مصر

"التُربي"..مهنة لا تعرف الكساد في مصر

10 سبتمبر 2015
مهنة التُربي تساهم في حل مشكلة البطالة في مصر(Getty)
+ الخط -
لم تنجُ مهنة من الكساد الذي ضرب الاقتصاد المصري بعد ثورة 25 يناير 2011، والذي زادت حدّته عقب الانقلاب العسكري في 30 يونيو/حزيران 2013، سوى مهنة دفن الموتى إذ أصبح التُربي (عامل الدفن) هو الشخص الوحيد الذي يرى أنه في مأمن من تجويع أسرته بسبب الفقر وقلة الدخل.
فرغم نظرة الريبة والتوجس التي ينظر بها غالبية المصريين للتُربي إلا أنه الشخص الذي يلجأ إليه مختلف الأعمار طلباً لمساعدته في توفير حاجة الميت، والوحيد الذي أجبر الفرقاء السياسيين الذين وحّدهم الحزن ولوعة الفراق سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للانقلاب العسكري على التعاون معه.
"الدفن والتكفين هي الحاجة الوحيدة التي تعمل طول أيام السنة بدون كساد أو وقف حال"، بهذه العبارة يرى عامل الدفن بمقابر العمود غرب الإسكندرية (شمال مصر)، محمد عادل، أن مستقبله وأسرته في أمان بعيداً عن تقلبات الزمن والأزمات المالية الطاحنة التي تمر بالمصريين لأن أرزاقنا بيد الله فقط دون غيره.
ويضيف عادل: كل أقاربي وأصدقائي العاملين كموظفين أو صنايعية أو تجار شهدوا انحداراً واضحاً في الدخل المادي ومستوى العيش خلال الأربع سنوات الماضية بسبب تدهور الاقتصاد وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ثم زاد هذا الانحدار إلى مستويات شديدة عقب انقلاب 30 يونيو/حزيران، وفقدان الكثير من مصادر دخلهم أو تسريحهم من أعمالهم وانضمامهم إلى سوق البطالة.
وحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي، بلغ معدل البطالة في البلاد نحو 13%، وتزيد بين الشباب لتصل إلى 25%.
وأوضح أنه يتعامل بدون تفرقة مع كل الأعمار والاتجاهات السياسية، ويقوم بمهام عمله الذي بدأه منذ قرابة الثلاثين عاماً واعتبره أكل عيش، وأشار إلى أن أعداد الموتى في تزايد مستمر عن المعدل الطبيعي بسبب الكوارث والحوادث مثل انهيار العقارات أو المظاهرات.

وأضاف أنني لا أعاني من ضعف الإقبال مثل أصحاب المهن الأخرى فأتلقى يومياً حالات وفاة، أتولى شأنها بالكامل بعد استخراج شهادات الوفاة، والتصاريح اللازمة للدفن وفتح القبر والقيام بكافة ما يحتاجه الميت من "غُسل، وكفن لمن يرغب، ثم توفير سيارة نقل الموتى، ونهاية بالجنازة والدفن، وقراءة القرآن بعد مواراته الثرى وسط تأمينات أهل وذوي المتوفي وغيره من المعزين".

اقرأ أيضا: الفقر يدفع المصريين إلى مزاحمة الموتى

أما أحد أقدم التُربية بمقابر الورديان، حسن طه، فيقول إن مهنة التُربي لها أسرارها وآدابها وتفاصيلها الدقيقة التي لا يعرفها سوى أصحابها لتقديم خدمات ما بعد الموت وتشييع ودفن الموتى إلى المقابر، والكثير من العاملين بها لا يسمحون لأي غريب عنهم بدخول "الكار" بسهولة، إذ يفضلون دائماً اقتصار الأمر على تشغيل أبنائهم أو أقاربهم من الدرجة الأولى.
كما أن المقابل المادي أو العائد منها لا يغري قطاعات كبيرة من المواطنين للعمل في المهنة، إلى جانب مهابة الموت والخوف من التعامل مع الجثامين والموتى هو الأمر الذي يحتاج مواصفات لا تتوافر في أي شخص، وهو ما يعتبرونه أحد أهم عوامل الحفاظ على "سر المهنة".
وأشار "طه" إلى أنه أكثر ما يضايقه هو نظرة المجتمع المصري للحانوتي المقترن ذكره بالموت، وفي بعض الأحيان عندما يعرف أحد بمهنته يستعيذ السامعون بالله ويشمئز الناس من مخالطته أو بقوم البعض بالتلفظ بعبارات لاذعة.
وعن المشاكل التي يواجها في عمله أكد أن المقابر تحولت إلى مشكلة كبيرة تواجه أهالي محافظة الإسكندرية بسبب ضيق المساحات الحالية واحتوائها على أعداد كبيرة من رفات الموتى، وحينما يريد الأهالي إيجاد مساحات أخرى بديلة يصدمون بمعوقات كثيرة أهمها الإجراءات الروتينية الكثيرة وارتفاع الأسعار.
وتشهد مصر ارتفاعاً كبيراً في أسعار المقابر، حيث أعلنت وزراة الإسكان عن طرح مقابر للبيع بقيمة تصل إلى أكثر من 100 ألف جنيه (12.8 ألف دولار) للمقبرة.
كما أن إدارة الجبانات بدواوين المحافظات، تفرض الكثير من الرسوم على العاملين في مجال الدفن، وترفع قيمة هذه الرسوم كل فترة، الأمر الذي يعتبره الحانوتية "جباية" أو "إتاوة"، مطالبين الحكومة الاهتمام بإصلاح أحوال المقابر وتنظيمها واستقطاع جزء من ميزانية إدارة الجبانات لتحسين أحوالها ونظافتها وخلافه.
بدوره أشار مدير إدارة الجبانات بحي غرب الإسكندرية، سعد محمد، إلى شكاوى الأهالي والمواطنين من سرقة مقابر، لذلك صدر قرار بترقيم جميع المقابر، وأكد تقديم عدة مذكرات للجهات المعنية بزيادة الحملات الأمنية لحمايتها.

اقرأ أيضا: اتهامات لوزير العدل المصري بالفساد والاستيلاء على أراضي الدولة

المساهمون