الحركة الطلابية في المغرب: مراجعة للذات

الحركة الطلابية في المغرب: مراجعة للذات

05 مايو 2016
(من الحراك الطلابي في جامعة تطوان)
+ الخط -

تعتبر الجامعات فضاءً للفكر والعلم، ومنبراً ثقافياً يساهم في الرصد والتحليل النقدي، كما تشكّل قوة اقتراحية قادرة على صناعة السياسات العامة ومجابهة الإشكاليات المجتمعية. ولا يُمكن أن تكون الجامعة فاعلةً بهذا الدور من الحركة الطلابية، التي تشكّل رافعة للعمل السياسي داخل الجامعة وعماداً لإرساء المواطنة وبناء الديمقراطية في المجتمعات. فقد قدم الطلاب تضحيات جمة في سبيل تقويم المسارات وترشيد الاختيارات السياسية لما يرونه خدمة للمصلحة العامة.

على هذا النحو، تواجه الحركات الطلابية تحديات كبيرة في ممارسة عملها السياسي، تتجلّى في الرقابة التي تعيق مناخ الحريات، خصوصاً حرية التعبير داخل الحرم الجامعي، ثم انتشار الاستقطابات السياسية التي تؤدي في العديد من الأحيان إلى العنف الممنهج، والذي يتحوّل إلى ذريعة تعطي للسلطة الفرصة في تكريس رقابتها، حفاظاً على ما تسميه النظام العام.

في المغرب، سجلت الحركة الطلابية تاريخاً من النضال السياسي منذ نشأتها خلال الفترة الاستعمارية؛ حيث خرجت للوجود عدة تنظيمات، كـ"جمعية الطلاب المغاربة" و"اتحاد الطلاب المغاربة" في فرنسا، ليتم تتويج مسار هذه التنظيمات بتأسيس "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بعد الاستقلال في 26 ديسمبر/كانون الأول 1956 في الرباط.

لطالما اعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منبعاً لإنتاج النخب والقيادات ومدرسة للتكوين السياسي والفكري، وقد خاض معارك مختلفة: تعليمية وثقافية، نقابية وحقوقية، عبر المطالبة بالحريات ومواجهة القمع. واحتدمت المواجهة بين الحركة الطلابية والسلطة إلى أن وصلت إلى حظر اتحاد الطلبة رسمياً في 24 كانون الثاني/يناير 1973، واعتقال جميع أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد.

على إثر ذلك، عرفت المؤسسة الأكاديمية المغربية رقابة سياسية حظرت مزاولة الأنشطة السياسية في الجامعة، وفرضت حزمة من الإجراءات المشددة لتنظيم الفعاليات الثقافية في الجامعة، وتكرّست هذه المقاربة الأمنية بشكل فعلي مع بداية الثمانينيات، عبر إنشاء "جهاز الأواكس"، الذي يمثل حرساً جامعياً يقوم بأعمال استخباراتية للأمن الوطني؛ ما أشعل فتيل المواجهة من جديد، خصوصاً في جامعتي وجدة ومراكش.

في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يعود إلى تلك الواقعة الأستاذ في جامعة القاضي عياض في مراكش، حسن (فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً)، والذي كان طالباً إبان تلك الفترة، وناشطاً في "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب": "مع تأسيس جهاز الأواكس، أُغلقت مقرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتحوّلت إلى مراكز مراقبة، ومُنعت ورُفضت الأنشطة الثقافية، كما أغلقت أبواب الحوار مع أجهزة الاتحاد، وتم اللجوء إلى التهديد، عبر ملصقات الإدارة بحرمان أي طالب يتحدث عنه أو ينشط في إطاره من منحته الدراسية".

يضيف حسن، موضحاً تداعيات هذا الأمر: "كان السياق السياسي مضطرباً، والمعارضة السياسية تعاني من الحصار والتضييق، وعرفت هذه المرحلة من النضال الجامعي تصعيداً من طرف الحركة الطلابية؛ حيث شنت الأجهزة الأمنية حملات اعتقال واسعة، ودخل العديد من أعضاء الحركة الطلابية في إضراب مفتوح عن الطعام، توفي على إثره الطالبان مصطفى بلهواري ومولاي بوبكر الدريدي".

مع بداية التسعينيات، زادت ظاهرة العنف في الجامعات المغربية، خصوصاً مع الاستقطاب الأيديولوجي بين الإسلاميين والتنظيمات اليسارية، تحوّل إلى مواجهات دامية، كما هو الحال في جامعة محمد بن عبد الله في فاس، عندما تم اغتيال محمد بنعيسى آيت الجيد (1993) المنتمي إلى التيار اليساري.

في بداية الألفية الثالثة، ومع سعي الدولة المغربية إلى إقامة عهد جديد يرسخ للحريات العامة والقطع مع ممارسات الماضي، أُنهي عمل "جهاز الأواكس" عام 2004، وأصبح الصراع على المواقع التنفيذية في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بين "منظمة التجديد الطلابي" الإسلامية و"التيار القاعدي اليساري". علاوة على ذلك، شهد المغرب انتقالاً ديمقراطياً ترتبت عليه تغييرات هامة في المشهد السياسي، تحديداً للنخب وصانعي القرار، وإصلاحات دستورية وقانونية تدعم دولة المواطنة وتشجع على المبادرة السياسية.

على النقيض من ذلك، لم تستغل الحركات الطلابية الانفتاح السياسي للدولة؛ حيث أصبح حضورها باهتاً، وسيطرت عليها الحسابات السياسية الضيقة، فلا تنشط إلا عند المواسم الانتخابية.

في هذا الصدد، يقول جمال، وهو طالب في جامعة محمد الخامس في الرباط لـ"العربي الجديد": "لقد ابتعدت الحركة الطلابية عن اهتمامات وانتظارات الطلبة المغاربة، وأصبحت تابعة لأحزاب أو جماعات ضغط تهدف إلى خدمة المصالح الشخصية، وتغاضت عن مصالح الطلبة، فلم تشارك الحركة الطلابية في صياغة السياسات التعليمية ولا في الحراك الاجتماعي لعام 2011، ولم تدافع عن قضايا مجانية التعليم في ظل محاولات حكومية لفرض أقساط جامعية ببعض التخصصات وعند فئات معينة من الطلبة، وما يمكن أن تخلفه من هدر تعليمي وتأجيج لمسألة الفوارق الطبقية، وكذلك قضايا السكن والصحة وتزايد الاكتظاظ في الجامعات بالتوازي مع قلة وضعف البنية التحتية".

في الواقع، تعيش الحركة الطلابية المغربية فوضى تنظيمية ناجمة عن غياب هيكلة متوازنة لتياراتها المختلفة، وانقساماً كبيراً أفرز ممارسات الإقصاء والهيمنة؛ الأمر الذي يعيق دينامية النضال الطلابي ويرسخ مظاهر العنف والانتقام.

ولعلّ مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي في نيسان/أبريل 2014 في جامعة فاس، ضمن الصراع بين "منظمة التجديد الطلابي" و"التيار القاعدي اليساري"؛ يؤكد سيادة العقل الانتقامي ومنهج أحادية الرأي الذي جعل من الجامعة المغربية حلبة للاقتتال، كما أنتج ذاكرة سياسية بين الطلاب مليئة بالكراهية والحقد والثأر فيما بينهم، ويبدو أن مسار المصالحة الوطنية لم يتمكن من تضميد جراحها والحد من نزيفها الأخلاقي في مدرجات التحصيل العلمي.

لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن فصل تراجع العمل الطلابي عن المشهد السياسي المغربي عامة، فالعمل السياسي أصبح مرادفاً للتحفز المصلحي والبحث عن الصفقات ومواقع السلطة، وبالتالي، فقد ثقة العموم، ليضاف إلى أعطاب الأحزاب السياسية في كل ما يتعلق بفساد النخبة، ونضوب العرض السياسي.

ويعاني الحقل السياسي المغربي من ظاهرة تناسل الأحزاب المصاحبة لتماثل إيديولوجي في المرجعيات والبرامج السياسية، كما أن الأحزاب المغربية تعرف شيخوخة القيادات. إضافة إلى التعامل الانتهازي للأحزاب مع الشباب المغربي، فيتم استحضار قضايا الشباب عند الاستحقاقات الانتخابية بخطاب سطحي ومجافٍ للحقيقة، حتى يتم الحصول على المغانم السياسية، عوض التوفر على رؤية رصينة ومتكاملة الأركان، ترصد مشكلات الشباب وانتظاراتهم، وتصوغ مشروعاً مجتمعياً يحقق تطلعاتهم.

وتجمع غالبية القواعد الطلابية على أن الدفاع عن الحرية الأكاديمية ركن هام في مواجهة الرقابة السياسية، وذلك من خلال ضمان التعبير عن الرأي الحر وإرساء الاستقلالية الإدارية والمالية للجامعات، كما أن الحركة الطلابية مطالبة بالخروج من الأسوار الأيديولوجية الضيقة إلى الآفاق المعرفية الرحبة، لكي تؤدي مهمتها بالمشاركة السياسية وتكوين نخب قادرة على تحمل المسؤولية مستقبلاً، خصوصاً أننا في عصر معلوماتي يستلزم الكفاءة والأهلية والتشاركية، وليس الانحيازات الفكرية المحدودة.

(المغرب)



المساهمون