"شنغن" وزورقها الذي يغرق الشباب!

"شنغن" وزورقها الذي يغرق الشباب!

25 فبراير 2016
كلما قامت حروب ملوك الطوائف فروا من الحرق بالغرق(Getty)
+ الخط -

لم يعد حلم الهاربين من جحيم أوطانهم العربية هو زورق "شنغن" الذي يقلهم إلى جنة أوروبا، بعدما اصطدم الجميع على صخرة الواقع وانكسار الزوارق.



"شنغن" كانت قرية النبيذ في إمارة لوكسمبورغ، والتي اشتهرت في الرابع عشر من يونيو/ حزيران للعام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين، بتوقيع اتفاقية تسمح بإلغاء المراقبة على الحدود بين خمس دول أوروبية، ثم أدرجت شنغن في قانون الاتحاد الأوروبي عام سبعة وتسعين، ثم وقعت معاهدة ثانية في القرية ذاتها، وتوسع النطاق لتضم ستاً وعشرين دولة أوروبية، ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة المشتركة في ما بينها.

الشباب العربي كلما حمي وطيس الحروب بين ملوك الطوائف كانوا يفرون من الحرق ولو بالغرق، إلى جنات "شنغن" وقد تنامى فرارهم، فبحسب المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية، "جويل ميلمان"، فإن البحر الأبيض صار مقبرة لأكثر من ألف وسبعمائة وخمسين مهاجراً في منتصف العام الماضي، وقد تضاعف أكثر من ثلاثين ضعفاً عن العام الأسبق!

رحلة الغرق تستغرق ساعات طوالاً بل أياماً إما ركوباً للبحر أو مشياً في مناطق خطرة بدون أية حماية ويفقد فيها المهاجر كل ما يملك من غال أو نفيس، وعند الوصول للبر الأوروبي يصبح المهاجر متهما في بلد اللجوء إما بالإرهاب أو إثارة الفوضى أو غيرها من التهم في تلك البلدان.

ألمانيا والسويد والدنمارك أعادت مراقبة حدودها، والمجر أكدت استعدادها لبناء جدار عازل على حدودها مع رومانيا، كجدار برلين، أما النمسا فأعلنت نشر خمسمائة جندي على الحدود مع سلوفينيا، عملا بالمراقبة الآلية لعمليات العبور للمهاجرين.

وللمرة الأولى منذ ما يزيد عن خمسين عاما صارت السويد تطلب إبراز بطاقة الهوية حتى من القادمين إليها من دول الجوار، وأعلنت في الثاني من فبراير/ شباط الجاري مراقبة الأموال التي يستخدمها المهاجرون المشتبه بهم كإرهابيين مبررة ذلك "كعمل وقائي" بحسب إذاعة السويد الرسمية.

كما صرح وزير الهجرة الأسترالي بيتر داتون بأنه يخطط لتعديلات شاملة في قوانين الهجرة واللجوء كما نقل ذلك برنامج LATELINE الذي يقدمه تلفزيون LBC الأسترالي، وقد عرضت منذ أيام كنائس أسترالية المأوى لمائتين وستين طالب لجوء قضت المحاكم بترحيلهم. 

وتحت مزاعم الإرهاب يتم سلب المهاجرين أموالهم ويحرمون من حق العمل أو حق السكن أو التنقل بما يفرغ تلك الاتفاقية من مضمونها ويجعلها حبراً على ورق!

تلك المعاملة الهمجية حدت بستين ألف لاجئ عراقي لطلب مغادرة السويد والعودة إلى بلادهم، بحسب موقع "المعتربون"، والأمر ذاته تكرر مع عدد من السوريين الذين طلبوا الرحيل من ألمانيا، والعودة لوطنهم بعدما اصطدموا بغياب فرص العمل وصعوبة التأقلم، وانكسار الوعود الكاذبة بحياة أفضل.

ومن عجب أن العالم المتمدن الذي بكى طويلاً أمام الشاشات على الطفل السوري إيلان عبدالله الكردي في سبتمبر/ أيلول الماضي هو نفسه من يقتل ألف إيلان في برودة الشتاء بمزاعم تتناقض ومبادئ تلك الاتفاقية وتمهد لإلغائها.

وفي حال إلغائها فإن "اليورو" تلك العملة الأوروبية الموحدة ستكون لا قيمة لها ولا معنى بدون إعطاء الناس حرية التنقل، وسترتفع معدلات البطالة في الاتحاد الأوروبي، بحسب مراقبين، فهل تصلح مقتضيات الاقتصاد ما أفسدته السياسة؟!

(مصر)

المساهمون