رمضان لم يزرنا في اليمن

رمضان لم يزرنا في اليمن

25 يونيو 2015
تمضي السنوات صعبة على اليمنيين (فرانس برس)
+ الخط -
في كل سنة منذ كنت صبية يأتي شعبان ويبدأ معه ترديد اسم رمضان بشكل كبير، وأنا بكل سعادة واستفزاز في كل مرة يقال فيها "رمضان" أصدح بكل صوتي: "رمضاان جاااااانا" ويردد من معي في نفس المكان "وفرحنااااا بوووو"، وإذا لم يردد معي أحد أكمل بنفسي "أهلا رمضان" إلا هذه السنة، وليس أسوأ من ألا تجد حياتك، قد نشكو من الروتين لكن أيضا ألا نجد هذا الروتين يبدو مخيفا، وقطع العادة عداوة كما يقول المثل، وإن كان هذا ينسحب على الوضع الفردي، لكن هذا بدا حال الملايين من اليمنيين في هذا الرمضان..


رمضان ليس أن نصوم فقط، تمضي السنون صعبة على اليمنيين، فكل سنة من دون احتساب أسوأ من سابقتها ومن سنوات صار رمضان أصعب، خاصة على ساكني المناطق الحارة، فانقطاع الكهرباء يحيله امتحاناً حقيقياً، وليس الحر والعطش ما يستهلك الصائم فقط، إن الغضب سبب آخر، وفي المناطق الباردة كما المناطق الحارة، كارثة انقطاع الكهرباء توحد المعاناة، وتفسد الخطط الرمضانية التقشفية التي تعتمدها النساء بشأن الأكل، والإفطار في الظلام وارتفاع أسعار المواد الغذائية في رمضان بالذات وإلخ من المشاكل التي ينتجها رمضان وتدمر السلم "الرمضاني".

خاضت الأسر هذه المشقة، لكن رمضان استمر ليكون "رمضان" أياً كانت مصاعبه، شهر البخور واللمة والموائد الاحتفالية والأسواق المزدحمة، احتفظ رمضان بسحره بالرغم من كل ما أضفته عليه السنوات من سمعة استهلاكية سيئة، لكن هذا العام بدا مختلفا وبشعا، بدأت الحرب قبل رمضان بأشهر ولم يخطر ببال اليمنيين أنها ستستمر حتى رمضان، كان هذا خيالا موغلا في التشاؤم، ومضى من أن يكون خيالا لأن يكون واقعا يفرض تفاصيله المرعبة على اليمنيين، في شهرين من الحرب دمر كل ما كان لدى اليمنيين، وهو من الأساس مدمر لكنه كان يفي بغرض الحياة، وتحولت المدن التي كانت تعج بالناس وتكون قبلة المتسوقين من أنحاء البلاد إلى مدن منكوبة، وتعرفون ما تفعله الحرب، الحديث عن الحياة صار ترفاً، ونحن لم نعد نحكي عن طائرات التحالف التي لم تعد تفرق في قصفها بين أحد وآخر، والحرب الهمجية التي يشنها الحوثيين في المدن، ولا نحكي عن انقطاع مقومات الحياة الطبيعية من كهرباء وغاز طبخ وسلع أساسية.. إلخ، لا ولا نحكي عن فشل مؤتمر جنيف وتوقع فشل أي هدنة، وحتى لا نحكي عن أعداد القتلى والأوبئة التي انتشرت في المناطق الساحلية، نقول هذا أثر الحرب، وماذا نتوقع من الحرب؟ لكني أيضاً أخبركم عن أن المواطنين اليمنيين يقولون جاء رمضان: السلع الغذائية البسيطة ارتفعت أسعارها كما بقية السلع ارتفاعاً خيالياً، هذا مع الأخذ بالاعتبار أن العاملين بلا رواتب وأن أبسط الأشياء صارت معدومة في الأسواق: بطاريات التشغيل للراديو! الشموع! مثلاً، وكما لا يستطيع ساكن المدينة الذي ظل حياً أن يعيد رمضان كما كان لا يستطيع أيضاً ساكنو القرى..

لم يجئنا رمضان الذي نعرفه، وسيقول قائل رمضان مثله مثل بقية الأشهر، بالطبع، إنها فقط الحسرة، تجبرك أيام مثل رمضان على أن تسترجع كل ما ارتبط بمثل هذه الأيام، وهذا ما يحدث الآن: تتذكر رمضان عندما كنا نجتمع كل ليلة في بيت من بيوت العائلة؟ تتذكر رمضان عندما كانت خالتي الله يرحمها تطبخ لنا السبايا؟ تتذكرين جارتنا التي كانت تعطينا كل ليلة صحنا مختلفا، لقد قتلت هي وعائلتها، وتلك اشتريتها في رمضان "اللي فات" وهذه صورة جماعية في رمضان، وكنا نسافر إلى القرية في رمضان وكيف سنقضي العيد في عدن هذه السنة، ولو كان هناك كهرباء كنت سأشتري شيئا من ذاك وآه لو لم يأت رمضان أبدا إن لحظة الإفطار تجعل أمي تستذكر إخوتي الشهداء، سنتذكر رمضان هذا في قادم السنين إن عشنا، رمضان الذي في آخر ليلة من شعبان شهد تفجير ثلاثة مساجد، وفي ثالث يوم تم تفجير مسجد وسط مدينة صنعاء، رمضان الذي فيه عدن تحصد حمى الضنك والملاريا أرواح البشر جنبا إلى جنب مع آلة القتل التي تفعل فعلها بكل همة وجد في تعز، رمضان الذي فيه الطائرات تحوم ليل نهار، إنه رمضان الذي جاء وفي كل بيت يمني وجع، اختلفت المصائب لكن الوجع واحد.

(اليمن)

المساهمون