الحرب على الصورة تلقي "شوكان" خلف القضبان

الحرب على الصورة تلقي "شوكان" خلف القضبان

11 يونيو 2015
22 شهراً مضت وما زال شوكان معتقلاً (مواقع التواصل)
+ الخط -
المصور الصحافي المصري "شوكان" يدفع ثمن عمله مستقلا في بلاد تكره حكومتها الحقيقة.

قبيل ثورة يناير في مصر كان صوت الشبان المصريين قد بدأ يصدح في الإعلام خاصة الجديد منه، وحملت المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي أصواتهم إلى أبعد من المدى المعتاد للإعلام في مصر.

وعبر سنوات مليئة بالحماس والأمل حمل المئات من الشبان الأقلام والكاميرات، راغبين في نقل صورة عن الواقع، صورة حقيقية ونقدية، لا يقومون خلالها بتجميل هذا الواقع ولا إخفاء قبحه، من هؤلاء كان محمود أبو زيد، الشهير بمحمود شوكان.


في منتصف الشهر الجاري سيكون شوكان قد أمضى نحو 22 شهرا في السجون المصرية، بسبب محاولته تصوير أحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية بالكاميرا الخاصة به، تماما كما فعل مع العديد من الأحداث منذ انطلاق الثورة المصرية، بما فيها حتى مظاهرات التفويض.

شوكان وجهت له تهمة بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ضمن حزمة تهم أخرى أصبحت النيابة المصرية توجهها بالجملة للمتهمين -المقبوض عليهم جماعيا في الأغلب- دون محاولة للتدقيق في ملابسات القبض على كل شخص.

ومؤخرا بدأت حملة للمطالبة بالإفراج عنه يقودها مجموعة من الصحافيين، ونظمت الحملة وقفة أمام نقابة الصحافيين المصريين، للإفراج عن شوكان وعدد آخر من الصحافيين المحبوسين بتهم متنوعة، وحظيت الوقفة بدعم من لجنة الحريات بالنقابة وبمشاركة رئيس اللجنة خالد البلشي.

وتلقت هذه الحملة دفعة قوية من فرع منظمة صحافيون بلا حدود في ألمانيا، حيث نظم أعضاء بالمنظمة تظاهرة في برلين أمام مقر إقامة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة الأخير لألمانيا.

ورفعت التظاهرة لافتات عليها صور شوكان وصور للصحافي عبد الله الفخراني؛ والذي ألقي القبض عليه في نفس الشهر الذي شهد القبض على شوكان.

على جناح صورة

شوكان الذي ولد عام 1987 قدم من قنا بصعيد مصر للقاهرة في سن العشرين تقريبا لمتابعة حبه للصورة والصحافة عبر الدراسة في أكاديمية أخبار اليوم للإعلام، وقاده شغفه بالحقيقة لنشر سلسلة تحقيقات مصورة في جريدة "الأهرام المسائي" المصرية حول تدهور المواقع السياحية والمناطق الأثرية في الإسكندرية مطلع عام 2010.

لكن الثورة كانت هي المفصل الحقيقي في حياة شوكان، ليس نفسيا فقط، بل ومهنيا كذلك، فمصر أصبحت في قلب الأحداث وفي مركز اهتمام العالم، وأصبحت الصور القادمة منها تتصدر الصحف ونشرات الأخبار في العالم.

وعرفت صور شوكان طريقها إلى وكالات الأنباء والصحف العالمية، عبر وكالة ديموتكس التابعة لكوربس، ومثلها مئات الصور من مصر لعشرات المصورين الشبان المميزين.

حرب غير تقليدية

فتحت الثورة المصرية جبهة غير تقليدية بين رجال النظام القديم والشباب المصريين، هي جبهة الصورة، واحتدمت الحرب لفضح الانتهاكات وكسب الرأي العام باستخدام الصور والفيديوهات بأقوى صورها منذ يناير 2011.

في مفتتح تلك الحرب كانت صور الشبان الذين برزوا من بين شهداء ثورة يناير في جريدة "المصري اليوم"، تحت عنوان "الورد اللي فتح في جناين مصر" مساهما رئيسيا في قلب الرأي العام على الديكتاتور العجوز وقتها.

ثم قدمت صور ولقطات محاولة أنصار مبارك ومشايعيهم من المخبرين والبلطجية اقتحام ميدان التحرير في الأحداث المعروفة بـ"موقعة الجمل"، دليلا آخر على قوة الصورة.

لكن عجائز الحكم وقتها لم يكونوا قد انتبهوا بعد لقوة سلاح الصورة ضد الانتهاكات، فكان أن نجح المصورون الصحافيون في توثيق الاعتداءات على المتظاهرين وجثث شهداء الميدان في أحداث محمد محمود في وقت لاحق من 2011، وبعدها توثيق تعرية المتظاهرة التي أصبحت معروفة إعلاميا باسم "ست البنات" في أحداث مجلس الوزراء.

ومع تتابع فصول كتاب الثورة في مصر أصبح حراس النظام القديم في الداخلية والجيش أكثر استيعابا لأسلحة الجيل الجديد، فبدأوا في تقليمها، وكان الصحافيون وخاصة المستقلين منهم أحد أهداف هذه العملية.

استهداف منظم

ومع منتصف عام 2013 ومع تصاعد الأزمة السياسية في مصر التي أطيح خلالها بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي بدأت الأطراف المختلفة في استهداف الصحافيين الذين تراهم يقدمون وجهات النظر الأخرى، فقد تواترت المعلومات عن اعتداءات من قبل أنصار مرسي على صحافيين يعملون في "المصري اليوم"، وصحف أخرى اتهمت بدعمها للإطاحة بالرئيس ذي التوجه الإسلامي.

وفي المعسكر الآخر، استهدفت السلطات المصرية الصحافيين بشكل موسع، حتى قبل فض اعتصام رابعة، وتم أثناء الاعتصام وبعده القبض على عشرات الصحافيين، فيما كان أقرب ما يكون لخطة لمنع أي توثيق لعملية الفض والانتهاكات التي تخللت ذلك، وكان نصيب الصحافة المستقلة من ذلك الكثير.

قبض على محمود شوكان خلال تلك الموجة من حملة إسكات الأصوات المستقلة، وزج به في السجن منذ ذلك الحين بدون محاكمة حقيقية حتى الآن.

خرج العديد من الصحافيين الذين قبض عليهم في مصر منذ ذلك الحين، بسبب ضغوط من دول أجنبية -يحملون جنسياتها- أو مؤسساتهم الصحافية التي دعمت حملات المطالبة بإطلاق سراحهم، وتبقى في السجون هؤلاء الذين يحملون جواز السفر المصري وحده -والذي يبدو أنه لا يحمي حامله في البلاد أو خارجها- ومن فضلوا العمل باستقلالية عن المؤسسات الكبيرة.

ويبدو أن للعمل الصحافي المستقل في منطقتنا العربية ثمنا كبيرا، يدفعه شوكان الآن من أيام حياته ساعات طويلة في السجون المصرية، ودفعه آخرون من حياتهم وحريتهم.

(مصر)

المساهمون