التنمية الإنسانية في العالم العربي

التنمية الإنسانية في العالم العربي

17 ديسمبر 2015
لن يتحقق مشروع التنمية الإنسانية عربياً إلا بالديمقراطية (Getty)
+ الخط -

يشير مفهوم التنمية الإنسانية الشاملة إلى تعريف التنمية من طرف المفكر الاقتصادي "أمارتيا سن" باعتبارها عملية لتوسيع حريات البشر من حريات سياسية، وتسهيلات اقتصادية، وفرص وخدمات اجتماعية وأمان وقائي، وتعزيز قدرة الناس على عيش حياة هانئة وكريمة.


في هذا الصدد، ترمي التنمية الإنسانية الشاملة إلى تمكين البشر من اكتساب القدرات وتعزيزها، وإتاحة الفرص لهم بشكل عادل ومتوازن من أجل تفعيل هذه القدرات، علاوة على إشراك المواطنين في صناعة السياسات العامة، ومراقبة تنفيذها ومحاسبة المسؤولين عليها، كما تتسق التنمية بمدى استدامتها عبر تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون تعجيز مقدرة الأجيال المستقبلية.

وفي سياق متصل، تعتبر أزمة التنمية العالم العربي نتاج أسباب متداخلة ومترابطة، تتعلق أساساً بشق سياسي حيث نجد أن الاستبداد السياسي بما يمثله من تسلطية وإدارة استحواذية للحكم، وآخر اقتصادي يقصد به مسألة الريع التي تتصف بها جل الدول العربية، وذلك راجع لاعتمادها على المصادر الطبيعية كالنفط أو المساعدات الأجنبية إضافة إلى تحويلات المغتربين في الخارج لتمويل اقتصادها. ومما يلاحظ في هذا الشأن، أن الاستبداد السياسي والريع الاقتصادي متلازمان يغذي ويحصن كل منهما الآخر، الأمر الذي يعوق مسار التنمية الإنسانية الشاملة، ويستوجب تحولا سياسيا واقتصاديا عميقا يخرج هذه الدول من دائرة الريع الضيقة إلى آفاق الإنتاج الرحبة.

وعلى هذا الأساس، تتجلى مظاهر أزمة التنمية الإنسانية بالدول العربية في تحديات صعبة لكنها متفاوتة من دولة إلى أخرى: البطالة، الفقر والعوز، الأمية، ارتفاع التفاوت الاجتماعي، تدني مستوى التعليم، هشاشة الرعاية الصحية، التلوث البيئي، انتهاكات حقوق الإنسان، التضييق على الحريات الأساسية وضعف المشاركة السياسية، إضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي بسبب التهديدات الخارجية أو تنامي الصراعات الطائفية والنزاعات المذهبية.

وفي هذا الصدد فإن خصائص النظام الاستبدادي أثرت في كيان الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي لطالما سعت إليها الشعوب العربية، تلك الدولة التي يشكل النظام الديمقراطي حجرها الأساس، والقادر على حمايتها من انحرافات وسلوكيات استبدادية ويخرجها من دائرة الروابط المجتمعية التي لا تقبل الآخر كالوصاية والتبعية. زيادة على سيادة القانون التي تقام عبر بناء الإنسان ونبذ الطغيان عبر اكتساب الدولة لشرعية الاستحقاقات الانتخابية ومشروعية الرضا الشعبي، ثم عن طريق الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء بما يكفل إلزام المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة وإقامة قواعد رقابية وإجراءات فاعلة لضبط وربط معادلة الحرية والأمن. إضافة إلى تكريس ثقافة المواطنة الساعية إلى تجسيد الحقوق المدنية والسياسية وحرية الرأي والتعبير، وعلى المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والشفافية، وترمي المواطنة إلى عدم اختزال الوطن في حزب أو قبيلة أو طائفة وأنه لا وجود لأقلية في المجتمع، بل مواطنون متساوون ومساهمون في صنع القرار الوطني.

على الجانب الآخر، حول الريع الاقتصادي دور الدولة من دولة إنتاجية إلى دولة تحصيصية، اندثرت فيها قيم العمل، الاجتهاد، الابتكار والاستحقاقية، مما أفرز نظاماً ريعياً معتمداً على منظومة علاقات أدت إلى تضخم بيروقراطي مفرط واستفحال الفساد والإفساد في أواصر الدولة، الأمر الذي نجم عنه تجسير للهوة في القطاعات الاقتصادية بين القطاع المنظم وغير المنظم وفي التركيبة المجالية بين المجال الحضري والقروي، ثم في التوزيع الترابي بين المركز والجهة و كذلك في الهيكل المجتمعي بين الرجل والمرأة وبين الأغنياء والفقراء.

وختاماً، لن يتحقق مشروع التنمية الإنسانية بالعالم العربي إلا عبر إقامة نظام ديمقراطي، عدالة اجتماعية تقضي على المتفاوتات الكبيرة وتثمن الرأسمال البشري، وتكامل اقتصادي عربي. وفي المحصلة، يجب أن تكون تنمية شاملة، مستدامة، مستقلة وعادلة، وأن ترتكز على تحرير وتمكين البشر لتوظيف معارفهم وقدراتهم في الإنتاج، وتحسين جودة الحياة ورفع الظلم الاجتماعي عن البشر، واستقلال الوطن من القيود الخارجية، بما يخدم مصلحته ويقوي جبهته الداخلية المتمثلة في التوعية الشعبية وتوطيد المشاركة السياسية.

(المغرب)

المساهمون