"أنا اسمي زفتة".. هكذا اعترضت الصغيرة

"أنا اسمي زفتة".. هكذا اعترضت الصغيرة

27 ابريل 2015
الطفلة مريم تعبر عن غضبها من المناهج (العربي الجديد)
+ الخط -
"اسمي مريم حسين فاروق.. اسمي زفتة"، "NO BREAK"، "أرف"، "بكره المذاكرة"، "مش حاعمل الـ H.W"... إلخ
هذه بعض من هوامش طفلتي مريم صاحبة الـ 6 سنوات ونصف في أوراقها وكتبها وباب غرفتها، وهي التي بدأت للتو تعلم القراءة والكتابة لتعلن أناملها الصغيرة ثورة عارمة رافضة للتعليم التقليدي بمصر؛ والذي يعتمد على الحفظ والتلقين وكتابة جمل عقيمة عشرات المرات على أوراق التسعة أسطر البغيضة بالنسبة لها ولمن هم مثلها.

اكتئاب الأطفال
أحاول أن أتفهم شعور طفلتي التي تتحول من طفلة مرحة مليئة بالنشاط والحيوية والسعادة إلى أخرى كئيبة كسولة حزينة، كلما فتحنا عشرات الكتب والكراسات والملخصات لنبدأ رحلة العذاب اليومية من أداء الواجبات المدرسية والمذاكرة للامتحانات والتطبيقات التي لا تتوقف طيلة الأسبوع!
في أول أسبوع من الدراسة كتبت لها معلمتها في أول صفحة في كراستها "اسمي مريم حسين فاروق"، وكان من المفترض أن تكرر مريم العبارة عشرات المرات. ولكن مريم كتبتها مرتين فقط، فطلبت منها أن تكمل، رفضت، وبختها وضغط عليها لتكمل واجبها، ففوجئت أنها بعد الانصياع لأوامري كتبت في نهاية الصفحة بكل غضب الدنيا "اسمي زفتة"، واللافت أنها كتبتها بشكل صحيح دون أية أخطاء!
أغلقت الكراسة وسألتها بهدوء.. "مش عايزة تعملي الواجب ليه يا مريم؟"، فردت "بكره المدرسة.. بكره الواجب.. نفسي أقعد براحتي ألعب واتفرج على التليفزيون من غير زن يا ماما".
أخبرتها: التكرار بيعلم الشطار يا مريم، فردت بعفوية: زهقت يا ماما.. عايزة ألعب.. وأنا والله عارفة إن اسمي مريم حسين فاروق وبعرف اكتبها.
كأم حاولت أن أتخطى الأمر..

مأساة تتضاعف
يوما بعد يوم بدأت المأساة تتضاعف فـ "مريم" بالفعل تكره أداء الواجب وترفضه بشكل قاطع، ولكنها في نفس الوقت تتمتع بمستوى جيد في المدرسة.
أحاول معها أكثر، وللأسف يزداد الضغط عليها، كنا نقوم بأداء واجب اللغة العربية سويا، وكان عبارة عن أسئلة تطبيقية على حروف المد، وفاجأني أحد الأسئلة في التطبيق حيث يقول: "اذكر الحرف الممدود في كلمة نَضِيع" سألتني ببراءة: "يعني إيه نضيع ؟!".
أجبتها بسخرية: "اللي احنا فيه ده يا مريم" متعجبة هل لم تجد المعلمة التي وضعت الأسئلة كلمة أفضل من "نضيع" لتدريب الأطفال على المد بـ "الياء"..!!
سؤال آخر زاد من تعجبي وجعلني أكثر تعاطفا مع طفلتي، "أذكر مضاد كلمة شكرًا"، الحقيقة وقفت عاجزة أمام السؤال وتساءلت في حيرة وأنا أحملق في سقف بيتنا: ما هو مضاد شكرا؟ ولم أعرف، فكيف لهذه المسكينة أن تعرف.

سؤال ثالث لتكوين كلمات عبر مجموعة من الحروف المعطاة لهم، فلم تجد مريم كلمة لتكونها سوى كلمة "أرف" .. هذا ما تبادر إلى ذهنها عندما بدلت الأحرف!!
أغلقنا كتب اللغة العربية وفتحنا الإنجليزية فمريم تدرس أكثر من كتاب للغة الإنجليزية، يصل عددها إلى ثمانية كتب، اثنان منهما خاصان بالوزارة يجب دراستهما في كل المدارس، واثنان مستوى رفيع وكتاب صوتيات وقصتان، جميعهم يجب أن تدرسهم مريم خلال عام واحد، والحقيقة أنني أحضرت لها كتابا خارجيا إضافيا!!

أذكر أثناء مذاكرة الإنجليزية ليلة امتحان نصف الفصل الدراسي الثاني "الميد تيرم"، كنا نجيب عن بعض أسئلة المراجعة وفوجئنا بالسؤال التالي: ( The Owl is ( beautiful -ugly-short
هل البومة جميلة أم قبيحة أم قصيرة؟.. بثقافتي المحلية المحدودة أخبرتها أنها ugly أي قبيحة مع إنكاري وصفا لمخلوق بالقبح أيا كان، وبالفعل أثار السؤال جدلا واسعا على صفحة المدرسة بموقع التواصل الاجتماعي، بين المدرسين وأولياء الأمور الذين رأى بعضهم أن الإجابة ugly استنادا لموروثنا الثقافي والشعبي بأن البومة نذير شؤم وخوف، بينما رأى الآخرون أنها beautiful استنادا للثقافة الغربية والتي ينتمي إليها الكتاب المدرسي، فالبومة لديهم رمز الوقار والحكمة.
ولا أعلم كيف لطفل في السادسة من عمره أن يدرك كل هذه الأبعاد في الإجابة عن سؤال يأتيه في الامتحان!

حيرة أمهات
أخبرتني صديقتي التي لديها طفل في عمر مريم.. "احنا بشتري لولادنا معاملة آدمية بفلوسنا في مدارس اللغات، لكن تعليم لأ، المنظومة كلها بايظة"، صديقة أخرى أخبرتني "احنا بنرمي ولادنا في التهلكة عبر هذا التعليم".
الصديقة الأولى قامت بتحويل أبنائها من المدرسة إلى نظام التعليم المرن "home schooling" لأنها أشفقت عليهم من هذه المعاناة، أما أنا فلم أتحلَّ بالجرأة الكافية لأقدم على هذه الخطوة، وإنما اكتفيت بالتغاضي عن جزء كبير من الواجبات اليومية المطلوبة، والاستعانة بمعلمات قادرات على توصيل المعلومة بطريقة مبسطة لمريم يومين في الأسبوع لأخفف الضغط قليلا على كلتينا.
وتنازلت عن رغبتي في حصول ابنتي على الدرجات النهائية، فيكفيني إدراكي لاستيعابها الهدف من دراستها للعلوم المختلفة، وأسعى لتنمية قدراتها في مجالات أخرى تحبها كالرياضة والرسم والقراءة، ولا أعلم هل سأستطيع توفير مناخ مناسب لطفلتي لتمارس ما تحب خلال السنوات القادمة، في ظل تعقيد المناهج وضخامتها أم سألحق بصديقتي التي قررت الانفصال عن هذه المنظومة البائسة.

المساهمون