عام فان كوخ

عام فان كوخ

31 مارس 2015
"زهر اللوز"، فنسنت فان كوخ-1890، متحف فان كوخ بأمستردام
+ الخط -
قرأ فنسنت فان كوخ الكثير من الأدب. طلاقته في لغات ثلاث؛ الإنكليزية والفرنسية وبالطبع الهولندية، أفسحت أمامه عديد الاختيارات. قرأ غي دو موباسان وهونوريه دو بلزاك وغوستاف فلوبير وفكتور هوغو، وذكر أنه تأثّر بكلمات تشارلز ديكنز في رسوم البورتريه. الصورة الرائجة عن فان كوخ رومانسية، وعزّزتها هوليوود بفيلم قديم أدى بطولته كيرك دوغلاس؛ سنجد تقلّب المزاج، سلسلة الانهيارات العصبية، الفشل في الحب، وبالطبع قصة الأذن المقطوعة التي أطلق اسمها على متلازمة في الطب.
شُرّحت حياة فان كوخ بأدق تفاصيلها. جلي هو الجانب الإيماني في حياته القصيرة، ولعلّ فترة الوعظ والتبشير هي أكثر فتراتها إعتاماً، حين عاش بين عمّال المناجم، حالماً بالعيش في الريف. سافر إلى آرل في جنوب فرنسا وفتح الضوء عينيه، تفجّرَ الأصفر والأزرق في شعل صغيرة من الانفعالات قد تبدو كانفجارات حسية أمام الموت. مغتبطاً بالمكان الذي جاء إليه، كتب إلى صديقه بول غوغان قائلاً إنه سيصبح صياداً إيسلندياً وراهباً بوذياً، وسيؤسّس داراً ليقيم أصحابه الفنانون، وعثر على منزل سمّي المنزل الأصفر وحاول أن يستأجره، وكانت تُرسم سمكة أحياناً على أوراق مراسلات الصديقين، تذكّر برمز المسيحيين الأوائل في فجر المسيحية.
بالنسبة إلى فان كوخ، كان ساعي البريد هو سقراط، والسيدة العجوز عرافة، والرضيع حكيماً. القداسة الحقيقية هي الحياة العادية، وقد يجوز القول إن فنّه ضربٌ من الواقعية المقدسة. في إحدى المرات اعتبر آرل بمثابة أرض العاهرات الجميلات الورعات، وفي هذه البلدة زاره غوغان. فنسنت الرقيق الرعديد يصحب بول الفظ المغامر الفحل إلى الماخور؛ شهد ذاك المكان إهداء فصّ الأذن المقطوع إلى مومس، حيث كان الصديقان يسكران بالأبسنث ويتجادلان ويتشاجران. عام 1890 خلا المنزل الأصفر من ضيفه الوحيد، وتبخّر حلم دار الفنانين واختنق حلم الريف، وبقيت مفتوحة أبواب المصحة التي نُقل إليها فان كوخ، وقد تحوّلت في الوقت الحالي إلى معهد للمترجمين. تقام هذه السنة مئات المناسبات الثقافية مخصصة لهذا الرسام العاصف الأحاسيس، إحداها في بروكسيل التي عاش فيها أيضاً، حيث ستصمم للزوار متاهة من زهور عباد الشمس.
منذ 125 عاماً، كتب فان كوخ في أيامه الأخيرة رسالة إلى أخته فيلميين يسألها هل قرأت الملك لير. كان يعيد قراءة وليم شكسبير في المستشفى. كتب في تلك الرسالة: "نحن الفنانين ما عدنا نعرف ما الذي سنقوله لبعضنا البعض، ولا نعرف هل ينبغي علينا أن نضحك أم نبكي أمام ما يجري. (...) أية فكرة حول حياة منتظمة، أية فكرة لإيقاظ الأفكار والأحاسيس اللطيفة في داخلنا أو لدى الآخرين، لا بدّ وأن تبدو لنا بالضرورة مجرد يوتوبيا. إذا أردنا أن نعمل، فعلينا الخضوع لفظاظة العصر ولعزلتنا التي يصعب علينا احتمالها أحياناً كأنها المنفى. الآن أمامنا، بعد سنواتنا التي ضاعت، هناك الفقر والمرض والشيخوخة والجنون، ودائماً المنفى".

المساهمون