العشوائيات المصريّة: اقتصاد داخل الاقتصاد

العشوائيات المصريّة: اقتصاد داخل الاقتصاد

09 فبراير 2015
العشوائيات قنابل موقوتة (ماركو لومغاري/فرانس برس)
+ الخط -
تنتشر في قلب القاهرة ‏وباقي المحافظات عشرات بل‎ ‎آلاف القنابل الموقوتة التي لا ‏تلقى أي اهتمام من الدولة. وبالرغم من أنها‎ ‎تقتل سكانها يومياً ‏بالتلوث والزحام والفوضى، إلا أن الأنظمة المتعاقبة‎ تتعامل معها على أنها واقع عادي... إنها العشوائيات.‏

انتشار واسع للعشوائيات 
وفي‎ ‎صورة تعكس عدم اهتمام الدولة بالعشوائيات، تتضارب الأرقام ‏الحكومية حول عددها في مصر. إذ يقول الجهاز‎ ‎المركزي للتعبئة ‏والاحصاء إن هناك ما يقرب من 1221 منطقة عشوائية، ‏احتفظت‎ ‎القاهرة بمفردها بـ81 عشوائية، تغطي ما يقرب ‏من 45% من مساحتها، أي‏‎ ‎أن هناك 15 مليون مواطن يعيشون ‏في تلك العشوائيات. بينما يؤكد مركز‎ ‎المعلومات التابع لمجلس ‏الوزراء أن عددها 1034 منطقة عشوائية، فيما قال معهد التخطيط‎ ‎القومي إن عدد العشوائيات في مصر هو ‏‏1109‏‎.‎
لا يقتصر مفهوم‎ ‎العشوائيات في مصر على مجموعة من السكان ‏قاموا بالبناء على أراضٍ زراعية‎، بل إن ‏العشوائية في "المحروسة" تعني عشوائية البناء،‎ ‎عشوائية ‏الصناعة، عشوائية السلوك، الأمر الذي يطرح الكثير من الاسئلة ‏حول‎ ‎أنواع‎ ‎الصناعات التي تنتشر في العشوائيات، واسبابها، ‏ومساهمتها في الاقتصاد،‎ ‎ودور الدولة الفعلي في تطوير هذه العشوائيات؟‎ ‎‏

رأس مال ضخم
قال‎ ‎وكيل أول اتحاد الصناعات في القاهرة، محمد المرشدي، إن الاتحاد أجرى ‏دراسة أخيراً عن حجم الاقتصاد العشوائي، وأن الدراسة ‏خلصت إلى أن حجم رأس مال المشروعات غير الرسمية وصل ‏إلى تريليون جنيه، معتمدة فقط على رأس المال المتداول ‏للمشروعات الإنتاجية، وأن هناك 116 منطقة‎ ‎صناعية غير ‏مرخصة، وفقاً للهيئة الصناعية للجودة، ويعمل فيها ما لا يقل عن ‏مليون عامل في قطاع الصناعة فقط، وأن استثمارات تلك المصانع تبدأ من 5 آلاف وصولاً إلى 15مليون جنيه.‏
‎واعتبر المرشدي أن الصناعات العشوائية تلحق الضرر بالاقتصاد المصري لأبعد الحدود، ولا سيما أنها لا تؤمّن ‏التنافسية مع الصناعات الاخرى، وتسلب الأيدي العاملة من ‏المصانع الرسمية. مدللاً على ذلك بإغلاق ‏ما يزيد عن 2450 مصنعاً بسبب هروب الأيدي العاملة إلى ‏الصناعات غير الرسمية.‏
عدّد المرشدي أبرز الصناعات العشوائية، ومنها صناعة الملابس ‏الجاهزة، والجلود، والأغذية، وهي جميعها صناعات هامة وفارقة ‏في الاقتصاد المصري، كما أن لها تأثيراً واضحاً على المستهلك، ‏حيث لا تخضع تلك الصناعات لرقابة الدولة، ‏وبالتالي فإن جودتها أقل وخطرها كبير، لا سيما في مجال الأغذية. كما تحرم هذه الصناعات الدولة من حقها في الضرائب ‏التي يمكن‎استثمارها في تحسين معيشة سكان العشوائيات.

"بيروقراطية وتشريعات مكبلة"
أما عضو غرفة صناعة الجلود في الغرفة ‏التجارية، عبد الرحمن‎ ‎الجباس، فكان له رأي آخر، حيث اعتبر أن أهم‎ ‎أسباب انتشار ‏الصناعات العشوائية، مثل الجلود، والغزل والنسيج، والعطور، والتي ‏وصلت الى نسبة 45% من إجمالي الصناعة في مصر، يعود ‏إلى البيروقراطية‎ ‎والتشريعات التي تكبّل الراغبين في الاستثمار الصناعي، ‏إضافة الى الفساد الذي ما زال‎ ‎يستشري في كافة مؤسسات الدولة.‏ وقال إن أي مواطن يرغب في إقامة مصنع، عليه‎ ‎أن يخضع لرقابة ‏ما يزيد عن 18 هيئة حكومية، كما أن الضرائب تصل إلى 50 ‏ألف جنيه سنوياً على ورشة تصنيع ملابس‎ ‎لا يتعدى عدد ‏الماكينات فيها الماكينة الواحدة أو الاثنتين، ولا يتخطى عدد العمال فيها سبعة عمال، ما يؤدي‎ ‎إلى تعثر الورشة وإغلاقها.
ورأى الجباس أن هناك ضرورة لأن تحدث ثورة في التشريعات الصناعية، وأن تتصالح الدولة مع تلك النوعية من ‏الصناعات التي استطاعت بمهارة أن تصمد في الوقت الذي ‏انهارت فيه العديد من الصناعات الرسمية. ‏
اتفق معه في الراي أدهم صالح، صاحب مصنع للملابس الجاهزة ‏في شبرا الخيمة، مؤكداً على أنه حاول في بداية الأمر أن يقوم ‏بتسجيل منشأته، إلا أنه اصطدم بسيل من التعقيدات والروتين.
وقال عضو مركز الدراسات الاقتصادية ‏وصندوق تطوير العشوائيات، الدكتور أحمد زعزوع، إن الانتقادات التي يوجهها البعض ‏إلى الدولة في تطوير العشوائيات وصناعتها، هي في محلها، و‏لا سيما أن مصر تعاني حالة من التشوّه في اقتصادها. ومن ‏أبرز دلائل ذلك التشوه هو انتشار الصناعات الموازية ‏في العشوائيات، إلا أن الفترة الراهنة تشهد محاولات جادة في ‏تصحيح ذلك التشوه، مدللاً على ذلك بمشروع قانون تم تقديمه من ‏قبل جهاز التنمية لكل من وزارة الصناعة والمالية ووزارة تطوير ‏العشوائيات يتضمن دمج ‏الاقتصاديات غير الرسمية مع الرسمية، بحيث يمكن للدولة أن ‏تستفيد من تلك القدرات.‏

دلالات

المساهمون