من الجزائر: ثالوث ثقافي في مواجهة ثالوث المحظور

من الجزائر: ثالوث ثقافي في مواجهة ثالوث المحظور

20 يناير 2015
عبد القادر بن شما، الشعاع الأزرق
+ الخط -
روايةٌ جزائرية وفيلمٌ جزائري وكتابٌ بحثي جزائري، أو ثالوثٌ ثقافي صدر في نهاية العام المنصرم، ووقف في مواجهته ثالوث المحظور بجوانبه المعروفة "عربيًّا": السياسية والدينية والاجتماعية. ما الجديد في الأمر؟ الجديد هو ارتقاء مؤشّر المحظور درجات عديدة، إذ إن المواضيع الثلاثة التي تطرّقت إليها الثقافة، روايةً وفيلمًا وكتابًا بحثيًّا، تقع في صلب تكوين الهوية الجزائرية فالرواية مضادّة للرواية الفرنسية الشهيرة "الغريب" لألبير كامو (ذي الأصل الجزائري) التي وسمت الجزائري بميسم إشكالي. والفيلم يغوص في تفاصيل "غير مقبولة" لرجالات الثورة الجزائرية التي طردت المستعمر الفرنسي، أمّا الكتاب البحثي فيبحث في عادات الطوارق، نازعًا بذلك احتكار البحث الأجنبي والفرنسي لـ "التنظير" الاجتماعي الجزائري.

"الوهراني" : المحظور السياسي وقدسية الثورة

سريعًا وجد المخرج إلياس سالم نفسه في قفص الاتهام. ففي ليلة مُرّة، إبّان العرض الأوّل لفيلمه "الوهراني" في قاعة سينمائية في مدينة وهران غربي الجزائر، حيث كان قد دعا طائفةً من المثقّفين وكبار مجاهدي الثورة الجزائرية وقدماء المحاربين، منتظرًا أن تصفق القاعة له ولفيلمه، فوجئ سالم برد فعلٍ عنيف، تمثّل في اتهامه بالردّة السياسية والمساس بشرف الثورة والمجاهدين، وذلك ما أن مرّت بعض المشاهد التي عدّها قدماء المحاربين مساسًا بشرفهم.
يتحدّث الفيلم عن ثلاث شخصيّات التقت وتعرّفت إلى بعضها في فترة الثورة الجزائرية، واستمرّت العلاقة بينها إلى ما بعد استقلال الجزائر، حيث تعايشوا معًا لكن كل وفقًا لطريقته ورؤيته. تعود كلّ شخصية بذاكرتها إلى فترة الثورة، وعند ذاك، تظهر مشاهد السُّكر، حيث نرى زجاجات الخمر على موائد المجاهدين. ويظهر بعضهم في حفلات ماجنة. يؤدّي المخرج سالم دور البطل "جعفر الوهراني"، الذي أنجبت له زوجته طفلًا قبيل وفاتها إثر اغتصابها من جنودٍ فرنسيين. تضمّن الفيلم في حواره ألفاظًا تعدّ نابية في نظر المجتمع الجزائري. 
هذه النقاط الثلاث هي التي رفضها قدماء المحاربين، وعدّوها غير ذات صلة بواقع الثورة الجزائرية ومجاهديها. مؤكّدين أن المجاهدين ما كانوا مطلقًا ليشربوا الخمر، فضلًا عن رفضهم التام لـ "قصّة" اغتصاب زوجة المجاهد جعفر، خاصّة وأنها إحدى القضايا المسكوت عنها في تاريخ الثورة، التي تبيّن الممارسات العنيفة وغير الأخلاقية لجنود الاحتلال الفرنسي. رفض قدماء المحاربين هذا، رغم واقع اعتراف المجاهدة الجزائرية الكبيرة، لويزة إغيل أحريز، التي سُجنت خلال ثورة التحرير في سجن سركاجي، أنها تعرّضت هي نفسها للاغتصاب من الجنود الفرنسيين، وكانت قد رفعت قضيةً في إحدى محاكم باريس ضدّ مسؤولين عسكريين فرنسيين.
وفقًا للمؤرخ والأستاذ الجامعي، لحسن زغيدي، فإن الفيلم اختار طريقًا خاطئًا، من حيث اعتمد الإثارة، وخلط بين القراءة التاريخية للحدث والإثارة السينمائية :"من المرفوض القبول بمضمون هذا الفيلم الذي يصوّر المجاهدين داخل الخمّارات، ويتهمهم بفساد الأخلاق، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، حيث كان اختيار المجاهدين من قيادة الثورة، يتمّ وفقًا لأخلاقهم والتزامهم الديني والمجتمعي". 
يدلّ كلام المؤرّخ أن الثورة الجزائرية ورجالاتها ما زالوا يحظون بكلّ التقدير والمكانة التي تبدو أدنى إلى التقديس. ويمكن سوق دليل آخر على مكانة المجاهدين من خلال حادثة سابقة: ردّ فعل الجزائريين على تعرّض الإعلام المصري لـ "شرف الثورة والشهداء في الجزائر" إبّان أزمة كرة القدم الشهيرة بين البلدين في ناهية عام 2009. ولعلّ حالة الغليان الشعبي الجزائري ضدّ مصر وقتذاك، كانت الدافع الأبرز ليأمر الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، بإقامة أكبر جسرٍ جوي بين الجزائر وأم درمان في السودان، لنقل المشجعين الجزائريين لمؤازرة منتخبهم، في اللقاء الحاسم للتأهّل إلى دورة كأس العالم في كرة القدم عام 2010.
حاول المخرج، سالم، توضيح موقفه، مؤكّدًا أنه اجتهد على صعيد التخييل، راميًّا إلى تقديم رؤية نقدية للأحداث من دون الوقوع في "فخ التقديس" الذي يطبع عادة الأفلام الخاصّة بالثورة الجزائرية : "يتعلّق الأمر بفيلمٍ خيالي، ورؤية نقدية للأحداث لا تعبّر بالضرورة عن الواقع". لم يتوقف الجدل الذي أثاره فيلم "الوهراني" على ما يبدو، وانتقل إلى المستوى الرسمي. 
لكنّ الحكومة ممثّلةً بوزيرة الثقافة الجزائرية، نادية العبيدي، (المعروفة بـ نادية شرابي أيضًا)، لم تمنع الفيلم. إذ إن الوزيرة مخرجة سينمائية أصلًا، وقالت في تصريح للصحافيين إنها لن توقف عرض الفيلم واعتبرت أن الأفلام في ذاتها موجهة لخلق النقاش.


كمال داود: حرب الكاتب والفقيه

مع نهاية عام 2014، تفجّرت في الجزائر قضية في شقيها الثقافي والسياسي، بشأن رواية "ميرسو، تحقيق مضاد" للروائي كمال داود، التي تأخذ رواية "الغريب" للفرنسي الجزائري، ألبير كامو، (نوبل للآداب 1957) منطلقًا لها. وكانت رواية داود الصادرة عن دار النشر آكت سود، قد حصلت على عدّة جوائز منها "جائزة فرانسوا مورياك" و"جائزة غونكور - خيار الشرق" فضلًا عن وصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة الغونكور الشهيرة.
تضمّنت رواية داود بضع فقرات عدّها مشايخ الدين وناشطون في التيار الإسلامي قذفًا بحقّ الذات الإلهية. إذ أصدر الناشط ورئيس حزب الصحوة الحرّة الإسلامية السلفية – غير المعترف به قانونيًّا في الجزائر – زيراوي عبد الفتاح حمداش بيانًا، اتهم فيه داود بسبّ الذات الإلهية والكفر، مطالبًا السلطات بمحاسبته بل وبإعدامه: "قتلاً علانية بسبب حربه الفاجرة ضدّ الله والرسول ومقدّسات المسلمين وأبنائهم وبلادهم". ولم يتورع حمداش عن التشبّث بموقفه هذا حين استضافته الوسائل الإعلامية، وسانده في ذلك أيضًا عدد من الناشطين الإسلاميين، الذين عدّوا أن الكاتب تجاوز الخطوط الحمراء، وأنه يسعى للحصول على جوائز أدبية في فرنسا، خاصّة بعد تصريحاته "المثيرة للجدل" في وسائل إعلامية بدوره لكنها فرنسية، فقد صرّح داود على إحدى قنوات التلفزة أن: "الجزائر فيها اللغة الجزائرية وليس اللغة العربية"، معتبرًا "أن العرب احتلّوا الجزائر".
بيد أن المطالبة بإعدام داود نتيجةً لتصريحاته الإعلامية، أثارت بدورها ضجّة كبيرة، واستدعت ردّاً من المثقفين، نظرًا إلى أنها تذكّرهم على ما يبدو بـ "العشرية السوداء". هذا ما كان رأي الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج: "بعد مقتلة دامت أكثر من عشر سنوات، وخلّفت وراءها أكثر من مئتي ألف ضحية، وقرابة الأربعين مليار دولار من الخسائر التي حوّلت إلى رماد، ها هي الآلة الجهنمية تطلّ برأسها من جديد، داعيةً كما عادتها التي لم تنسها أبدًا، إلى التكفير والقتل، من خلال آلية من العجز الفكري والتأملي". وتساءل الأعرج : "من الذي يمنح هؤلاء القتلة المتخفّين، حقّ الإفتاء بقتل الآخرين الذين لا يوافقونهم الرأي؟ اعتمادًا على دينٍ إسلامي متسامٍ، جّيروا تأويلاته وفق شهواتهم المريضة. ما هو هذا الشيء العظيم الذي يتهدّد الإسلام والمسلمين ليصل الشيخ، عبد الفتاح زيراوي، أن يخرج من الظلّ ليعلن جهرًا بأنه يجب حرمان الروائي، كمال داود، من جنسيته ومنعه من دخول الجزائر ومحاكمته وتطبيق الحد عليه وقتله....ما قاله كمال داود عن العروبة وفلسطين والجزائر والدين وغيرها من الموضوعات قابلٌ لأن يناقش، لكن كان على الشيخ حمداش أن يحمل قلمه ويكتب ويجادل كمال داود بالتي هي أحسن، إن كان يملك ما يقوله، بدلَ الركض وراء التهم الخطيرة التي قد تقوده هو إلى السجن قبل إعدام كمال داود، لأنها مناداة صريحة وعلنية بالجريمة، التي يعاقب عليها القانون كجريمة".
ويضيف "الرواية هي في النهاية عالم لغوي ينشئه الكاتب ليقول فكرة ما أو التعبير عن أزمة ما في الجسد الذاتي والمجتمعي، ومن يخالفه في الفكرة هناك شيء اسمه النقد، هو أيضاً نشاط لغوي وليس سيوفاً أو كاتمات الصوت، ترفع في وجه الكتاب. فليأت بفكرة بديلة، أو بكتاب، بدل القفز إلى الجريمة الموصوفة".
وقال الشاعر، أحمد دلباني : "إن الإسلام السلفي الراديكالي الذي يمثّله الشيخ، حمداش زيراوي، صاحب فتوى ضدّ الروائي كمال داود يمثل أعمقَ أزمة مع التحديث الفاشل الذي ميَّز مُجتمعاتنا. إنه إفراز الخيبة والنكسات والهزائم وتراجع المشاريع النهضوية والتنموية عبر كلّ أقطار العالم العربي". أمّا الكاتب اليمين بن تومي فيرى أن "الرجّة الأخلاقية التي ساقتها هذه المسألة، تعبّر عن إفلاس حقيقي في تعايش النخب في الجزائر، نخب عروبية متأسلمة تعفّن خطابها لدرجة استحال أن يضيفوا جديدًا لواقع الثقافة إلا التقسيم القديم للعالم، وتلك الثنائيات الممجوجة بين عالم الإيمان وعالم الكفر".
وكانت عديد من الهيئات النقابية والأحزاب قد رفضت الفتوى ودعت للاقتصاص من مطلقها، بالإضافة إلى رفع بعض الجزائريين عريضةً تشجب الدعوة إلى قتل داود، مؤكدّين دعمهم الكامل والتامّ معه.
ونظرًا إلى تفاعل قضية داود، فقد سأله "ملحق الثقافة" رأيه في ظاهرة الفتاوى ضدّ المبدعين والكتاب عامّة، وضدّه هو وعلاقتها بالرقابة، فأجاب، أنه لا يرى في بروز ظاهرة "أحكام القيمة" ضدّ الكتابات وحرية الإبداع في الجزائر، عودةً إلى الرقابة بمفهومها التقليدي، أي تلك الرقابة المتصلّة بالدولة، حيث تمارسها السلطة لأغراض سياسية كما جرى في العقود الماضية، لكنه يظنّ أن ما يجري هو عودة إلى ذهنيات العصور الوسطى التي تريد فرض قيود على الحريّات العامّة والخاصّة وحرية الإبداع. وأوضح داود : "تزامن البروز الجديد لظاهرة الحكم الديني تجاه الكتابات والإبداع في الجزائر، مع عودة "التطرّفات الجديدة" باسم الدين وباسم الفكر المتطرف". ولفت إلى أنّ إصدار أحكام على المبدعين والكتّاب باسم الدين، هو تطرّف جديد لا يتضمّن أهدافًا سياسية. وعند سؤاله عن فتوى الشيخ حمداش الصادرة ضدّه، أجاب: "إن غياب النخب الفكرية والدينية العقلانية، أتاح الفرصة لأي شخص كي يتدخّل في الدين، ويناقش الأفكار والإبداع . وهو ما سمح ببروز هذه الموجة من الشخصيات الأشبه ببهلوانات دينية أمثال شمس الدين وحمداش في الجزائر. المشكلة هي أن يأتي حلاق ليصدر حكمًا على ابن رشد، أو أن يجادل بائع الدخان للحكم على ابن عربي. هذه مأساة حقيقية، ونحن بصدد استعادتها في مشهدنا الفكري والثقافي".
ولم تكد قضية الروائي كمال داود تخبو قليلًا، حتّى طرحت قضية تالية بين عضو جمعية العلماء المسلمين في الجزائر عبد الحميد عبدوس، والكاتب الوزير السابق، نور الدين بو كروح، والرئيس السابق لحزب التجديد الجزائري. حيث اتهم عبدوس الوزير بوكروح بمس الذات الإلهية، وذلك عبر رده على مقالات كان الوزير السابق قد نشرها تحت عنوان: "مرافعة من أجل إصلاح الإسلام" و"هل نستطيع إصلاح الإسلام؟" و"إعادة القرآن إلى موضعه".
وجاء في الردّ : "لا يكتفي بو كروح بإطلاق العنان لقلمه في التطاول على العلماء والحطّ من شأنهم، ولكنّه يتمادى حتّى في سوء الأدب مع الله تعالى، إذ يقول فيما ترجمته "إن الله لا يمكنه أن يفضل 15% من خلقه (المسلمين) ويحكم على البقية من عباده بدخول النار".
لم يشأ الوزير السابق، بوكروح، الردّ على موقف جمعية العلماء المسلمين، لكن تزامن هذه المواقف مع قضية رواية كمال داود وغيرها، أعاد طرح جدلية المقدّس الديني والحدود الممكنة للنقاش الفكري خارج سلطة المقدّس.


سبابو : غضب الطوارق وخضوع الحكومة

أصدرت الباحثة الجزائرية، مريم بو زيد سبابو، كتابًا حول عادات الطوارق وسكّان الصحراء، تحت عنوان "تَنْ كِيلْ سَبَّيْبَه؛ في معنى شعيرة عاشوراء بواحة جانت" عن المركز الوطني للبحوث في ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ. 
تعود ظاهرة شعيرة السبيبة، وهي ممارسة طقوسية، إلى عصور موغلة في القدم، ظلّت قائمة لدى سكّان حيين كبيرين في منطقة سبيبة. الكتاب يبحث في تاريخ احتفال الطوارق بعاشوراء وبعض العادات والتقاليد القديمة لديهم وظروف نشأتها وملابساتها. لكن، لم يكد الكتاب يصدر حتّى هاج أعيان حي الميهان بمدينة جانت بولاية إليزي في جنوب الجزائر، فتوجهوا إلى المحكمة وإلى رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، برسالة عاجلة، للتنديد بما جاء في كتاب سبابو، معتبرين أن الكتاب "يطعن في شرف السكّان ويتعرّض بالقذف لأصولهم".
ويبدو أن حساسية الموضوع والظرفين السياسي والاجتماعي اللذين تمرّ بهما مناطق الجنوب، حيث يشهد احتجاجات شعبية على نقص السكن والشغل والخدمات، اضطرت وزارة الثقافة -استجابةً لهذا الضغط - إلى سحب الكتاب، لتلافي أية تداعيات. كما قرّرت إدارة المركز الوطني للبحوث (الجهة الناشرة) مطالبة الباحثة سبابو بحذف المقاطع غير المرغوب فيها، وتوجيه رسالة اعتذار للأعيان المحتجّين.
ردّت الكاتبة على ما اعتبرته سوء فهم للكتاب، وكتبت إن "ما جاء في بيان وُقع باسم أعيان الميهان وتغورفيت (وتعني قبائل الطوارق) تحديدًا، الذي يشير إلى تعمدي الإساءة لشعيرة عاشوراء بواحة جانت، فإن علاقتي بالمجتمع الطارقي، الذي فتح لي أبواب ذاكرته قبل بيته من خلال مجتمع النساء، لا يمكنني بأي حال من الأحوال الإساءة لهم من قريب أو من بعيد"، وأضافت أن الكتاب استغرق "خمس عشرة سنة من البحث والاجتهاد وإيقاظ الذاكرة، كي تدلي بدلوها في شؤون سكت عنها التاريخ وتجاهلتها الكتابات". وأكدت أنها التقت، في شهر نوفمبر الماضي، أعيان الطوارق، الذين أبلغوها بعض تحفظاتهم حول مضمون الكتاب، خصوصاً الأصول القبلية، ووضعية النّساء خلال فترة الاستعمار.
وكان الكتاب قبل خضع، قبل نشره من المركز الوطني للبحوث، لقراءة لجنة علمية وتمّت الموافقة عليه. بيد أن الضجّة التي أثيرت بشأنه، جاءت بعد سنة من تاريخ نشره.
وقد احتجّ أساتذة جامعيون ومثقّفون على ما عدّوه خضوعًا من السلطة للأحكام العرفية الجاهزة ضدّ البحث العلمي والتفكير. فأصدر عدد من الأساتذة والباحثين الجامعيين في العلوم الإنسانية والجامعية بيانًا لمساندة الباحثة سبابو، انتقدوا فيه قرار الحكومة بسحب الكتاب : "كيف تقرّر السلطات والوزارّة، من دون أخذ رأي المجلس العلمي للمركز، سحب الكتاب من دوائر التوزيع العمومي، بما فيها مكتبة المركز؟".
وأدان الأساتذة الجامعيون، ما وصفوه بـ "التدخّل غير المقبول للسلطات الإداريّة والوزاريّة التي تسمح لنفسها، لأغراضٍ سياسيّة، بفرض الرقابة وتنفيذ متابعات عقابيّة على أعمال البحث، متجاوِزة كلّ الإجراءات والمؤسسات المؤهلة للنظر في الموضوع".
وقال الكاتب المتخصّص في الثقافة الشعبية عبد الحميد بورايو : "إن التهجّم على كتاب علمي، هو نتاج مسيرة بحث ميداني طويل النفس غير مسبوق، في ميدان كان حكرًا على الأجانب، وإثارة الرأي العام ضدّ كتاب علمي وثقافي، هو سلوكٌ غريب". ورأى أن تهييجًا للسكان الطوارق ضدّ الكتاب، قد حدث، بسبب عبارات تتعلّق بالظروف الاستعمارية التي دفعت نساء الطوارق من منطقة جانت بولاية إليزي في جنوب الجزائر، إلى الزواج من فرنسيين طلبًا للمأكل والملبس، إضافة إلى أمر آخر متصل بمناقشة أسطورة ذكرتها مراجع اعتمدت عليها الباحثة في تفسير ظاهرة "القناع التارڤي"، وهو قناع من القماش يضعه رجال الطوارق في الصحراء، لتلافي الرمال والغبار، بيد أن الروايات تباينت في أسبابه الأولى. 
ليس المقدّسان الديني أو السياسي فقط محظورين، إذ إن المحظور الممثّل بالموروثين الاجتماعي والثقافي، يظلّ هو الآخر من محاذير النقاش، خصوصاً في المجتمعات المغلقة كمنطقة الطوارق وغرداية التي شهدت احتقانًا اجتماعيّاً، ومنطقة القبائل، حيث ما زالت الأعراف الاجتماعية تتدخّل بشكلٍ أو بآخر في منظومة القيم التي تدير هذه المجتمعات.

المساهمون