وظيفتان لتأمين احتياجات العراقي

وظيفتان لتأمين احتياجات العراقي

08 ديسمبر 2014
الجمع في الاعمال لتأمين المستلزمات الاساسية(أحمد الربيعي/فرنس برس)
+ الخط -
غلاء المساكن، وارتفاع أسعار الطعام والخدمات، هي ليست الأسباب الوحيدة التي تُجبر 18% من العمال المهرة في العراق على ممارسة العمل المزدوج. إذ إن الخوف من المجهول سبب "عراقي" آخر يضاف إلى المشكلات السابقة، ويدفع المواطنين نحو العمل في وظيفتين أو أكثر، ليصل عدد ساعات العمل إلى أكثر من 15 ساعة يومياً.

غلاء المعيشة
سامر (اسم مستعار)، مثلاً، هو مهندس معماري وموظف في وزارة الإسكان والإعمار. برغم تخصصه، يتقاضى سامر راتباً قدره 965 ألف دينار (800 دولار). ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "راتبي الحكومي لا يكفي لتأمين النفقات على نصف احتياجاتي الحياتية، لذا اضطررت للعمل في وظيفة إضافية في شركة استشارية، وبدوام مسائي يبدأ من الساعة الثالثة ظهراً حتى العاشرة ليلاً، وذلك بالرغم من أن قانون الموظفين يمنعني من العمل في وظيفة أخرى". ويضيف سامر "على الرغم من أن عملي المزدوج يوفر لي راتباً إضافياً، إلا أنني لا أستطيع توفير منزل جيد أو تأمين صحي وخدمي جيد".
أما مهند كاظم (39 عاماً) فهو يعمل صباحاً في أحد مصانع الحلويات في منطقة الشعب شمال بغداد، ولمدة سبع ساعات، ومن ثم ينتقل إلى أحد محال المعجنات في منطقة الكراده وسط العاصمة، ويبقى فيها لمدة ست ساعات.
ويقول مهند "أعمل 13 ساعة يومياً منذ فترة، إذ إن توفير السيولة بات ضرورياً وسط الأحداث الأمنية التي يتعرض لها العراق". ويضيف مهند "خوفي مما سيحدث غداً جعلني أعمل في وظيفتين، لكي أكون مستعداً لأي طارئ". ويشرح "قبل نحو عامين كنت أعمل في أحد محال المعجنات في منطقة زيونه وسط بغداد، وفي أحد الأيام انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من المحل، ما تسبب في أضرار مادية كبيرة وأغلق. ومن وقت الإغلاق وحتى وجدت عملاً أخر، كنت بلا دخل، والآن أدخر الأموال".
ويرى مدير عام دائرة التشغيل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، رياض حسن، أن العمل المزدوج هو ضياع للفرص ويساعد في خلق البطالة. ويوضح لـ"العربي الجديد"، "إننا نواجه تحديات في توفير فرص العمل، لا سيما للذين لا يملكون مهارات، لذا نقوم بتنظيم ورش عمل ودورات لتعليمهم مهارات ممكن أن يستفيدوا منها مستقبلاً".
ويكشف حسن أن "بياناتنا أوضحت أن هناك نحو 18% من العمال المهرة، يعملون بدوام مزدوج، وهذا بالتأكيد سيخلق نوعاً من المنافسة غير المشروعة بالنسبة للمتقدمين الجدد للوظيفة. لكن هذا لا يمكن منعه وردعه إلا مع شريحة الموظفين الحكوميين؛ لأن القانون لا يسمح لهم بالعمل المزدوج. إلا أن القانون لا يشمل القطاع الخاص، ما يجعل نوع المهارة وجدارتها، الفرصة الوحيدة للحصول على وظيفة".
التأثير على مهنية الوظيفة دفع عدداً من وزارات الدولة العراقية وبعض شركات القطاع الخاص إلى منع موظفيها من العمل المزدوج.
ويقول وكيل وزير التربية العراقي علي الإبراهيمي لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة التربية أصدرت قراراً خلال عام 2012 منعت بموجبه المعلمين والمدرسين من أن يمارسوا أي وظيفة في مدارس أهلية، أو إعطاء دروس خصوصية".
ويضيف الإبراهيمي أنه "ومن أجل تعويضهم، قررت الوزارة زيادة رواتب الأساتذة، إلا أن الزيادة بالتأكيد لا توازي ما كانوا يتقاضونه من عملهم الثاني".
ويلفت الخبير الاقتصادي منير رافع لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بعد عام 2003، الذي شهد دخول الشركات العالمية لتستثمر في قطاعات النفط والسكن والخدمات والسياحة، نمت حالة العمل المزدوج". ويشرح أن "نسبة الذين يمارسون أكثر من وظيفة زادت بعد عام 2003 إلى نحو 65% من العمال، بسبب توجه الكثير من العراقيين نحو العمل في تلك الشركات الأجنبية". ومع التضخم وارتفاع الأسعار، يتوقع رافع "زيادة نسبة الذين يعملون في أكثر من وظيفة، في ظل تقدم المشاريع الاستثمارية المختلفة في العراق".
وزارة التخطيط من جانبها بينت أن الاستمرار في العمل المزدوج؛ سواء في القطاعين العام والخاص، سيزيد من حجم البطالة التي بلغت نسبتها حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني للعام الحالي 23%، بحسب الناطق باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي. ويقول لـ"العربي الجديد"، أن "الوزارة تواصل جهودها مع باقي الوزارات الأخرى لإجراء تنفيذ أوسع مسح ميداني لسوق العمل في العراق؛ سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص". ويلفت إلى أن "البطالة تزيد بالنسبة للخريجين، بسبب عدم وجود قاعدة بيانات تحدد الاختصاصات المطلوبة في السوق العراقية، حيث إن الآلاف من الخريجين لا يعملون في اختصاصاتهم".
وتؤكد عضو اللجنة المالية في مجلس النواب ماجدة التميمي لـ"العربي الجديد"، أن "إهمال ملف خفض نسب البطالة، والتقليل من العمل المزدوج أثر سلباً على الوضع في العراق. وهناك الكثير من المنظمات الإرهابية استغلت الشباب العاطلين عن العمل في تنفيذ أعمال إجرامية ضد أبناء بلدهم، مستغلة عوزهم المادي". وتشير التميمي إلى أن "عدم تحسين المستوى المعيشي، وتوفير فرص عمل للشباب، سيؤثر على مصداقية البرنامج الحكومي المطروح أخيراً".

المساهمون