بريد فلسطين/الكويت: مقاطعة.. رقابة.. تأميم

بريد فلسطين/الكويت: مقاطعة.. رقابة.. تأميم

11 سبتمبر 2016
(طوابع بريد كويتية)
+ الخط -

في العدد الأخير من مجلتها الدورية - البوسطة - فتحت الجمعية الكويتية لهواة الطوابع والعملات ملفاً يصادف القارئ لأول مرة؛ ملف العلاقات البريدية بين الكويت وفلسطين، والتقلّبات التي مرّت بها منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين في العام 1917، مروراً بانسحابه بعد أن مهّد الطريق لإقامة المستعمرة المسماة "إسرائيل" على ما يقارب 80% من أرض فلسطين، فاحتلال كامل فلسطين في العام1967، وصولا إلى الزمن الراهن وما سبقه من حركة الفدائيين الفلسطينيين وتلاه من انتفاضات فلسطينية.

يوثق الملف -الذي أعده خالد المغني ومحمد عبد الهادي جمال- الاتصالات البريدية التي كانت تتم خلال هذا التاريخ، ويركز على مقاومة الكويتيين لإدارة الخدمات البريدية تحت السيطرة البريطانية التي واصلت تسلّم وإرسال الرسائل من الكويت إلى المستعمرة الصهيونية وبالعكس في خمسينيات القرن الماضي على الرغم من قرار "الجامعة العربية" بمقاطعتها وإنشاء "مكتب مقاطعة إسرائيل" في العام 1951، والسبب إشراف الإدارة البريطانية على الخدمة البريدية، في وقت لم يكن فيه للكويتيين أي سلطة سياسية أو إدارية تلزم الإدارة البريطانية بوقف التعامل البريدي مع مستعمرة قامت على أرض فلسطين المغتصبة.

وقاد الغضب الشعبي المتواصل، وخلقِه لحالة حصار حول إدارة البريد، والحملات الإعلامية التي قادتها صحف مثل "الإيمان" و"البعثة"، إلى أن يرسل مدير الأمن العام الكويتي رسالة إلى "المعتمد السياسي البريطاني" في الكويت يطلب فيها تسليم البريد الذاهب إلى "إسرائيل" والقادم منها لإخضاعه إلى الرقابة، ولكن هذا "المعتمد" رفض الطلب.

وفي ضوء تزايد النقد ضد الإدارة الانكليزية، قامت دائرة المطبوعات والنشر الكويتية بخطوة، فرفعت الأمر إلى "اللجنة التنفيذية العليا"، التي كانت بمثابة مجلس وزراء آنذاك، وأعلمتها بوصول رسائل من "إسرائيل"، فطلبت اللجنة من مدير البريد إحالة جميع الرسائل والطرود الواردة إلى دائرة المطبوعات، وأشار هذا الطلب إلى أن أمر الرقابة على البريد بدأت تتولاه أول رقابة كويتية خالصة، وإلى عدم ثقة الحكومة الكويتية بدائرة البريد الانكليزي، وكان هذا مقدمة للتفكير بتأميم الخدمة البريدية، والعمل على إعادة ما يصل إلى الكويت من "إسرائيل" إلى لندن وغيرها من المنافذ التي كانت "إسرائيل" تحاول خلالها كسر المقاطعة البريدية.

وبلغ الغليان المتصاعد في الشارع الكويتي ذروته، ليس ضد المستعمرة المسماة "إسرائيل"، بل وضد صناعها من إنكليز وفرنسيين، وخاصة بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر، وتجسد هذا الغليان بتظاهرات وإضرابات ومقاطعة العمال لناقلات النفط البريطانية والفرنسية في ميناء الأحمدي.

وعبر تقرير سري صادر عن مكتب "المعتمد السياسي البريطاني" في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 عن تعرضه لضغوط من قبل الحكومة الكويتية لفرض رقابة على البريد الصادر من الكويت إلى "إسرائيل"، أو إيقاف الخدمة بالكامل كبديل لذلك، كما عبّر عن تخوّفه من أن يؤدي هذا إلى تأميم الخدمات البريدية، وإلى تعيين موظفين مصريين.

ويبدو أن هذه النقطة الأخيرة كانت تسبب قلقا للحكومة البريطانية، بدليل أن هذا المعتمد لم ينصح بإيقاف البريد الصادر إلى مصر، وهو أمر يبدو أن حكومته طالبته به لقاء إيقاف التعامل مع "إسرائيل"، وعلّل الأمر بأن إيقاف البريد إلى مصر قد تكون له نتائج كارثية على البريطانيين في الوقت الراهن.

وجاء رد وزارة الخارجية البريطانية بموافقة مكتب البريد البريطاني على إيقاف خدمات البريد من الكويت إلى "إسرائيل" أو العكس. ويرفق الملف صور أغلفة رسائل تم رصدها كنماذج لإجراء قطع هذه العلاقة البريدية الذي التزمت به إدارة البريد الكويتية، فلا يتم تسليم الرسائل إلى المرسل إليه وتعاد إلى المرسل عن طريق لندن.

بالإضافة إلى هذا الجهد التوثيقي لجانب مجهول من تاريخ المقاطعة العربية، يوثّق الملف مساهمات إدارة البريد الكويتية في رفض توزيع وبيع طوابع بريدية تصدرها هيئة الأمم المتحدة حين تكتشف أن "إسرائيلياً" ساهم في تصميمها، لأن قبول هذه الطوابع يتعارض مع شروط مقاطعة "إسرائيل" وعدم الاعتراف بها.

ومقابل هذا، يوثق الملف لحضورالقضية الفلسطينية في إصدارات الطوابع الكويتية منذ نشأة إدارة البريد الوطنية الكويتية في أوائل الستينيات من القرن الماضي.

فعملت بين 1965 و1989 على طبع أكثر من عشرين إصداراً عن فلسطين، تتعلق موضوعاتها بفلسطين وطنيا وقوميا ودوليا، ولعل أشهر هذه الإصدارات، بالإضافة إلى طوابع بالمناسبات والتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتذكير بالحقوق الفلسطينية، ما حمل تجسيداً للنضال الفدائي الفلسطيني، والانتفاضات الفلسطينية، انتفاضة العام 1987، وانتفاضة الأقصى في العام 2000.

وهناك مجموعة طوابع صدرت بمناسبة القدس عاصمة للثقافة العربية في العام 2009، ومجموعة أخرى توثق أنشطة مناصرة للقضية الفلسطينية، مثل نشاط "كويتيون لأجل القدس" و"ندوة فلسطين العالمية الثانية"، صدرت بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام جمعية الخريجين (1964-2014).


(كاتب فلسطيني/ الكويت)