الجلزون/الفريديس: وجه واحد لفلسطين

الجلزون/الفريديس: وجه واحد لفلسطين

18 أكتوبر 2015
بلدة "الفريديس" الفلسطينية (تصوير: معتز توفيق اغبارية)
+ الخط -

منذ أيام زرت لأول مرة مخيم الجلزون قرب رام الله، كنت مع زميل لي من أجل لقاء الدكتور سامي الذي يدير مركزاً تطوعياً للدفاع المدني. هذا المركز يقوم بتغطية الأحداث التي تدور في منطقة البالوع في البيرة ويقدّم الإسعاف للمصابين في مواجهات المنطقة.

مع دخولنا إلى المخيم لاحظت أنه يشبه كثيراً مسقط رأسي "الفريديس"، المكان الذي نشأت فيه وكنت أظنه قرية لأفهم بعد ذلك أنه لم يعد "قرية" بعد عام 1948 وصار أقرب إلى مخيم لاجئين مكتظ بالعائلات التي هُجّرت من الساحل الفلسطيني المقابل لجبال الكرمل. الاكتظاظ السكاني في المخيم، شوارعه الضيقة، الأطفال الذين يلعبون في الشارع، الحنان في عيون نسائه وأياديهن المسكونة بالتعب- كل ذلك أخذني إلى الفريديس التي لم تقل معاناتها يوماً تحت احتلال إسرائيل عما تعانيه المخيمات الفلسطينية الأخرى.

في انتظارنا للدكتور سامي الذي تأخر في الوصول، أوقفنا السيارة في شارع ضيق في المخيم. كان يقف أمامنا أربعة أطفال أصغرهم يبدو في السابعة وأكبرهم لا يتعدى الثانية عشرة، في مواجهة برميل أزرق اللون في أقصى قطعة أرض مهملة حيث على بعد عشرة أمتار تقريباً.

ثمة قضبان من الحديد مغروزة في الأرض وحجارة كثيرة موزعة فيها يحملها الأطفال ويلقون بها بمهارة تامّة إلى داخل البرميل ونحو القضبان. يضحكون قليلاً، يمثلون أن أحدهم أصيب فيقومون بإسعافه، أو يصيح أحدهم "جيش جيش" فيهربون بمهارة.

كم يشبه هؤلاء الأطفال أصحابي الذين كبرت معهم، نلعب كرة القدم سوية في شارع ضيق أو نقطّع أغصاناً صغيرة من شجر الزيتون تلائم أن نصنع منها مقلاعاً صغيراً نسميه "عقفة".

التقسيم الاستعماري لفلسطين إلى "إسرائيل" و"مناطق" و"قدس" لم يكسر الرابط الطبيعي بين أبناء فلسطين. وفيما تعددت أوجه الاحتلال ظل وجه فلسطين واحداً. إن القمع الذي تمارسه إسرائيل في مختلف مناطق سلطتها لم يولّد إلا فلسطينيين ثائرين وفلسطينيات ثائرات.

إن كانت إسرائيل قد حطّمت الكثير من الأحلام الشخصية لشبابنا فإنها لم تنجح في قتل طموحه نحو الحريّة والمساواة. لقد أعاد الشباب الفلسطيني حمل الحجر وابتكر السكين- واللذين لا أزعم أنهما أفضل الوسائل النضالية، ولكنها الوسائل الوحيدة التي تبقّت أمام الشعب الفلسطيني للتعبير عن غضبه واحتجاجه وإرادته. يعود الحجر في هذه الحالة ليربط بين جميع أبناء فلسطين تحت آلة القمع الإسرائيلية.

بعد جولة قصيرة في المخيم ذهبنا إلى منطقة البالوع في البيرة، كنا نأمل أن نلتقي هناك بمسعفي الدفاع المدني المتطوعين في الجلزون، لكي نقوم بتوثيق الانتهاكات نحوهم. في محادثةٍ قصيرة اكتشفنا أنهم تعرضوا للضرب المبرح من قبل الجيش الإسرائيلي، إطلاق الرصاص نحوهم وإصابة عددٍ منهم على الرغم من الحماية التي يمنحهم إياها القانون الدولي. لكن أية قوانين في غاب إسرائيل.

حديثنا معهم لم يطل كثيراً إذ فاجأنا الجيش الإسرائيلي بإطلاق الرصاص وقنابل الصوت نحونا. دخلنا إلى السيارة مسرعين محاولين العودة إلى الوراء بعد أن اكتشفنا أننا بتنا في قلب المواجهات. رصاصة مطاطية أصابت زجاج السيارة الأمامي. الشباب عادوا إلى الخلف. ونحن كذلك. ثم تقدموا مجدداً تسبقهم حجارتهم. ألله أكبر. وحدة الشعب ووحدة المصير.


(كاتب ومحام فلسطيني / يافا)

اقرأ أيضاً: يافا الوجه النضر للنكبة