التجربة الهولندية

التجربة الهولندية

20 مايو 2015
هولندا أحد الأعضاء البارزين في الاتحاد الأوروبي (فرانس برس)
+ الخط -
سمح الموقع الجغرافي لهولندا، الذي يقع على مفترق طرق شمال أوروبا، في ظهورها كميناء رئيسي لدخول السلع والخدمات إلى القارة، حيث يتم شحن العديد من السلع إلى هولندا، ثم تنقل، بعد ذلك، براً وجواً وبحراً، إلى دول أخرى في أوروبا. وليس مستغرباً، بالتالي، أن اثنين من كبرى الموانئ الهولندية، روتردام وأمستردام، هما من بين أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم.

خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، حملت السفن الهولندية، القادمة من الهند وآسيا وجزر الهند الغربية، التوابل وغيرها من المواد الخام إلى أوروبا، ومن ثم حملت منتجات مصنعة في طريق عودتها مرة أخرى إلى هذه المناطق. كان التجار الهولنديون مسؤولين عن فتح التجارة البحرية مع الصين واليابان، حيث استند نجاحها على الطريقة التي تم فيها تصميم سفنهم والتي كانت تتميز بمساحة شحن كبيرة، تقودها طواقم صغيرة، مما أدى إلى تراجع تكاليف نقل البضائع. واليوم، فإن هذا التقليد لا يزال متبعاً في السياسات الاقتصادية الراهنة لمملكة هولندا، والتي تعتمد بشكل أساسي على ازدهار تجارتها الخارجية.

في الواقع، تستند هولندا، منذ فترة طويلة، على التجارة الخارجية، التي تشكل ما يقرب ثلثي اقتصادها، فهي، إلى جانب الولايات المتحدة، كانت على الدوام واحدة من المؤيدين الرئيسيين للتجارة الحرة الدولية، ومدافعاً قوياً عن تخفيض الرسوم الجمركية على السلع والخدمات.

وكأحد الأعضاء البارزين في الاتحاد الأوروبي، كانت هولندا، أيضاً، من بين أقوى المؤيدين لإنشاء الاتحاد النقدي الأوروبي، بغية توسيع حجم التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من خلال ربط اقتصادات هذه الدول بعملة أوروبية موحدة. واليوم، فإن الاقتصاد الهولندي يعتمد على نظام السوق الحرة، حيث يظهر تأثير الحكومة الرئيسي في الاقتصاد من خلال صياغة القوانين وفرض الضرائب.

وفي حين نما الاقتصاد الهولندي بمعدل 2.9 في المائة خلال فترة التسعينيات، كانت بقية أوروبا تسجل معدل نمو متوسطاً بواقع 1.5% فقط، فقد أسهم التوسع الاقتصادي طويل الأجل، الذي انتهجته هولندا منذ التسعينيات، في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 300 مليار دولار في عام 1995 إلى 700 مليار دولار في عام 2014. وبالمثل، فقد تضاعف الناتج الإجمالي المحلي للفرد إلى 42 ألف دولار من 21 ألف دولار خلال نفس الفترة. إضافة إلى ذلك، تمتلك هولندا حوالى 11 مليون فرد من الأيدي العاملة الماهرة والمتعلمة، يعمل 78% منهم في قطاع الخدمات، و 18% في الصناعة، في حين ينخرط نحو 4% في الزراعة.

على غرار العديد من الدول الأوروبية الصناعية الأخرى، يعتبر قطاع الخدمات عصب الاقتصاد الهولندي في مقابل تراجع نسبي لقطاعي الزراعة والصناعة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. رغم ذلك، لا تزال الصناعات الزراعية تمثل قطاعاً مربحاً للغاية، نتيجة اعتمادها على التكنولوجيا العالية والمتطورة، وتوظيفها لحوالى 4% فقط من القوى العاملة الهولندية، التي تنتج ما يكفي من الغذاء لإطعام الأمة، ويقومون بتصدير ما تبقى إلى الخارج، حيث تعتبر هولندا ثالث أكبر منتج للسلع الزراعية في العالم.

لعدة قرون، مثّل القطاع الصناعي عاملاً هاماً في الاقتصاد الهولندي، الذي استند، بشكل أساسي، على التجارة البحرية. مع ذلك، فإن الشحن والصيد أصبحا من العناصر الثانوية للتجارة الهولندية، حيث بات تصنيع المواد الكيميائية والمعدنية من الصناعات الأساسية في البلاد، إضافة إلى أن هولندا هي واحدة من المنتجين الرئيسيين للغاز الطبيعي في العالم، حيث أسهم ارتفاع أسعار الطاقة في تحقيق الشركات الهولندية أرباحاً قياسية.

اليوم، تحتل هولندا المرتبة السابعة عالمياً من حيث القيمة السوقية الإجمالية لشركاتها، فهي موطن بعض من أكبر الشركات في العالم، بما في ذلك شركة "رويال داتش شل"، التي تعتبر ثاني أكبر شركة طاقة خاصة في العالم.

لقد أصلح الهولنديون اقتصادهم قبل وقت طويل من جيرانهم الأوروبيين، وأصبحوا أكثر قدرة على المنافسة من تلك البلدان، مما ساهم في انخفاض مستوى البطالة وارتفاع النمو الاقتصادي. ولا تزال التجربة الاجتماعية الهولندية، حيث يعيش 1% فقط من السكان تحت خط الفقر، تقدم نموذجاً لدول تحاول التقريب بين الطموحات الاجتماعية لمواطنيها والواقع الاقتصادي الصعب.
(خبير اقتصادي أردني)

إقرأ أيضا:

المساهمون