دراسة حديثة: "الأعسر" أكثر تفوقاً في الرياضيات

يشعر "الأعسر" أحيانا ببعض الاختلاف، خصوصا حينما يحاول والداه في بداية اكتشافهم الأمر أن يجعلاه يعود عن استخدام يده اليسرى في مقابل استخدام اليد اليمنى بشكل رئيسي. ولكن ما أثبتته دراسة حديثة قامت بها جامعة ليفربول بالتعاون مع جامعة ميلان ونشرت نتائجها صحيفة الديلي ميل في أوائل مايو/أيار 2016 هو أن الأعسر قد يملك قدرات إبداعية ومميزة في الرياضيات. فقد توصلت الدراسة إلى وجود علاقة بين سيطرة إحدى اليدين في الكتابة ومدى التفوق والإبداع في مواد الرياضيات، وأكدت القدرات العالية لمستخدمي اليد اليسرى في التعامل مع المسائل الحسابية مقارنة بمن يستخدمون اليد اليمنى في الكتابة، وتتغير هذه العلاقة باختلاف العمر والجنس، وبحسب الدراسة- يسجل المراهقون الذكور ممن يستخدمون اليد اليسرى أعلى النتائج الإيجابية، في ما يخص الرياضيات، وقُدمت هذه النتائج في المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس البريطانية 2016 الذي عقد في نوتنغهام في إبريل/نيسان الماضي.

المراهقون الذكور

أجرى الدراسة التي قام بها فريق من علماء النفس من جامعة ليفربول وميلان على عينة من 2300 طالب إيطالي تتراوح أعمارهم بين ستة و17 عاما، تم اختبارهم في عدد من المهام الرياضية، بما فيها حل المسائل الحسابية البسيطة والأساسية.

وتم التحقق من درجة سيطرة يد على أخرى للعينة المشاركة في الدراسة عن طريق مقياس "إدينبرغ" لقياس مدى سيطرة يد على أخرى Edinburgh Handedness Inventory،  وهو عبارة عن استبيان لتحديد مدى كون الشخص المشارك يميني اليد أم يساري اليد أم يستخدم اليدين بنفس الكفاءة، وعلى هذا الأساس قام الباحثون بتحليل النتائج.

وفي تصريحه لصحيفة الديلي ميل البريطانية علق جيوفاني سالا، رئيس الفريق البحثي: "توصلت النتائج إلى وجود علاقة بين سيطرة يد على أخرى في الكتابة والبراعة في الرياضيات بفارق 5 إلى 10% وهي علاقة أكثر تعقيدا تتأثر بالعمر ونوع المهام الرياضية المطلوبة، وكذلك الجنس، حيث أدى المراهقون الذكور أفضل أداء على الإطلاق.

تفسير النتائج

وأضاف: جدير بالذكر أن العلاقة بين التفوق في مواد الرياضيات واليد المستخدمة في الكتابة تناولتها العديد من الدراسات بناء على فرضية أساسية مفادها أن الأعسر يستخدم أجزاء مختلفة من الدماغ في معالجة المهام، وهذا ما يعطي له بعض التميز عندما يتعلق الأمر بالرياضيات ولكن هذه الدراسات توصلت إلى نتائج متباينة، ففي حين أشارت بعض الدراسات إلى الأداء الأفضل في إنجاز المهام الرياضية بين مستخدمي اليد اليسرى مقابل أداء أقل بين مستخدمي اليد اليمنى المميزين بشكل أفضل في مهارات اللغة والخطابة، أكدت أخرى أنه لا فرق بين المجموعتين، بينما توصلت الدراسة الأحدث في هذا المجال إلى أن الأطفال الذين لديهم نفس الكفاءة في استخدام أي من اليدين، اليمنى أو اليسرى، هم الفريق الأقل حظا من حيث القدرة على إنجاز المسائل الرياضية في العينة.

ويستطرد: تعتمد الآلية التي يعمل بها عقل الإنسان على مدى ارتباط الوظائف العقلية بالنصف الأيمن أو الأيسر من الدماغ، وسلطة العقل هي المحرك الأساسي للأداء الإنساني، على سبيل المثال يتمتع أكثر من 30% من مستخدمي اليد اليسرى في الكتابة بنشاط النصف الأيمن من الدماغ، والذي يلعب دوراً هاماً في تطوير المهارات المكانية والمعرفية لدى الفرد، الأمر الذي يؤثر بصورة أساسية على تشكيل أنماط الأداء الخاص به عند التعامل مع المسائل الرياضية، ويعتقد بعض العلماء أن تفضيل استخدام اليد اليسرى يرتبط في الأساس ببداية تكوين الخلايا الدماغية لدى الجنين داخل الرحم، وهذا قد يفسر لنا سبب استحواذ مستخدمي اليد اليسرى على 12% من إجمالي السكان حول العالم، وتميزهم في أكثر الأحيان.

وفي ختام تصريحاته بصحيفة الديلي ميل، تمنى جيوفاني سالا عدم النظر إلى نتائج هذه الدراسة بشكل نهائي، وإنما اعتبارها خطوة نحو نتائج أكثر شمولية لهذه الظاهرة، وخطوة نحو حسم النتائج المتنافرة التي توصلت إليها الدراسات المختلفة بشأن العلاقة بين مستخدمي اليد اليسرى والتفوق في مواد الرياضيات حتى الآن، كما تمنى أن تستخدم هذه النتائج في جعل التعليم أكثر إنتاجية وأكثر عدلا بين الجميع.

إعداد: رشا عبيد