ضنك اقتصادي يدفع بطلبة الأردن لسوق العمل

ضنك اقتصادي يدفع بطلبة الأردن لسوق العمل

31 مارس 2016
طلاب الأردن يتظاهرون بسبب يادة الرسوم الدراسية(العربي الجديد)
+ الخط -
يقتنص لحظات هدوء نادرة تمر به في مكان عمله لمراجعة دروسه الجامعية. "من الصعب إنهاء دروسك وعينك تتنقل بين سطور الكتاب وباب المحل" يقول زيد الحمد الطالب في كلية الآداب، ويضيف باسماً "ما حيلة المضطر غير ركوب الأسنة".

وجاء ركوب زيد "الأسنة" بعد أنّ وجدت عائلته المكونة من سبعة أفراد مشقة بالغة في تغطية تكاليف دارسته الجامعية دون أنّ يؤثر ذلك على تأمين احتياجات الأسرة الضرورية.
ففي حين يحتاج الطالب الجامعي سنويا إلى 1400 دولار أميركي بالمتوسط لتغطية نفقات دراسته لا تتجاوز حصة المواطن الأردني بالمتوسط 160 دولارا من إنفاق أسرته السنوي على التعليم، بحسب أرقام مسح نفقات ودخل الأسرة الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة في الأردن.

لذلك بدأ زيد العمل مساء في محل لبيع البطاقات الخلوية يقع قرب الجامعة الأردنية، أعرق جامعات الأردن، لتجاوز عقبة تمنع كثيرين من إكمال مسيرة تعليمهم الجامعي.
حال زيد تقارب كثيرا حال منتصر الشاعر طالب المحاسبة في إحدى الجامعات الخاصة الذي يعمل سكرتيرا في جمعية خيرية لتغطية نفقات دراسته.

يعترف منتصر أن الجمع بين الدراسة والعمل "مرهق" ويستنزف الطاقات ويحتاج جهودا جبارة، لكنه يؤكد أنّ ذلك لن يمنعه من الاستمرار في الأمر، ويضيف " سرّ النجاح يكمن في التنظيم".
واعتاد منتصر منذ بدء دراسته، منذ خمسة فصول، على تسجيل مساقات دراسية متتابعة ليختصر أسبوعه الجامعي إلى يومين فقط .

أمر تلتزم به أيضا ديمة العلي، طالبة التربية، حتى تتمكن من الدوام في حضانة أطفال تعمل فيها أربعة أيام في الأسبوع.
"تبدأ محاضراتي في هذين اليومين من الساعة الثامنة صباحا وتستمر حتى الرابعة مساء، فما أن أنتهي من محاضرة حتى أدخل أخرى" تقول ديمة.

وترى الطالبة التي توشك على التخرج من الجامعة أنّ اضطرارها إلى ضغط جدولها الدراسي أضاع عليها جوانب كثيرة من الحياة الجامعية الغنية بالتفاصيل.
تضحية على ديمة ورفاقها تقديمها بطيب خاطر لتحقيق أحلامهم بالحصول على شهادة جامعية قد تفتح أبواب المستقبل.



وإلى جانب فقدان الحياة الجامعية يوطن هؤلاء الطلبة أنفسهم على احتمال أن تطول فترة دراستهم أكثر من المعتاد وهو ما يتوقعه أحمد جبرين الطالب في كلية العلوم.
جبرين اعتاد أنّ يسجل فصلا دراسيا وتأجيل آخر، حتى يتمكن من جمع الرسوم الجامعية من خلال عمله فنيا في تركيب أطباق اللواقط الفضائية "ستلايت".
ويقرّ أنّ عمله ودراسته المتقطعة أثرتا على معدله التراكمي في الجامعة لكن يأمل أن يستدرك ذلك بمزيد من الجهد مستقبلا دون أن يضطر إلى ترك عمله الذي يدر عليه دخلا جيد ليساعده على تغطية نفقات دراسته الجامعية.

بينما يؤكد عميد شؤون الطلبة في الجامعة الهاشمية الدكتور سالم المالول أنّ إقبال الطلبة على العمل دفع إدارة الجامعة إلى توسيع فرص تشغيلهم ويضيف المالول لـ"العربي الجديد" أنّ الجامعة الحكومية وفرت 352 فرصة تشغيل لطلبتها في كليات الجامعة ومراكزها.

بينما يوضح مدير دائرة الخدمات والرعاية الطلابية في الجامعة فادي عويدات أن الجامعة تدفع دولارين مقابل كل ساعة عمل على ألا يتجاوز عددها أربعين ساعة شهريا.
ويضيف عويدات أن إقبال الطلبة على هذه الفرص يتزايد يوما بعد آخر إذ ارتفع عدد المتقدمين لهذه الفرص من 500 طالب سنويا قبل ثلاثة أعوام إلى أكثر من 800 طالب حاليا.
وهو ما يعده مدير المرصد العمالي الأردني الدكتور أحمد عوض مؤشرا ملموسا على زيادة الظاهرة خلال السنوات الخمس الماضية.

ويدعو عوض الحكومة إلى إعادة النظر في طريقة حساب الحد الأدنى للأجور، ليحسب في أحد أشكاله بناء على عدد الساعات، ما يوفر إطارا لحماية طلبة الجامعات العاملين من التعرض للاستغلال.

ولا يفرق قانون العمل الأردني بين العمل الجزئي والدوام الكامل إذ يشترط أن تكون عدد ساعات العمل الفعلية بمعدل ثماني ساعات يوميا على ألا يقل الأجر الشهري عن 268 دولارا كحد أدنى.

ويرى أن عمل طلبة الجامعة، وهم على مقاعد الدراسة، أمر إيجابي يعزز ثقة الطلبة بأنفسهم ويزودهم بمهارات وقدرات يحتاجونها عند انخراطهم بسوق العمل مستقبلا.
ويذهب عوض إلى أن زيادة إقبال طلبة الجامعات على العمل هو نتيجة حالة ضنك اقتصادي تعيشها الأسرة الأردنية في السنوات الأخيرة، وهو ما يتفق معه منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" الدكتور فاخر دعاس.

ويرى دعاس أن أهم أسباب لجوء طلبة جامعات إلى العمل هو سياسات رفع الرسوم التي انتهجتها الجامعات في السنوات الأخيرة بالتزامن مع تقليص الدعم الحكومي لها.
وتقلصت حصة الطالب الجامعي من الدعم الحكومي من 376 دولارا أميركيا عام 2000 إلى 86 دولارا بحسب دراسة أجراها المركز الوطني للحقوق الإنسان في الأردن عام 2011.

ولتعويض تقليص الدعم الحكومي لجأت الجامعات إلى زيادة رسوم الدراسة بنسب مرتفعة إلى جانب اعتمدت كذلك برامج دراسة موازية رسومها تخرج عن متناول غالبية الأسر الأردنية.
لذلك تحذر حملة "ذبحتونا" على لسان منسقها العام في حال استمرت سياسات التعليم العالي الحالية من أن يصبح التعليم الجامعي مقتصرا على الأغنياء.

وبحسب الأرقام الرسمية، فإن كل فقير ينهي دراسته الجامعية في المملكة يقابله أربعة من الأغنياء، حسب نتائج تقرير حالة الفقر في الأردن الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.
على أن ذلك لا يعني بحال أن ضيق الحال هو السبب الوحيد لإقبال طلبة الجامعات على العمل في مطاعم وجبات سريعة ومراكز تجارية "مولات" كبرى.

إذ يرى طارق عيد، الطالب في كلية الإدارة، أن عمله في مطعم للوجبات السريعة قبل إنهائه دراسته الجامعية، تمرين مهم قبل دخوله سوق العمل فعليا.
على أنه مهما تعددت أسباب إقبال الطلبة على العمل وهم على مقاعد الدراسة فإن غالبيتهم العظمى يرون أنها تجربة رغم صعوبتها مفيدة وغنية بالخبرات.




المساهمون