أبواب السماء: كيف يمكن للعلم أن يدخل البيوت؟

أبواب السماء: كيف يمكن للعلم أن يدخل البيوت؟

10 يناير 2016
الجميع يحب السماء بنجومها اللامعة كأنها لآلئ مطرزة (Getty)
+ الخط -
الجميع يحبون سماء الليل بنجومها اللامعة كأنها لآلئ مطرزة في قطيفة سوداء، لطالما انبهرنا في طفولتنا برواد الفضاء، وتمنينا أن نكون مثلهم، هذا الشغف الموجود بشكل طبيعي لدى معظم الناس يمكن استخدامه في دعم تعلم العلوم، لكننا نواجه مشكلات عدة أهمها ضعف الإقبال على القراءة وصعوبة الكتابة عن العلم، لذلك كان أفضل الطرق في الدخول للعامة هو تحويل هذه العلوم إلى هوايات يمكن ممارستها في المنازل.

غالباً ما كانت أسئلة الجميع في أمسياتنا الفلكية كنادي هواة الفلك بدلتا مصر، مع الجمهور تحوم حول إمكانية أن يصبحوا رواد فضاء أو فيزيائيين متخصصين مثلا.. أو لا شيء، لم يفكر أحد منهم في حالة وسط، في أن تكون ممارسة العلوم هي هواية يمارسها بينما ما زالت دراسته للأدب أو الفلسفة أو الهندسة أو الطب مستمرة.

لقائنا الأول مع طلبة "علوم المنصورة" في 2012 كان دسماً ومبشراً للغاية، فبعد أن توقعنا قدوم 10-15 شخصاً للمحاضرة التعريفية إذا بنا أمام ما يقرب من 400 طالب وطالبة للتعرف على هذا العالم الذي يشاهدونه في السينما فقط. 

كانت إحدى مهامنا تعريف الناس بمعنى الهواية. الهواية بشكل عام هي شيء لذيذ يمكن للجميع أن يمارسه من دون ملل، تحويل العلم إلى هواية كلعبة كرة القدم أو العزف على الغيتار أو الرسم، هو سر اللعبة، حيث نلتزم دائماً بتقديم نشاطنا مع الجمهور بشكل عملي، نعلمهم رصد السماء بعيونهم وبالتلسكوب، لكننا نقدم قبل ذلك ما يشبه محاضرة مبسطة للتعريف بسماء الليل والخرائط الفلكية، وكان الجميع يهتم بتحمل صعوبة بعض التعلم في سبيل الجائزة الكبرى: نظرة لكوكب المشتري أو مجرة أندروميدا عبر التلسكوب.

الهدف الجانبي دائما هو استخدام التلسكوب لجذب الجمهور، بينما الهدف الرئيسي هو تعليمهم عن سماء الليل ذاتها، نجومها وأجرامها و– الأهم من ذلك كله – كيفية قراءتها، إذ يمكن للشاب أو للفتاة أو للطفل أن يذهب إلى بيته مساء ثم يصعد للسطح ويمارس التعرف إلى مواقع النجوم بنفسه من دون حاجة منا للتدخل، يكون ذلك دائماً عظيماً ومسلياً وجاذباً لك، وهو ما يدفعك للنزول وفتح حاسوبك للنقر هنا وهناك بين نتائج غوغل لتعلم المزيد عن السماء.

الشغف هو السر الرئيسي لتحمل صعوبة التعلم، ولا يمكن لنا أن نشعل هذا الشغف من دون تحويله إلى شيء عملي يمكن لك أن تمارسه بشكل بسيط في الليالي غير المقمرة، بعد ذلك لن نحتاج إلى تعريفك بالفيزياء الفلكية، فأنت اتخذت قراراً بالفعل له علاقة بتعلم سماء الليل في اللحظة الأولى التي اتسعت عيناك فيها، حينما رأيت مجرة أندروميدا في تلسكوب بسيط.

اقرأ أيضا:كيف تجهز ابنك لعصر الابتكار؟

لا يمكن لمبسط علوم أن يبسط العلم لجمهور لا يعرفه، لا يمكن له أن يقدم تبسيطاً دقيقاً طالما لا يتفاعل مع جمهور حقيقي، ذلك لأن حاجات الجمهور مختلفة من حيث الكم والكيف، فهناك فئات من الناس لا تقبل بالمعادلات الرياضية نهائيا وهناك من يتوه منك بعد ربع ساعة فقط من بداية الشرح.

أغلب الناس الذين قابلتهم لا يعرفون الفروق بين "كوكب" و"نجم" مثلا، بل وبعضهم لا يعرف أن الشمس نجم، بعضهم لا يعرفون ما المجرة، وهل هي أكبر من الأرض؟ لذلك غالباً ما يضيع الجمهور منك حينما تلفظ كلمة "مجرة" بينما تقوم بكتابة مقالك أو إلقاء محاضرتك من دون توضيح لمعنى تلك الكلمة،جمهورنا العربي جمهور بسيط لم يتعلم ذلك في المدارس، نحتاج حينما نعمل على تبسيط العلوم الفلكية للناس أن نبدأ من بدايات البدايات، من الصفر كلفن وليس الصفر سيليزيوس.

اعتماداً على النقطتين السابقتين، التبسيط الشديد والممارسة العملية، استطعنا خلال سنتين فقط إيقاظ الشغف بالعلوم السماوية لدى أكثر من سبعة آلاف فرد، تتنوع فئاتهم العمرية والاجتماعية، كذلك استطعنا مساعدة أكثر من ألفي فرد في التعلم العملي على الخرائط السماوية وتمكنا من مساعدة أكثر من 1500 فرد في رؤية سماء الليل من خلال تلسكوب لأول مرة في حياتهم، الجميع تقبل هذه الطريقة على نفس المستوى، فأحد مزايا الجهل بعلوم الفلك هو أنه عام، لا يختلف فيه الكبير عن الصغير ولا الفلاح البسيط عن طالب الجامعة أو ابن المدينة.

رغم نقص الإمكانات ورغم عدم وجود اهتمام حقيقي بنشاطاتنا، لكن محاولاتنا البسيطة لدعم الاهتمام بالعلوم لاقت قبول واهتمام مريديها من الأطفال والكبار، وتمكنّا - مع مجهود حقيقي – من تحقيق أرقام جوهرية وذات قيمة.

في أواخر 2013 أعلنت مساجد بلدتنا البسيطة عن وجود تلسكوب في أرض "أبو العز" لمشاهدة القمر والكواكب والدعوة عامة لكل أطفال البلدة كانت المفاجأة حضور ما يقرب من 200 طفل لمشاهدة القمر والكواكب والتعرف على هذا الكائن العجيب الذي يحمل السماء إلينا على يد عدسات! للأطفال رغبات مختلفة عن الكبار، فهم يريدون اللعب بلا توقف، ما فاجأنا بشكل أكبر كان إقبال الأهالي المرافقين للأطفال، حيث غلبهم الشغف للتعرف على تلك العوالم الخفية وتأملوا جميعاً أطفالا وكبارا حينما توقفنا لشرح أسباب إضاءة القمر وتكون الفوهات عليه ودوران أقمار المشتري، إنه ذلك الشغف الذي يلمع في عيون الجميع.

من الطبيعي أن يكون اهتمام طلبة الجامعة بعلوم مماثلة كبيرا، خاصة مع وجود ممارسة عملية، لكن ما كان مفاجئاً دائماً هو اهتمام فئات أخرى من المجتمع بالتعلم والرصد، الفلاحون في القرى، العمال في الجامعات الذين رافقونا في أثناء جلسات الرصد، كذلك الفتيات فإقبالهم واضح في كل رصد جماعي، رغم القمع ورغم الحياة الصعبة التي تعيشها البنت في مصر إلا أنها ما زالت راغبة في المزيد من المعرفة.

نؤمن بأن الجواب الرئيسي لمشكلات مجتمعاتنا يقبع بلا شك عند المنهج العلمي في التفكير، لكن لا يمكن للمنهج العلمي أن يدخل للبيت العربي عن طريق كتاب أو فيلم وثائقي بعنوان "المنهج العلمي في التفكير"، يمكنه فقط أن يخترق كيان البيوت وسكانها إن كان ممارسة عملية بسيطة، ممارسة طبيعية، دائمة، من النوع الذي يدفع صاحبه للفضول والتساؤل عن تراكيب النجوم والكواكب وآخر ما توصلنا إليه عن نشأة الكون. بعد خطوات بسيطة ومجهود ليس بكبير، سوف يبدأ هذا المواطن – ربما من دون وعي – في استخدام المنهج العلمي في التفكير كأسلوب حياة.

اقرأ أيضا:علم طفلك النظام وإدارة الوقت

المساهمون