اقتصاد الظل في لبنان: "حاميها حراميها"

اقتصاد الظل في لبنان: "حاميها حراميها"

02 اغسطس 2016
في شركة لمولدات الكهرباء في بيروت(جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يجهد المرء في رحلة البحث عن مواطن لبناني يدفع فواتير إضافية لقاء خدمات من المفترض أن ينالها بشكل طبيعي، كونه يقوم بواجباته الضريبية اتجاه دولته.
جميع المواطنين اللبنانيين متضررون، يقول ربيع، وهو يتقاضى راتباً مرتفعاً نسبياً عن سواه. يشكو ربيع من الفواتير التي تمنعه من الادخار، فالفواتير الإضافية أصبحت كثيرة وتصل لحدود الـ 7000 دولار سنوياً "وهذا الرقم أولادي أحق به من المنتفعين".
أما أم زاهر؛ وهي امرأة خمسينية وأم لثلاثة أولاد فتقول: "إن الوضع أصبح لا يطاق، فأنا أعمل في الخياطة في محل أملكه والمنزل تركه لنا أبو زاهر قبل وفاته، ومن يمتلك باب رزق ومنزلاً عليه أن يعيش بسلام ورفاه، لكن الفواتير الإضافية حالت دون ذلك".

وتشرح أم زاهر أن
"اشتراك مولد الكهرباء الذي يعوض ساعات التقنين التي تفرضها مؤسسة كهرباء لبنان يبلغ 150 دولاراً شهرياً، كما أننا نشتري مياهاً للاستعمال المنزلي بقيمة تصل إلى 200 دولار شهرياً، بسبب القطع المستمر لمياه الدولة، والتي بدورها تأخذ منا 200 دولار في السنة". وتضيف أم ربيع أنها تدفع مبالغ كبيرة لتعليم أبنائها في المدارس الخاصة. وعند سؤالنا لها لماذا لا يتعلم أولادها في المدرسة الرسمية تقول: "عندما يعلّم السياسيون أولادهم في مدارس الدولة أضع أبنائي فيها".

ويدفع المواطن اللبناني فاتورتين بدل خدمة واحدة، وذلك في الكهرباء والمياه والهاتف والإنترنت، كما انه لا يثق في مستشفيات الدولة ومدارسها، مما يجعله يلجأ للقطاع الخاص. يقول رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو إن هذه الحالة هي امتداد للدويلات داخل الدولة على الصعيد السياسي، فكل وزارة هي دولة بحد ذاتها، ما يجمعها مع باقي الوزارات هي خزينة كل دويلة (وزارة).

وبالتالي تغيب وحدة الحكم، وهكذا تضيع الواجبات الرئيسية للدولة ويضيع معها تأمين الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ونقل واتصالات وغيرها الكثير. والنتيجة أن كل ذلك ليس من أولويات الدولة، فالصراع على النفوذ يتصدر كل تلك الأمور بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من موارد الخزينة ويتم توزيع المخصصات لأزلام الطوائف من مقاولين وموظفين وتابعين.
ويضيف الدكتور برو أن المواطنين يدفعون ملياراً ومائتين ألف دولار سنوياً خسائر في قطاع الكهرباء. و85 % من الشعب اللبناني يشتري المياه من السوق بسبب انقطاع المياه،
وتصل الخسائر إلى نصف مليار دولار بين مياه للاستعمال المنزلي ومياه معدنية للشرب، بالمقابل يدفع كل مواطن 200 دولار سنوياً بدل مياه لشركات المياه الوطنية.

أما الهاتف المحمول فهو الأغلى في العالم، في ظل تغطية سيئة جداً في الشبكة واحتساب دقيقة مقابل كل ثانية إضافية على الدقيقة. ويختم برو أن دور الدولة الطبيعي غائب في معظم الخدمات، لا سيما الصحة والتعليم، ففي معظم دول العالم الدولة تغطي 60% من الحالات المرضية أما في لبنان فلم تصل النسبة إلى 38% وهذا الرقم صغير "وكل ذلك يعني أننا نبتعد يوماً تلو الآخر عن العدالة الاجتماعية".

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور جاد شعبان إلى أن "هناك مستفيداً من وراء كل مصيبة تقع على المواطن، والمستفيدون هم الشبكات المحسوبة على صنّاع القرار وأركان النظام في لبنان، وهم عائلة واحدة. فمن يمتلك مولد كهرباء أو موزع ستالايت أو يستفيد من أي امتياز فهو على علاقة بنائب أو وزير أو مسؤول يغطيه. يومياً هناك أمثلة كبيرة تبين مدى ارتباط العائلات الحاكمة بأركان النظام، وهذا أشبه بتكاثر
دكتاتوريات. ففي لبنان هناك أكثر من حزب حاكم ويمتلك شبكة من المحاسيب التابعين له".
أما الحل من وجهة نظر شعبان فهو فضح هذه الشبكات وللصحافة دور في ذلك. كما يجب عملياً الرهان والعمل على ضرورة تقوية دور الدولة من خلال التعليم والطبابة، وملء الشغور في وظائف الدولة وغيرها.

ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور غسان ديبه إلى أن الأمر ينقسم بين مصاريف إضافية؛ وهي الفواتير المدفوعة مرتين، وبين الفاتورة الواحدة بأسعار مرتفعة نسبة لدخل المواطن. فالكهرباء والمياه تُدفع مرتين؛ مرة للدولة ومرة أخرى نتيجة الخدمة السيئة من الدولة. أما الفاتورة الواحدة التي يدفعها المواطن مثل الهاتف فهي مرتفعة وبالتالي تؤثر سلباً على ميزانية الأسر. ويضيف ديبه أن لبنان كان سباقاً في موضوع الخدمات وتأمينها وكانت المياه والكهرباء تصل لكافة المنازل تقريباً، لكن مع الوقت وبسبب غياب دور الدولة أصبح المواطن يدفع ولا ينال حقوقه.
ومن جهته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي أننا في ظل دولة الفشل، على كل المستويات، لا سيما في تأمين وإدارة وتنفيذ الخدمات العامة. هذا الفشل تسبب بعجز كبير في الموازنة العامة، وإثراء غير مشروع للطبقة الحاكمة، كما تسبب بأكلاف إضافية يتكبدها الشعب اللبناني. ويضيف يشوعي أن مركزية الخدمات العامة فشلت، وبالتالي لا بد من لامركزية لهذه الخدمات تترافق مع لامركزية إدارية ومالية كما نص اتفاق الطائف.

المساهمون