زيادات الأجور في مصر... أولوية القمع تسحق الموظفين

زيادات الأجور في مصر... أولوية القمع تسحق الموظفين

20 يونيو 2016
تحرك للعمال في القطاع الصحي (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -
تعتبر الزيادات التي تلحق بالرواتب والمخصصات من الحقوق المكتسبة لكافة الموظفين والعمال في العالم، وذلك لخلق توازن مع نسب التضخم المحققة، وكذا لضمان استمرار التوزيع العادل للدخل القومي، كل بحسب مساهمته في الإنتاج المادي والفكري في الدولة... إلا أن هذه القاعدة منقوصة في مصر، لا بل إن زيادة الأجور تخضع لاستنسابية فاقعة. حيث ترتفع نسب الزيادات في قطاعات وتنخفض إلى مستويات يصفها اقتصاديون بـ "المخزية" في قطاعات أخرى، ليبرز وفق هؤلاء، البعد القمعي للسلطة المصرية حتى في قرارات زيادة الأجور، حيث يتم سحق المواطنين لزيادة نفوذ الأمن من جهة وإغراء الجسم القضائي من جهة أخرى. "العربي الجديد" رصدت زيادات الرواتب والمخصصات في عدد من المرافق الأساسية في البلاد، وكانت هذه النتيجة:

القمع لا الإنتاج
أعلنت وزارة المالية المصرية أخيراً عن الموازنة الجديدة للعام المالي 2016-2017 وتضمن مشروع الموازنة زيادة في مخصصات الأجور من 218.11 مليار جنيه في الموازنة الحالية إلى 228.14 مليار جنيه في الموازنة الجديدة. للوهلة الأولى يمكن تصور أن جموع العاملين في الدولة سيستفيدون من تلك الزيادة ولكن الخبراء الاقتصاديين يأكدون عكس ذلك تماماً.

يقول خبير اقتصادي إن الموازنة العامة للدولة شهدت ارتفاعاً في العام المالي الجديد عن العام الماضي بما يقرب من 10 مليارات جنيه، إلا أنه وفقاً للبيانات التحليلية التي نشرتها وزارة المالية المصرية على موقع الوزارة فإن ما يقرب من 14% من تلك الزيادة ذاهبة إلى العاملين بوزارتي الداخلية والعدل، وأن نصيب العاملين بالتعليم لا يزيد على 3%. وبالرغم من المطالبات المستمرة من العاملين بالصحة بتحسين أحوالهم المالية وزيادة الأجور وتطبيق كادر للأطباء، فإن نصيبهم لم يزد عن 0.65% وهي زيادة تكاد لا تذكر.
ويشير إلى أن توزيع الزيادة في الأجور لم يراع الأبعاد الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها ملايين العاملين في الدولة. ويلفت إلى أن الدولة أعلنت في موازنتها عن الاستمرار في السياسات التي بدأتها العام الحالي، والتي تعتمد على تغيير طريقة حساب تلك الأجور بشكل يقلل من معدلات نموها. وبالرغم من ذلك فإن كبح نمو الأجور لا يطبق على كل القطاعات بنفس القدر. حيث يظهر البيان التحليلي لموازنة 2016-2017 تفاوتاً واضحاً بين النمو والانكماش في موازنات أجور العاملين بالدولة. ويتساءل: "أي رغبة حكومية في كبح جماح نمو الأجور وهي تمنح 5 مليارات جنيه لقطاعات مثل الشرطة والقضاء ودار الإفتاء ومصلحة السجون. فيما تعاني فئات أخرى مثل التعليم والصحة من انهيار في منظومة الأجور؟".
ويقول أحد أعضاء النقابة المستقلة للعاملين بالتربية والتعليم، أنه في الوقت الذي تدعي الدولة وجود تضخم في الجهاز الإداري بها ورغبتها المستميتة لتمرير قانون الخدمة المدنية، فإنها تصر على التمييز لصالح الفئات العاملة في الأمن العام والسلامة العامة، أي الداخلية والأجهزة التابعة لها مثل مصلحة السجون والسجل المدني والعقاري والعدل والإفتاء، وفي الوقت ذاته يعاني المعلمون من أزمات طاحنة، تدفع بالمنظومة التعليمية إلى الانهيار.

ويشير إلى أنه في الوقت الذي لا تتوقف الدولة عن المحاباة والتمييز لصالح الأجهزة الأمنية والعدل فإنها تدعي زوراً أن لديها رغبة في تطوير العملية التعليمية، في حين أنها تقرر زيادة للعاملين في التعليم والذين يزيد عددهم عن المليون موظف بما لا يزيد على 3%، أي ما يقرب من 20 جنيهاً (دولاران).

تحييد الصحة والتعليم
ومن جانبه يقول عضو في مؤسسة الحق في الصحة، أن الدولة تعاني من نظرة أمنية أحادية، فتدفع بالأموال للعاملين في القطاع الأمني والعدل، في حين أنها تترك باقي العاملين في الدولة يعانون مر المعاناة من ارتفاع الأسعار والتضخم، وانخفاض الأجور، مؤكداً أن العاملين في القطاع الصحي يطالبون بزيادة رواتبهم من قبل الثورة، وعلى الرغم من ذلك صوتهم لم يصل إلى الحكومات المتعاقبة. ويلفت إلى أن الأطباء على سبيل المثال يلجؤون للعيادات الخاصة لتوفير مداخيل طبيعية، وهو الأمر الذي ينعكس بالطبع على حقوق المرضى في تلقي خدمة طبية حكومية جيدة. وذلك بالإضافة إلى استخدام مواد دعائية عن زيادة مخصصات الصحة في الموازنة الجديدة لإنشاء مستشفيات وأبنية تعليمية دون التفكير أن جزء مهم من تطوير منظومة الصحة يجب أن يذهب للعاملين بالقطاع.
ويلفت إلى أن زيادة مخصصات الأجور للعاملين بالقطاع الصحي هي زيادة وهمية، ولا سيما أن هناك زيادة في عدد العاملين بالقطاع تقترب من 5%، بالإضافة إلى وجود مئات المستشارين الذين يتقاضون وفقاً للجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتم الآن محاكمة رئيسه نحو 59 مليون جنيه، مقارنة بـ 45.223 مليون جنيه بموازنة 2015 /2016 الحالية، بمعدل زيادة بلغ 13.8 مليون جنيه، ضمن مخصصات الأجور وتعويضات العاملين بالدولة.
ويبلغ إجمالي ما تم رصده لمكافآت الخبراء 44 مليون جنيه في الموازنة المقبلة، مقابل 42.91 مليون جنيه في موازنة السنة الحالية، بفارق نمو بلغ 1.09 مليون جنيه، فيما وصلت مصروفات مكافآت الخبراء الأجانب نحو 15 مليون جنيه مقارنة بـ 2.13 مليون جنيه بالموازنة الحالية، بارتفاع بلغ 12.87 مليون جنيه. 

مخصصات الصحافيين... كارثية
648.2 مليون جنيه هي قيمة بدل تكنولوجيا المعلومات التي توفره الدولة للصحافيين المقيدين بنقابة الصحافيين، وهو المبلغ الذي أقرته الموازنة العامة للدولة. ويصل للصحافي المقيد بنقابة الصحافيين 1380 جنيهاً شهرياً بما يعادل 112 دولاراً، كبدل اتصالات واستخدام وسائل التواصل المختلفة.

مع تدني أوضاع الصحافة المصرية وإغلاق عشرات المؤسسات وتسريح العاملين بها من صحافيين ومتدربين، تحول البدل إلى مصدر دخل أساسي للصحافيين المصريين، الذين يقدر عددهم بما يقرب من 150 ألف صحافي، بينهم 11 ألفاً فقط هم أعضاء نقابة الصحافيين، أي أن ما يقارب 140 ألف صحافي لا يتقاضون بدل التدريب.
وعلى الرغم من محاولة الحكومة لي ذراع الصحافيين النقابيين من خلال التلويح بإلغاء البدل أو تعطيله، فإن قيمته لا تقارن بما يحصل عليه القضاة والشرطة وغيرها من المؤسسات.
ونتيجة لتردي أوضاع الصحافيين وانهيار منظومة الأجور، وفي حين أن أغلب الصحافيين المصريين يتعرضون لابتزاز المؤسسات العاملين لديها، من أجل مد مظلة الحماية النقابية لهم وتعيينهم لدخول نقابة الصحافيين، فإن الدولة استغلت تلك الحاجة الملحة وتحول بدل تكنولوجيا المعلومات لوسيلة ضغط يمكن عبرها توجيه الجماعة الصحفية للمجيء بنقباء ومجلس نقابة موال للدولة.
يقول عضو الجمعية العمومية للصحافيين الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هناك خللا حقيقيا في طريقة توفير بدلات تكنولوجيا المعلومات والتدريب للصحافيين، ولا سيما أن الدولة تضعه في الموازنة العامة للدولة وتعتبره منحة يمكن الضغط بها على الصحافة المصرية، إلا أن واقع الأمر والشكل الأساسي للبدل يعود بصورة أساسية إلى تحصيل وزارة المالية 20% من قيمة الإعلانات وفقا لقانون الضريبة المفروضة على إعلانات الصحف، وهي القيمة التي توفر ما يقرب 1500 مليون جنيه سنوياً، وتحقق عائداً بما يقرب من 300 مليون جنيه أي ما يزيد عن حاجة الصحافيين بعشرات الأضعاف.
وبالرغم من أن رفع بدلات تكنولوجيا المعلومات والتدريب للصحافيين كان وعداً انتخابياً لكافة النقباء الذين مروا على الصحافيين بمن فيهم النقيب الحالي يحيي قلاش، إلا أنه ظل وعداً لا يتحقق، صاحبه انهيار في أوضاع الصحافيين، وتدن واضح في المرتبات. ويشرح أن النقابة لا تحصّل قيمة ضرائب الإعلانات التي تصل إلى 20% من قيمة الإعلانات في الصحف الحزبية والقومية والخاصة، لأنها لا تقوى على مواجهة رجال الأعمال في الصحف الخاصة بصورة أساسية، والذين يتنصلون من الإيفاء بقيمة الضرائب على الإعلانات من خلال إنشاء شركات مساهمة أجنبية غير خاضعة لقانون الصحافة المصري. فيما تذهب قيمة الضرائب بصورة مباشرة للدولة بنسبة تزيد على تلك التي تمنح للصحافيين في صورة بدل تكنولوجيا المعلومات، لتذهب بغالبيتها للمؤسسات القومية التي تعاني الفساد وتضخم هيكلها الوظيفي فيما يترك الفتات للصحافيين العاملين في المؤسسات الخاصة في أوضاع وظروف لا يمكن احتمالها.
ويقول أحد الصحافيين أن الاستنسابية تظهر فاقعة جداً في قطاعات أخرى، تعمل السلطة على إغرائها بكافة الوسائل لتكون تحت جناحها. مثلاً، 6500 جنيه أي ما يعادل 550 دولاراً هي قيمة بدل القضاة بمناسبة شهر شعبان ومثلها آلاف الزيادات والبدلات، بينما تضطر الغالبية العظمى من الصحافيين التي تحتاج إلى العمل في ظروف مادية مناسبة إلى الاقتراض بضمان بدل تكنولوجيا المعلومات الذي لا يتخطى 1400 جنيه، لسداد الديون والإيفاء بأقل متطلبات الحياة.
وفي الوقت الذي لا يزيد إنفاق الدولة على بدلات الصحافيين 650 مليون جنيه سنوياً تصل قيمة أجور العاملين في ماسبيرو وفقا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات ما يقرب من 220 مليون جنيه شهرياً، في حين أن إجمالي العاملين في ماسبيرو 40 ألفاً فقط. في حين وصلت هدايا ومنح الأهرام (احدى المؤسسات الإعلامية القومية) للرئيس المخلوع مبارك ما يقرب من 20 مليون جنيه تم توزيعها من تلك الصحيفة الحكومية على رجال مبارك.

المساهمون