الجزائريون يدفعون ثمن سياسة "شراء السلم الأهلي"

الجزائريون يدفعون ثمن سياسة "شراء السلم الأهلي"

14 ديسمبر 2015
الفقر يطاول جميع المواطنين في الجزائر(فاروق باتيشي/فرانس برس)
+ الخط -
أدى انخفاض أسعار النفط عالمياً إلى تدهور كبير طاول الإيرادات المالية للحكومة الجزائرية. ومن المعروف أن الجزائر تعتمد على القطاع النفطي بنسبة تصل إلى أكثر من 98 %. لقد أدى هذا التدهور في أسعار النفط إلى بحث الحكومة عن مصادر لتمويل خزينتها، وبدلاً من الاعتماد على تنويع الاقتصاد، والاعتماد على القطاعات الزراعية والصناعية، وتنمية المناطق النامية، والعمل على تشجيع المشاريع الشبابية، لجأت الحكومة إلى زيادة الأعباء الضريبية، وذلك بحجة تأمين السلم الأهلي.
انتقد العديد من الخبراء قانون المالية الجديد، الذي ستنتهجه الحكومة مطلع عام 2016، إذ، وبحسب الخبراء، فإن آلية تمويل الخزينة العامة ستكون عن طريق جيوب الفقراء، ووقف الدعم الاجتماعي، وزيادة معدلات الضرائب على كافة السلع الأساسية، ومنها السلع الاستهلاكية.
"إنه أسوأ قانون مالية مر في تاريخ الجزائر"، هكذا فضل كثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين وصف قانون المالية لعام 2016. فالقانون المثير للجدل جاء في ظرف استثنائي تمر به الجزائر، والتي بات اقتصادها قاب قوسين أو أدنى من أزمة ثانية تشبه إلى حد بعيد أزمة عام 1988، جراء تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وانعكاساتها المباشرة على خزينة الدولة.
أمام معضلة الانخفاض الحاد لعائدات البلاد، نتيجة فقدان برميل النفط أكثر من 45% من قيمته، اضطرت الحكومة إلى تحميل المواطن جزءاً من الأعباء، والعودة إلى فرض ضرائب جديدة ورفع أخرى، بدلاً من البحث عن موارد جديدة.

ارتفاع الضرائب

لقد أقر مشروع قانون المالية لعام 2016 سلسلة من التدابير الجبائية، التي ستساهم في ارتفاع أسعار بعض المنتجات، منها السيارات والوقود وأجهزة الإعلام الآلي وأجهزة الاتصالات، وغيرها من السلع الأساسية، التي يعتمد عليها المواطن الجزائري. ولا شك في أن هذه الزيادات ستمس أيضا قطاعات أخرى لا تقل أهمية، مثل النقل العمومي، بسبب رفع سعر المازوت، فضلا عن ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والماء.
هذا الواقع حتم على الحكومة انتهاج سياسة التقشف، أو ما أطلقت عليه تسمية سياسة ترشيد النفقات منذ نهاية العام الماضي، حيث دشنها الوزير الأول، عبد المالك سلال، بإعلانه تأجيل فتح مناصب العمل في الوظيفة العمومية خلال السنة الحالية. وهو التصريح الذي أثار حينها حفيظة الفئات الطلابية والشبابية، المقبلة على التخرج منها، والشباب المتعاقد مع المؤسسات العمومية. لكن سرعان ما تداركت الحكومة هذا الأمر، ونفى وزراء القطاعات المعنية هذا القرار، معلنين أن الوزير الأول لا يقصد بقراره هذا قطاعاتهم، وأن سياسة ترشيد النفقات لا تعني التقشف، ولا يعني تنصل الدولة عن المكاسب الاجتماعية المحققة، خاصة سياسة الدعم الاجتماعي، بما فيها مجانية العلاج والتعليم ودعم السلع واسعة الاستهلاك.

إلا أن مشروع قانون المالية لعام 2016، كشف عن المستور وأظهر النية الحقيقية للحكومة في تبني سياسة شد الحزام، عبر الرفع التدريجي للدعم عن السلع واسعة الاستهلاك، بما في ذلك الكهرباء والوقود، عن طريق زيادات اعتبرتها طفيفة. كما أظهرت الموازنة غلق باب التوظيف في الوظائف الحكومية، وغياب تجديد عقود المتعاقدين مع الحكومة، بالإضافة إلى حزمة من المواد القانونية، التي أثارت الجدل وسط الساحة السياسية، أبرزها المادة 66 التي اعتبرتها المعارضة بيعاً للبلاد لصالح الأوليغارشيا.

جيوب المواطنين

قال عضو لجنة المالية والميزانية في المجلس الشعبي الوطني، لخضر بن خلاف، لـ "العربي الجديد"، إن قانون المالية لعام 2016 هو أخطر وأشرس قانون مالية في تاريخ الجزائر، كونه يمس مباشرة جيب المواطن البسيط الذي تطلب منه الحكومة اليوم التقشف، بينما هي تواصل سياستها المتعلقة بالتبذير من خلال استيرادها لكل شيء"، وأضاف:" إن هذا القانون لا يخلو من بصمات واضحة لرجال المال والأعمال، الذين يريدون حل مشاكلهم المالية على حساب جيب المواطن عوض بذلهم الجهد لإيجاد مصادر أخرى للثروة، بدلاً من الاعتماد على الصادرات النفطية التي بدأت تتهاوى".
وبحسب بن خلاف، فإن واضعي هذا القانون يريدون بذلك خصخصة الدولة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الزيادات المرتقبة في الكهرباء والوقود، ستنعكس بصفة آلية على أسعار مختلف السلع والمنتجات الوطنية التي تعتمد على هذه الطاقة، بالإضافة إلى انعكاسها مباشرة على أسعار النقل والمواصلات، ما من شأنه أن يضيف أعباء إضافية على كاهل المواطن البسيط، وسيشعر المواطن بأول ضربة لهذا القانون في أواخر شهر مارس/ آذار من العام المقبل، عندما يلاحظ ارتفاع فاتورة الكهرباء. ولا شك في أن هذه الزيادة ستمس نحو 80 % من الأسر الجزائرية، عكس ما تروج له الحكومة وتقول إن إجراءاتها تمس نحو 30 % فقط.
وأردف بن خلاف بالقول:" إنه وفي ظل غياب السياسات الواضحة والناجحة، تلجأ الحكومة إلى جيب المواطن لتجعله يدفع ثمن سياسات شراء السلم الاجتماعي، والتي بذرت بها أموال الشعب".
من جهته، أشار النائب في البرلمان، وعضو لجنة المال والموازنة في الغرفة السفلى للبرلمان، عبد الرحمن بن فرحات، إلى أن قانون المالية هذا، ستكون له انعكاسات وخيمة على المواطنين البسطاء، موضحاً أن الزيادات ستمس جميع المنتجات المحلية، محملاً المسؤولية إلى كل من صوّت على هذا القانون.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي، فريد ياسي: "أن التدابير الضريبية، التي أقرتها الحكومة في قانون المالية لعام 2016، ستزيد من الارتفاع المسجل في أسعار العديد من المنتوجات واسعة الاستهلاك، الأمر الذي سيزيد من تآكل القدرة الشرائية للمواطن"، وقال لـ "العربي الجديد": "إن الأزمة الكبيرة التي تعرفها البلاد، والتي يبدو أنها ستكون طويلة الأمد، ستزيد من سرعة تراجع أموال صندوق ضبط الإيرادات، واحتياطي الصرف من العملة الصعبة"، مضيفاً أن هذه الزيادات في الأسعار ستتكرر مع كل قانون مالية خلال السنوات الأربع القادمة، متوقعاً أنه حتى ولو تم القيام بإجراءات إصلاحية هيكلية في القطاع الاقتصادي، فإن ثمارها لن ترى النور إلا بعد سنوات عديدة.

اقرأ أيضاً:الجزائريون يكتوون بالتضخم: الدينار في ورطة

المساهمون