براميل اقتصادية تفتك بالسوريين

براميل اقتصادية تفتك بالسوريين

19 أكتوبر 2015
ارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية السورية (Getty)
+ الخط -
أصدرت الحكومة السورية سلسلة قرارات متلاحقة خلال الأسبوع الماضي تقضي برفع أسعار مواد حيوية كالمازوت والغاز والخبز وزيادة الضريبة على الرواتب والأجور، وهي تبدو وكأنها تشن "هجوماً اقتصادياً" يضاف إلى هجماتها العسكرية والسياسية، على ملايين السوريين، وبصورة خاصة على أصحاب الدخل المحدود، وهدفها دوماً هو أنها تجعل الحياة البائسة التي يعيشها هؤلاء أكثر بؤساً.

فخلال أسبوع واحد فقط، رفعت الحكومة السورية سعر ربطة الخبز من 35 ليرة إلى 50 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز من 1500 ليرة إلى 1800 ليرة، وسعر المازوت من 130 إلى 135 ليرة. وقد ترافق ذلك مع زيادة الضريبة على الرواتب من 5 في المائة إلى 10 في المائة.

الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية والمتواصلة منذ أربعة أعوام تبدو أشبه بضربات متلاحقة تصيب دخول ملايين السوريين من دون أن تترك لهم أي هامش للمناورة. إذ باتت الفجوة هائلة بين ارتفاع الأسعار وارتفاع أجورهم الاسمية. فمنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 وحتى اليوم ارتفع سعر مادة البنزين بمعدل 160 في المائة، فيما ارتفع سعر الخبز، وهو الغذاء الرئيسي للغالبية العظمى من السوريين، بمعدل 235 في المائة، كما ارتفع سعر أسطوانات الغاز المنزلي بمعدل 620 في المائة. أما مادة المازوت التي تدخل كعنصر رئيسي في الزراعة والصناعة وتؤثر أسعارها بالتالي في أسعار عشرات آلاف المنتجات، فقد ارتفع سعرها بمعدل قارب 1000 في المائة، إذ بيع اللتر الواحد قبل خمس سنوات بسعر 14 ليرة وهو اليوم بسعر 150 ليرة...

اقرأ أيضا: روسيا في سورية: امتهان الخداع

يعتبر أبو شادي، الموظف في القطاع العام، الزيادة الأخيرة على راتبه بمثابة "مسرحية قامت بها الحكومة قبل أسبوعين فقط من إصدار سلسلة قرارات برفع الأسعار وزيادة الضريبة على الرواتب، والتي التهمت زيادة الرواتب بل وجزءاً من الدخل ما قبل الزيادة". ويضيف لـ "العربي الجديد": "الزيادة على الرواتب بمعدل 2500 ليرة مهزلة، إذ لا تكفي لشراء كيلو واحد من اللحم في الوقت الحالي".

ويعتبر الباحث الاقتصادي عادل الفاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي وراء قيام الحكومة برفع أسعار مواد الطاقة هو تواصل انهيار الليرة السورية، الأمر الذي يجعل تلك المواد مصدر إغراء أكثر للسوق السوداء المهيمنة أساساً على تجارة الغاز والمازوت والبنزين". ويضيف: "تنتعش السوق السوداء عندما تكون أسعار مواد الطاقة منخفضة قياساً بالعملات الأجنبية، ومن خلال شبكات تجد تسهيلات لعملها من قبل المليشيات الأمنية، يجني تجار السوق السوداء أرباحاً طائلة من بيع تلك المواد بتهريبها للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو إلى خارج البلاد".

الحكومة السورية تبرّر قراراتها المتلاحقة برفع أسعار المواد المدعومة بمواصلة "عقلنة الدعم وإعادة توزيعه على الفئات الأكثر حاجة"، وهو تبرير قديم يعود إلى ما قبل اندلاع الثورة ويرتبط بسياسات التحرير الاقتصادي، كما تعزو رفعها الأسعار إلى "ارتفاع أسعار النفط عالمياً". لكنها تصر بالمقابل على التفاخر بأنها لا تزال تنفق أموالاً طائلة على الدعم، إذ بقيت أسطوانة الغاز مدعومة بمبلغ 300 ليرة سورية مقارنة بالكلفة الفعلية حتى بعد رفع سعرها مؤخراً.

يعتبر الباحث زاهر جميل في حديث لـ"العربي الجديد" أن "حديث الحكومة عن أنها لا تزال تدعم السلع الأساسية لا علاقة له بالواقع". ويتساءل جميل: "ماذا يفيد السوري الفقير إذا كانت أسطوانة الغاز مدعومة بـ 300 ليرة كما تقول الحكومة لكن دخله منخفض بشدة إلى درجة لا يتحمل شراء أسطوانة غاز". ويضيف: "أساس دعم السلع هو أن يكون متوافقاً مع الدخول فالحكومة تدعم السلعة لكي يتمكن المواطن من شرائها".

لكنه يوافق على دور ارتفاع أسعار النفط عالمياً باتخاذ القرار الحكومي الأخير، ذلك أن الحكومة السورية باتت "تستورد النفط بصورة شبه كاملة، وهي تنتج الغاز بشكل محدود لكنها مضطرة للاستيراد أيضاً، وقد راج الحديث عن أن روسيا سوف تبدأ قريباً بتصدير الغاز، وهو ما تدفع ثمنه الحكومة السورية بسعر السوق وبالدولار، وبالتالي من المتوقع أن ترفع الأسعار مع كل ارتفاع في أسعار السوق ومع كل انخفاض في سعر صرف الليرة".

المساهمون