إبراهيم مهوي: أنا طالب يتتلمذ على يد الأدب

إبراهيم مهوي: أنا طالب يتتلمذ على يد الأدب

02 يونيو 2015
+ الخط -
حصل الباحث والمترجم الفلسطيني، إبراهيم مهوي، على جائزة "الأكاديمية الأميركية" في نيويورك عن مجمل أعماله البحثية وترجماته. إبراهيم مهوي من مواليد رام الله فلسطين عام 1937. حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة دايفيس في كاليفورنيا. درّس في عدة جامعات ودول، من بينها كندا وتونس والأردن وبير زيت وإدنبرة في أسكتلندا، حيث ترأس برنامج الماجستير لتدريس الترجمة. له عدة بحوث أكاديمية وترجمات. "العربي الجديد" التقى الدكتور إبراهيم مهوي وكان معه هذا اللقاء:

* حصلت مؤخرًا على جائزة الأكاديمية الأميركية عن أبحاثك في التراث الفلسطيني وترجماتك للأدب العربي الحديث. الكتاب البحثي الجميل، "قول يا طير"، الذي ألّفته رفقة الكاتب والباحث الفلسطيني، شريف كناعنة، هو من الأعمال التي قدّمتك بصورة واسعة إلى القرّاء. يوثّق الكتاب خمساً وأربعين حكاية شعبية من التراث الشفهي الفلسطيني، من أصل مائتين. وغالبية الحكايات نُقلت عن نساء فلسطينيات قرويات. عملك البحثي مع الأستاذ شريف قام على جمع تلك الحكايات وتدوينها وشرحها والتعليق عليها، والأهم أيضًا وضعها في سياقها الاجتماعي. كيف جاءتكما فكرة الكتاب؟

أرغب أولًا في الإشارة إلى أهمية العلاقة التي تربط بين السياق الاجتماعي والسياق السياسي، وأثر ذلك في إنتاج الثقافة. من هنا، فأنا أظن أن السياق العام لأي عمل فني أو ثقافي فلسطيني، بقطع النظر عن نوعه، ليس إلا فلسطين ذاتها. فمن ينظر إلى تاريخ فلسطين الحديث، يلاحظ أن الخطر الوجودي الذي كان وما زال يهدّد البلاد، ترافق دومًا مع نهضة عميقة على مستوى التراث الشعبي. فواقع الاحتلال البريطاني لفلسطين، المسمّى وفقًا للخبث الاستعماري المعهود بـ "الانتداب"، أفرز وعيًا وإدراكًا لأهمية الحفاظ على تراث فلسطيـن الشعبي. وقامت حينذاك مجموعة من المثقفين الفلسطينيين، بجمع هذا التراث ودراسته، أخصّ بالذكر، مثالًا لا حصرًا، الدكتور توفيق كناعنة، الذي كرّس عمره لهذا العمل، رغم أنه طبيب. هذا قبل النكبة. أما بعدها، وصولًا إلى اليوم، فإنك تجدين طائفة من الكتب "التذكارية" لو جاز التعبير، التي تدوّن ثقافة القرى التي تمّت إزالتها عن الخارطة والوجود. هذه الكتب تُعنى بالتأريخ الشفهي المنقول عن الذاكرة الجماعية. تزداد الذاكرة الفلسطينيّة تألّقًا وعنفوانًا كلّما مرّ الزمن، ذاكرة لا تضمحل، لأن الشعب الفلسطيني متشبّث بتراثه، خصوصًا التراث الذي كان موجودًا على تراب البلاد كلّها، أقصد بذلك كل فلسطين. وكلما بقي هذا التراث حيّاً بقيت فلسطين موجودة وحية. والتاريخ يعيد نفسه كما يقال، إذ إن الأمر تكرّر بعد خسارة ما تبقّى من فلسطين عام 1967، أي النكسة، فقد تمّ تأسيس جمعية إنعاش الأسرة في "البيرة" الواقعة لصق رام الله، وقد اهتمّت الجمعية بجمع التراث الشعبي وأرشفته، وأصدرت كذلك مجلة "التراث والمجتمع" حيث نُشرت فيها النصوص التراثية، وكانت معها، في معظم الأحيان، دراسات تحليلية. وقد أدّت الجمعية دورًا مهمًّا في إحياء فنّ التطريز الفلسطيني. من كل ّهذا السياق الفولكلوري، إن شئتِ، جاءت فكرة التعاون بيني وبين الدكتور شريف كناعنة، الأستاذ في جامعة بيرزيت، لإنجاز كتاب يجمع بين اختصاصين ؛ الأدب الذي هو مجالي، وعلم الأنثروبولوجيا اختصاص الدكتور كناعنة.

* لا ريب في وجود مصاعب وتحديات واجهتكما أثناء إنجاز العمل، فما هي؟

التحدي الأساسي الذي واجهناه، في عمل الكتاب، كان المسافة الجغرافية الفاصلة بيني وبين الدكتور كناعنة، إذ كنت قد استقلت من عملي في جامعة بيرزيت عام 1980، والتحقت بمركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومن ثم درّست أيضًا في الجامعة التونسية. وفي مراحل الكتاب الأخيرة، كنّا نتراسل من خلال أصدقاء مقيميـن في لندن، وهو الأمر الذي أخّر صدور الكتاب باللغة الإنجليزية حتى عام 1989، وقد نشرته دار جامعة كاليفورنيا. أمّا النسخة العربية فقد تأخرّت حتّى عام 2001، ونشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت. وكانت السيدة، ليلى المصري، قد ترجمته إلى اللغة الفرنسية وصدر في باريس عام 1997. وكان أيضاً من حظّ الكتاب أن يصدر باللغة الصربية عام 2014.

اقرأ أيضاً - جنزير: الفنان همزة وصل بين عمله وناظره

*أغلب الأشخاص الذين نُقلت عنهم الحكايات كانوا من النساء، وقد جاء في الكتاب أن "سرد الحكاية الشعبية يكاد يقتصر على النساء، وإن برع به بعض الرجال". هل لك أن تضيء هذه النقطة؟

بالنسبة للرواة، فإن الجميع يعرف أن فنّ الحكاية الشعبية هو فنّ نسوي بامتياز، إذ يمارس في كنف العائلة الموسعة، حيث كانت جداتنا يروين الحكايات للأطفال. ونحن لو فحصنا مضمون تلك الحكايات، لوجدنا أن عدد الأبطال من النساء يفوق عدد الذكور. الحكاية الشعبية تعكس واقعًا اجتماعيًا وإنسانيًا، وتتطرّق إلى مواضيع اجتماعية قد يكون من غير الممكن إثارتها في فنّ سردي أكثر التزاماً بالواقعية، من عالم الخيال والخوارق الذي يسيطر على الحكاية الشعبية. لكن أود التنبيه هنا إلى أن الحكايات في "قول يا طير" تخلو تماماً من الخوارق وما فوق البشري.

* إذن، لماذا كانت أغلب الحكاية منقولة، أو على لسان الراوي "شافع"؟

لا، هذا غير دقيق. للرواي شافع ست حكايات من أصل الخمس والأربعين الموجودة في الكتاب، ولعلّ مرد هذا الانطباع يتعلّق بواقع اختلاف حكاياته عن باقي الحكايات في الكتاب، سواءٌ من ناحية الأسلوب أو الفحوى، وهي أيضًا حكايات طويلة نسبيًا، ومستوحاة من حكايا "ألف ليلة وليلة" الشهيرة، فضلًا عن نزعتها الرومانسية.
تكمن أهمية حكايات شافع، من الناحية النظرية في رأيي، في العلاقة المباشرة التي نجدها لديه، ونادراً ما نجدها لدى الرواة الآخرين، بيـن القصص الشعبي وحكايات "ألف ليلة وليلة". وهذا موضوع يستحقّ دراسة مطولة، ربما نجد من يقوم بها في المستقبل.

* أثيرت ضجّة حول الكتاب، وحصلت محاولات لمنعه، هل يمكننا اليوم وضع هذه الضجّة في السياق الأوسع للوضع الذي تمرّ به الثقافة العربية والفلسطينية على وجه التحديد؟

أثيرت الضجّة حول وجود الكتاب في مكتبات المدارس الحكومية في غزّة، وذلك بسبب بعض المصطلحات الواردة في الحكايات. وما يجهله أولئك، الذين أثاروا الضجّة، هو أن أسلوب قصّ جداتنا للحكايات مباشر للغاية، فما يرد في بعض الحكايات لا يكون مناسباً تمامًا للأطفال. وأرغب هنا في الإشارة إلى الرقابة في الغرب على الحكايات الشعبية، فمن المعروف أنها صارمة جدًا وإلى أبعد حدّ، بحيث إنها جميعاً منقّحة ومهذبة لكي تصلح للأطفال. وأبرز مثال على ذلك، هو تلك المفاوضات المضنية التي جرت مع ناشرة الكتاب باللغة الإنكليزية في أميركا. فالحكاية الأولى، التي اسمها بالعربية "حكاية طنجر"، وبالإنكليزية "طنجر، طنجر، طنجر" وترافقها رسوم، أثار ورود بعض المصطلحات فيها مشكلة، وطلبت الناشرة إبدالها، وأصرّت على "تهذيبها" إلى درجة أن الحكاية فقدت ظرافتها السردية مع أنها احتفظت بعمق فحواها. ومن هنا جاءت ضرورة نشر "قول يا طير، حكايات للأطفال من التراث الشعبي الفلسطيني"، مرفقًا بالرسوم من قبل مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2001.

* ماذا عن فنّ الحكايات الشعبية اليوم؟ هل تظن أن الجيل الصغير ما زال يسمعها أو على الأقل يعرفها؟

بالنسبة لفّن الحكايات الشعبية اليوم، يُهيَّأ لي أن هذا النوع من القصص الشعبي، أعني هذه القصص الموسومة بـ "الخرافية" أو Fairy tales، لا يزال حياً، وإن لم يكن بالزخم ذاته الذي كان عليه سابقاً، خصوصاً في مخيمات الأردن، حيث وجد بعض طلاب أطاريح الدكتوراه، رواة ما زالوا على صلة وثيقة بهذا الفنّ الشعبي.

اقرأ أيضاً: ملفات مسكونة بالأشباح


* وهل توجد محاولات أو مشاريع لتدوينها وكتابتها كقصص للأطفال ؟

ينتقل فنّ الحكاية من جيل إلى جيل عبر الشفهي، أي هو تراث "قولي" ولا يستند إلى الكتابة. قد توجد علاقة بيـن قصص الأطفال المكتوبة والحكايات المحكية، من حيث الاستيحاء منها. ولكني لا أعرف كفايةً عن قصص الأطفال المكتوبة، كي يكون جوابي دقيقًا عن سؤالك.

* أي الحكايات أقرب إلى قلبك في الكتاب، ولماذا؟

من الصعب جداً الإجابة عن هذا السؤال، لأنني عايشت كلّ حكاية على حدة، من خلال ترجمتها وإجراء بحث عن الفولكلور الذي يربطها مع حكايات مماثلة أو توازيها في التراثين العربي والعالمي. ولعلّني لو بدأت بسرد كلّ ما يعجبني في الحكايات، فإني أخشى أن تنفد مقدرتي على التعبير قبل نفاد الموضوع.

* قمت بترجمات أدبية، لعلّ أشهرها ترجماتك لأعمال محمود درويش وزكريا تامر. لماذا وقع اختيارك على الكاتب السوري زكريا تامر؟ أي ما الذي تحبّه في كتابته؟ وأين ترى أهميتها للترجمة؟ ولماذا برأيك لم يلقَ حظًا يناسب جودة إنتاجه في ما يخصّ الاهتمام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية؟

ما جذبني إلى قصص زكريا تامر، أن غالبيتها قصص قصيرة جداً، وفيها نَفَسٌ من الحكاية الشعبية. قصصه تجمع ما بيـن الواقع والخارق، وبسخرية لاذعة، خصوصًا من بعض نماذج الثقافة العربية التقليدية، والوضع السياسي المزري بشكل واضح. إن من يقرأ قصص زكريا تامر بتمعن، يضحك ويبكي في آن واحد.
ويخيّل إلي أن جميع المثقفيـن العرب يقدّرون زكريا تامر على أعلى المستويات الأدبية، ويؤكد على ذلك منحه جائزة محمود دوريش للحرية والإبداع في الرابع عشر من شهر آذار (٢٠١٥) في رام الله. وأمّا بالنسبة لحظه في الترجمة، فهو منقول إلى لغات عديدة، لستُ أدري عددها، وله جمهوره في الروسية ولغات البلدان الأوروبية. وقد صدرت له عدّة ترجمات بالإنجليزية. فالمادة متوفرة لمن يريد أن يقرأ تامر في هذه اللغة. أما بالنسبة لشعبيته فأغلب ظنّي هو أن عصر السخرية في أوروبا كان في أوجه في القرن الثامن عشر، عصر جوناثان سويفت وفولتير، ولا توجد الذائقة لهذا اللون من الكتابة اليوم مثلما توجد في عالمنا العربي، حيث يختلط الواقع مع العالم الغرائبي وينافسه. وهو أمرٌ نجده في قصص زكريا تامر وأيضًا في كتابات إيميل حبيبي. جدير بالذكر هنا، أن مجلة "بانيبال" الصادرة في لندن المختصة بنشر كتاب عرب معاصرين باللغة الإنجليزية، هي الآن بصدد تحضير ملف خاصّ عن زكريا تامر، ولي الشرف أن أشارك فيه.

* ترجمت لمحمود درويش كتابين نثريين؛ "ذاكرة للنسيان" و"يوميات الحزن العادي". لماذا وقع خيارك على "ذاكرة للنسيان" بالذات؟ وكيف ترى خصوصيته مقابل أعمال نثرية أخرى لدرويش؟ وأية تحديات واجهتك، خاصّة وان أسلوب درويش صعب؟

أثناء غزو إسرائيل للبنان عام 1982، كنت مقيماً في بيركلي بكاليفورنيا. تابعت أحداث الحرب عن كثب، عبر الراديو والتلفاز وقتها. وحين نشر كتاب "ذاكرة للنسيان" الذي عالج موضوع ذلك الغزو بعمقٍ أسطوري وإبداع أسلوبي ليس له، في رأيي، مثيل، كان من الضروري نقله إلى الإنجليزية، لأسباب عدّة؛ أولاً بسبب التحدي الذي طرحه علي، لمن أجل إنصافه لغوياً وفنياً، وثانياً بسبب الإصرار على عدم نسيان ذلك الغزو، الذي أدّى إلى إخراج الحركة الوطنية الفلسطينية من بيروت.
وهذا فعلاً هو ما حصل، فمن يتذكر أو يذكر الغزو الإسرائيلي الآن حتّى بين الجمهور العربي؟. ولكن ذلك الغزو ومممارسات الجيش الإسرائيلي في لبنان وتدمير بيروت لم (ولن) يتلاشَ ما دام كتاب "ذاكرة للنسيان" باللغة الإنجليزية، موجوداً على الشبكة العنكبوتية والمكتبات. وأرغب في الاستفاضة قليلًا حول لغة درويش وأسلوبه المميّز، الذي شكّل تحديًا؛ فقد ذكر لي محمود في لقاء معه في تونس، أنه قام بكتابة "ذاكرة للنسيان" خلال ثلاثة أشهر متواصلة. وهذه الأشهر الثلاثة تحوّلت عندي إلى خمس سنوات، لأنقله من العربية إلى الإنكليزية. في الكتاب، كثير من الإبهام في الأسلوب، والغموض في المعنى، وتلك المراوغة اللغوية الباهرة، فضلًا عن الشاعرية المفرطة. سؤالك عن الجانب النثري في "ذاكرة للنسيان"، يجد جوابه في نفي فكرة كتابة محمود للنثر. وقد تكون أهم تصريحاته الجمالية بالنسبة لعمله حين كتب "لا الشعر شعرٌ ولا النثر نثرٌ". لم يكتب محمود النثر. كلّ ما كتبه شعر. تمامًا كما قال لي في تونس حرفيًا "كلّ ما يكتبه الشاعر هو شعر".

* وماذا عن كتاب "يوميات الحزن العادي"، الذي يتناول النكبة وفلسطين التي "لم تعد فلسطين" كما تذكر أنت. أوّلًا ماذا عنى لك هذا الكتاب على الصعيد الشخصي؟ وثانيًا ماذا عنى لك من ناحية ترجمته؟

على الصعيد الشخصي، كان اهتمامي بـ "يوميات الحزن العادي" على عدة مستويات. أولها لأنه يروي بعض تفاصيل حياة الشاعر الشخصية، من خبرته الأولى بالنكبة ورحيله مع عائلته إلى بيروت إلى صعوبة حياته في إسرائيل بعد تأسيس الدولة. إضافة إلى ذلك، فقد ذُهلت عندما قرأت الجزء الأخير عن غزّة. ذُهلت من بعد نظر الشاعر وبصيرته وتعمقه التنبّؤي بالتاريخ، ولا أقصد التاريخ الذي مضى، بل التاريخ القادم بعد عام 1973، أي سنة نشر الطبعة الأولى من الكتاب. كان درويش يكتب وكأنه يقرأ التاريخ مثل الكتاب المفتوح، وكأن نضال غزّة الآن مجرد تطبيق عملي لما قاله محمود في "يوميات الحزن العادي". وبما أن صيغة هذا الكتاب سردية وليست تأملية كما هي في "ذاكرة للنسيان"، فقد كانت ترجمته أسهل بكثير.

*أثناء قيامك بالترجمة، هل عملت بشكل قريب مع محمود درويش أو زكريا تامر؟ وما الذي يميّز العمل مع كلّ منهما؟ أقصد العلاقة بين المترجم والمبدع ؟

لا، لم أعمل معهما أثناء الترجمة. ذكرت لك لقائي مع محمود درويش، لم أعمل معه بالترجمة. أمّا القدير زكريا فقد التقيت به مرّات عدّة في أوكسفورد حيث يسكن، وكان كريمًا ودعاني لزيارته في بيته مرّات عديدة، ولم نتكلم فيها عن الترجمة.

* أنت من مواليد رام الله عام 1937. وكنت تقريبًا في العاشرة من عمرك حين انتهى "الانتداب البريطاني" في فلسطين، وقامت الدولة الاستعمارية الجديدة عام 1948. فهل تتذكّر أية تفاصيل قبل تلك الفترة أو حولها؟

نعم، أتذكّر تدفق المهجّرين على رام الله من الغرب، ولجوءهم إلى الحواكير والأماكن الأخرى الخالية من البناء. أتذكّر بكاء الأطفال وعويل النساء المتعبات القادمات من اللدّ والرملة مع عائلاتهن. أتذكّر أيضاً هجوم عصابات الـ"هاغانا" الصهيونية على رام الله، وكيف تصدّى الأهالي لها وأفشلوا هجومها. في النهار التالي لليلة الهجوم، رأيت الناس وقد جاؤوا كي يشاهدوا جثاميـن القتلى في أحد المباني، وكان عددهم سبع عشرة جثّة. أتذكر أشياء أخرى كثيرة، لا مجال لسردها هنا.

* أنت ابن رام الله ومنطقتها، كيف ترى التغيرات التي مرّت على المدينة خلال كلّ هذه العقود، وما آلت إليه اليوم؟

ماذا يمكن أن نقول عن التغيّرات التي مرّت على مدينة رام الله عدا تقبل حتمية التاريخ؟ كلّ شيء يتغير، شئنا أم أبينا. رام الله التي نشأتُ فيها ليست هي رام الله الآن. لكن في الوقت ذاته، يمكن القول عند ما يرى المرء رام الله وكلّ الإعمار الذي "تتعرّض" له الآن، يمكن القول، مع محمود درويش؛ "أنا من هنا وأنا هنا. وأنا أنا. وهُنا هُنا".

* في ظلّ ما يمرّ على العالم العربي من "دعشنة" وحروب طائفية، هل تخاف على التنوع الثقافي في بلاد متنوعة كفلسطين؟

طبعاً أخشى. الأحادية التي تسيطر على "داعش" هي الأحادية ذاتها التي تسيطر على إسرائيل. أقول ما بيـن حانا ومانا ضاعت لحانا.

* هل ثمّة كتاب أو كتب ربما، كنت تتمنى ترجمتها ولم تفعل؟

لا. رغم أني أفتخر بترجماتي، لكنني لا أنظر إلى نفسي في المرتبة الأولى كمترجم، بل كباحث علمي وطالب يتتلمذ على يد الأدب. ففضلًا عن الترجمات، لي أبحاث أدبية ولغوية اجتماعية وفولكلورية. وأتطلع في المستقبل إلى استكمال بعض الأبحاث التي بدأتها ولم تتسـن الظروف لإكمالها.

المساهمون