توقّف.. أيها القائد الأعمى

توقّف.. أيها القائد الأعمى

19 مايو 2015
+ الخط -

كسينا نيكراسوفا
(ولِدَتْ في الأورال عام 1912 وتوفيت عام 1958. لها مجموعتان شعريتان: "ليلٌ في بستان" 1955، و "جميلةٌ أرضنا" 1958. تُعَدُّ نيكراسوفا من رواد القصيدة الحرة، وقصيدة النثر، وقد أجمع النقد في مرحلته السوفييتية على أصالة تجربتها، "وروسيّتها"، وبساطة لغتها وتفردها، وتنوع أساليبها).

في كُلِّ صباحٍ
تُطِلُّ الشمسُ على أرضنا
ترنو إليها.
وهي ترخي على الأفق جبينها الواسع الملفوح
تنظر بحزنٍ ربما
وربما، بدهشةٍ
وربما بأُبهةْ.
وكانت الشمسُ كلما اقتربت من أرضنا
تَمَلَّكتْ أرضُنا اللغةْ
ليبدأ الخلقُ، كُلُّ الخلقِ
بصوغ دهشته في أصوات.
ولتبدأ الأحجار والمياه تدثُّ ضباباً أبيض
وتطلق الشمسُ أشعة الشمس
وتنتهي الأعشاب في المروج
وتنهض أرضنا جميلةً جميلة
(وربما، وحيدةً أحياناً!).
جميلةً بين الشموس اللاهبةْ
والمجرات الحجريّة العاريةْ.
أما نحنُ
فقد خلقنا الإله، ربما،
لكي نعيش في هواءٍ شافٍ
فوق أرضنا الخضراء
أرضنا الريّانة.

يلينا أرلوفا
(من مواليد عام 1967. تخرجت من معهد بليخانوف للعلوم الزراعية؛ تعيشُ في موسكو، وتمارسُ الرسم، والغرافيك، وتصميم الكتب).

ما دام كُلّ الذي ظَلَّ من قرننا القديم
بقايا شمعة ذابلة،
أكان هذا يكفي، ليكون سبباً
لحياةِ الحالمين بعصرٍ جديد؟
أولئك الذين صار كُلُّ واحدٍ منهم
بياعاً جوالاً لحقيقةٍ على مقياس الجيوب
أما كان هذا يكفي
لأن يعوّل كُلّ منهم
على وردة الرياح
في استعادة لذة الكذب.

***
في حفلتنا القصيرة كالصيف الهندي.
وفي عالمنا الذي يفوح مثل تفاح أيلول،
نحن نركض
نركض في اتجاه تذكر صيادي حراذين
صغيرة
خفيفة الأرجل

***
من البيتِ
إلى البيتْ
ومن البيتِ إلى البيت.
وكأننا، أبداً
"لا رحنا.. ولا جينا"!

نينا برونكينا
(ولِدَتْ عام 1970، عضو الاستوديو الأدبي (تويج السرو)، تعيش في موسكو).

الصبا
الصبا!
هو احتكاك الورك بسوسن الغابةِ
والحشائش العُشبيّة.
الرأس يلفّ كالمروحة من فرحٍ عارم.
وأنا بيسر أدرك السماء
والصباح يفوح بالبخور
انكسر الكمان
ولَمْ يعدْ بالإمكان لمسَ الشمس
لأن الصقيع
جمَّد الشمس على راحتيَّ.

آلاتير – آكوبيان
(مترجمة وشاعرة أرمنية تكتب بالروسية، تعمل وتعيش في موسكو).

كم أنت وفيٌّ
في الوقت الفاصل ما بين خيانتين.

***
لقد أرسلها
في رحلةٍ بحريةٍ سياحيةٍ
حول إصبعه.

***

عندما تُعطي اسماً
للبقرة أو للمِعْزى أو لابن الخنزير الخنوص
سيصعب عليك ذبحها
لأن لحم الذين بلا اسماء هادئ هادئ!


نتاليا كونوبليفا
(تعيش في موسكو، أوّل أعمالها الشعريَّة "توقف أيها القائد الأعمى، الذي لا يُرى" 1990).

إننا وحيدون
وحيدون
وهذا أمرٌ لا شِفاء منه.
إذ إنني، وما أن أدفئ أصابعك براحتي
تلك التي كانت أكثر حزناً،
حتى تصبح مثل ورق الجدران!
لأن قطار الأعراس، ربما،
قد مَرَّ، سريعاً، من هنا.


تاتيانا سيريشيفا
(تخرجت من معهد غوركي للآداب، تعيش وتعمل في موسكو، أصدرت أربع مجموعات شعرية).

شوارع من ألوانٍ، وسقوف تلتمع مبلّلةً،
دوائر الشمس الذهبية ترتطمُ بغيومٍ رماديةٍ ضاربةٍ للسواد،
مطرٌ آخر يتساقط.
امرأةٌ ترتدي أزرقَ غامقاً، تحمل في يدها اليسرى، شمسيّةً ورديةَ اللون،
وفي يدها اليمنى، تدفع عَرَبة أطفالٍ صفراء ليمونيةً،
عربة ينام في داخلها المستقبل.

***
بي عطشٌ للإبداع، لكنني لا أستطيع إلا أن أفكر بالقنابل التي تملأ الكرة الأرضيّة.
إن "مواكبي" حياةٌ (رسوم لأناس يعبرون الشارع) :
رجلٌ مسنٌ يموت، كان قبل قليلٍ في نزهة مع كلبه الأبيض (لقد رسمتُها الليلة)،
شوارع تنحطُّ،
أطفالٌ يبكون، وآخرون يشيخون في النَفَاس،
لا..لا.. لا يمكن أن تنتحر البشريّة،
فالابتهالات ترتفع، وترتفع في مكنونات روح العصر.

نزيرة حسينبيكوف
(ولدت في عام 1956، تركمانستانية تكتب بالروسية، تخرجت من كلية الآداب، جامعة "كوبان" الرسمية. من أعمالها "ليس الوقت وقتنا أبداً").
-1-
متى تدق الباب؟
في الليل عند أمك العجوز
وفي الصباح في العمل
وفي المساء متعباً تقلّب الأوراق وتدقّق المهام،
وفي ظهيرة الزحام صعبٌ هو الوصول إليَّ.
هكذا تقول لي
وهكذا عليَّ أن أفهمك.
وهكذا علينا أن نخترع وقتاً،
خارج الليل،
وخارج الصباح،
وخارج الظهيرة!


-2-
لا تدعني أذهبُ إلى حيث لا أريد أن أذهب.
قل لي، فقط، انتظري!
وسأكفُّ عن توضيب حقائبي الخفيفة،
وأترك الكتب على الرفوف المتربة.
يكفي أن تقف على رؤوس أصابعك، متكئاً على قدميك كعكازيّ المهرج،
رافعاً يديك عالياً كي أراك،
وترقبني أشق طابور المسافرين،
لأعود أدراجي،
وانتظرك، طويلاً، كي تدق الباب!

لودميلا كونستانتينوفا
(ولدت عام 1959، تعيش وتعمل في دونيسك).

أنا أصنعُ نفسي من محلولٍ
والمحلولُ، أبداً، واحد: الضباب والموسيقى.
أما البلل
فيأتي من الغُدران الممتدة غير المتقاطعة،
تلك التي نكتب فيها.

***
من أجل أن لا يُغني الديكُ ثانيةً
عليكَ، ثانيةً، أن تدقَّ عنق الديك.
ولكن.. عليك أن تَسْتَدْركَ
أن تدابير الحذر من الخيانة
لن تكون عائقاً على الدوام.

إيسانا فورونوفسكايا
(ولدت عام 1955 في منطقة روستوف، بدأت النشر في الإصدار السنوي "الشعر" – بو إيزيا).


حوض أسماك الزينة
مَعْبَدُ أسرى
تضجُّ فيه ولوداتُ أجنّةٍ حيّةٍ
حلمٌ غير قابلٍ للدحض
جدرانٌ كحلمٍ غير قابلٍ للنقض
جدارٌ
يحتضنُ أعشابَ البحر الرجراجةِ
وهي، مذهولةً، تلتصق بالزجاج
وعلى عضد النيون
صَدَفاتٌ
تتمسكُ، مزهوةً، بالرمل الرجراج
نسيت، للتو، موهبتها في الغناء.
وفي المياه المُصفرة
ضفادع قصيرة النظر
تبدو كتماثيل حالمةٍ
تتلفعُ بـ"الشموا"
وتنتفخ بالضحك الساذج
وهي تقرضُ
زغب السموات المنعكس بالماء.

كيرا إيزيرسكايا
(ولدت عام 1963، في ياسنايا بوليانا، تخرجت من المعهد الموسيقي، والتحقت بمعهد غوركي للآداب وتخرجت منه، نشرت قصائدها في الدوريات المركزية في موسكو، وفي مجلة "الميريديان الطلابي").


للحظةٍ
يطيرُ في الغرفة عصفورٌ
يطير..
ثم لا يلبث أن يحاول العودة للسماء.
في هذه اللحظة بالذات إليكم ما حدث:
يرتطمُ الجسدُ الصغير بالنافذة،
فتتحول أغنية العصفور
إلى أغنيةٍ
عن العصفور.

(اختيار وترجمة إبراهيم الجرادي- شاعر سوري)

المساهمون