لماذا يكرهوننا؟

لماذا يكرهوننا؟

23 نوفمبر 2015
لوحة للفنان الكندي جيل مايرز(Getty)
+ الخط -
أراد السينمائي الأميركي مايكل مور التصدّي لإعادة انتخاب جورج بوش رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، ففعل ما يفعله المثقف الملتزم؛ القيام بعمله. كذا أنجز فيلمًا وثائقيًا، غدا شهيرًا، عنوانه: "فهرنهايت، 11/9". ليس من شأن الفيلم بالطبع إسقاط رئيس، بل تسليط الضوء قدر الإمكان على كذبات بوش - وكثرتها تسهّل المهمة طبعًا - وإرادته الشريرة في تدمير بلاد الرافدين، مستندًا في ذلك، كما لا يخفى، على ذرائع وحجج، أقنعت جلّ الأميركيين وقتها، ذلك لأن التلاعب بالرأي العام له أداة شهيرة، فتاكة وفعّالة: وسائل الإعلام.

في واحد من مشاهد الفيلم، يشرح جنديان أميركيان لمور، كيف ابتكرا "طريقة ظريفة"، تساعدهما في تأدّية واجبيهما بشكل "ممتع": ربط الخوذة العسكرية بمشغل الأقراص المدمجة المرتبط بدوره بوحدة الاتصال الداخلي في الدبّابة، من أجل الاستماع إلى الأغاني أثناء العمل. وكانت الأغنية المصطفاة لفرقة Bloodhound gang، تحمل عنوانًا "ملائمًا" للعمل، وفق تعبير الجندي: البيت يشتعل.

اقرأ ايضًا: مد وجزر

على إيقاع الموسيقى المعدنية، وضربات الطبول الفولاذية الصدى، وأصوات الأوتار الأدنى إلى السنانير، راح الجنود الأميركيون يقتلون العراقيين، "تنفيذًا" لأمر بإطلاق النار على كلّ شيء يتحرّك.

في واحدة من لحظات الفيلم، تقترب الكاميرا من وجه الجندي الذي يجمع الشرّ إلى البلاهة إلى بلادة الإحساس، وهو يغني كلمات الأغنية البذيئة إيّاها: البيت يشتعل. وفي لحظة أخرى، يقول جندي آخر بعدما "انتبه" إلى أن العراقيين بشرٌ يقتلهم عن سابق إصرار وترصد: "الأمر حقيقي، وهو أكثر من مجرد لعبة فيديو".

لا يرنّ تعبير "لعبة فيديو" رنينًا شاذًا في مقام الحرب، وتبدو تلك الألعاب قريبةً جدًا من أجواء القتل والغزو والإرهاب، وهي مصممة كي يتحوّل لاعبوها إلى مدمنين حقيقيين. ولا يحتاج المرء إلى نباهة، ليرى رأي العين "العلامات" والإشارات" المتواترة فيها، التي من شأنها تأدية رسائل وشيفرات خاصّة إلى "ذهن" اللاعب مستلب الذهن.

اقرأ أيضًا: تدجين ذاتي

جلّ تلك الألعاب تدور في فلك وحيد يقول بمجانية القتل. ولو سألت طفلًا مدمنًا: من يقتل بطل اللعبة ولماذا؟ لأجاب ببساطة: لأن هذه هي اللعبة.
من الحرب إلى الأغنية إلى ألعاب الفيديو، وصولًا إلى الـ PlayStation 4. إذ وفقًا للموقع الأميركي فوربس، فقد صرّح وزير الداخلية البلجيكي، أن الإرهابيين الذين قاموا بهجمات باريس في الثالث عشر من نوفمبر / تشرين الثاني، ربّما استعملوا منصة الـ PlayStation 4، من أجل التواصل فيما بينهم والتخطيط للإرهاب، فمواقع التواصل الاجتماعي تحت سيطرة المراقبة كلية الوجود كما هو معروف.

سارعت الصحافة الفرنسية لنفي الأمر، إذ إن تصريح الوزير البلجيكي أظهر "عجز" الاستخبارات عن التجسس على ثغرات ألعاب الفيديو، زد على هذا أن للمرء حرية تخيّل الضغط الذي قد تكون شركة سوني مارسته، وتهديدها مثلًا باللجوء إلى القضاء لحماية "سمعتها"، التي كانت قد تلطخت سابقًا حين تعرّضت الـ PlayStation، لـ "تهكير" عام 2011، كشف البيانات الشخصية لأزيد من سبعة وسبعين مليون مستخدم.

وبقطع النظر عمّا لو كان الوزير البلجيكي محقًا في "حدسه" أو تكهناته الأدنى إلى التخفّف من المسؤولية والغبطة بالعجز والتذرّع بالضعف، أو كانت الصحافة الفرنسية محقّة في تفنيد ذلك التصريح السريالي لأمر يخصّها، إلا أن فكرة استلاب الذهن من طريق ألعاب الفيديو، وزرع إدمان القتل واستسهاله، أمران ينسجمان في مفهومهما العام مع ما يدور في ذهن من "يصنّع" الإرهابيين، والدواعش منهم على وجه الخصوص.

اقرأ أيضًا: المعهد الفرنسي بدمشق

ولا يقتصر الأمر "على وجه الخصوص"، بل لعلّه يمتدّ صوب "وجه العموم"، فالسيطرة على الرأي العام بل وخلقه من طريق الإعلام، وغسيل الدماغ واستلاب الذهن، أمور تستعمل في توجيه الطاقات "الشبابية" صوب الشرّ المطلق، والقتل من دون أي شعور بالذنب. توجيه الطاقات من أجل الاستثمار في الإرهاب.

وقد طبعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول عام 2001 عصرنا، وتغيّر وجه العالم، وبات لفظ الإرهاب متداولًا بوفرة، وممتلئًا دلاليًا أيضًا. ودُشّنت باسمه حروب تحت عنوان "الحرب على الإرهاب". وطاف وقتها سؤال شهير: لماذا يكرهوننا؟ وحمل في صيغته الاستنكارية فصلًا بين عالمين: نحن وهم. ولا يبدو اليوم بعد أزيد من عقد على أحداث سبتمبر / أيلول تلك، أن الأمور تغيّرت، بل لعلّها غدت أكثر سوءًا، فالاستثمار في الإرهاب مجدٍ على ما يبدو، لذا صار سؤال: لماذا يكرهوننا؟ حمّال أوجه، متداولًا بوفرة وممتلئًا دلاليًا.

المساهمون