من كازابلانكا إلى لايبزيتش

من كازابلانكا إلى لايبزيتش

10 ابريل 2016
جانب من فعاليات معرض لايبزيتش 2016 (Getty)
+ الخط -
في لايبزيتش الألمانية، وأنا أتجول بين قاعات وأروقة معرضها الضخم، معرض الكتاب الأهم في ألمانيا، تذكرت الدار البيضاء، ووجدتُني أقارن بين المعرضين. تجدر الإشارة أولًا إلى أن عددا من الألمان يعتبرون لايبزيتش أهم حتى من معرض فرانكفورت. قيمة فرانكفورت التجارية محفوظة كأهم ملتقى لمهنيي قطاع النشر في العالم، لكن معرض لايبزيتش يتميز في المقابل بحرارة جماهيرية استثنائية، وكذا بأهمية فعالياته التي تفيض عنها أروقة المعرض وزمنه، لتجتاح ليل المدينة التي تسهر مع الكتاب والأدباء، في محاولة لتحويل لايبزيتش كلها، أيامَ المعرض، إلى مدينة أدبية تحتفي بالكتاب وأهله، حتى في المطاعم والحانات وفضاءات السهر.

ندوات المعرض غزيرة متنوعة. بعضها تسهر على نقله قنوات تلفزيونية وإذاعية فتعَدُّ العدة اللوجستية لذلك، وترتَّب الفضاءات لهذا الغرض. بل هناك مسرح مفتوح وسط المعرض يقدم عروضا مسرحية وفنية بخلفية أدبية في العشيات. ولأن الترام الذي يصل فضاء المعارض بوسط المدينة يصير شبه مجاني أيام المعرض فإن التوافد عليه يصير كثيفا. فقاعات المعرض وأبهاؤه وكذا الباحات الخارجية مليئة عن آخرها بالزوار، رغم سعر التذكرة التي تبلغ 15 يورو.

في المغرب، لا يتجاوز سعر تذكرة ولوج معرض الدار البيضاء 10 دراهم للعموم (أقل من يورو) وخمسة فقط للتلاميذ والطلبة، لكنك ستجد في أوساط الكتاب والصحافيين ألف من يحتجُّ على إدارة المعرض التي تخِلُّ بشرطي الديمقراطية والجماهيرية، وتفرض على أبناء الشعب المغربي رسومًا لولوج المعرض. مرارًا أضحك في سري وأنا أرى بعض الأصدقاء ممن اكتسبوا عادة التردد على المعرض متأخِّرين يحتجُّون بشراسة على هذا الوضع "غير المقبول".

أضحك في سري؛ لأنني كنت أتردد على معرض الدار البيضاء بانتظام وأنا طالب أيام المجانية. كان عليك أن تبذل مجهودا خرافيا لتعثر على موطئ قدم وسط أطفال الأحياء الشعبية المجاورة الذين يتراكضون وسط أروقته، وكذا وسط جحافل النساء والفتيات اللواتي يقصدنه لتزجية الوقت، وبعض الشباب من هواة الازدحامات العابرة الذين يحجُّون إليه فقط للاستفادة مما تتيحه زحمة المعرض من فرص الاحتكاك بالزائرات والالتصاق بهنّ. وأتأسف لأن أصدقائي الديمقراطيين جدًا لم يكونوا من رواد المعرض تلك الأيام، حين كان جماهيريًا إلى حد أن الكتاب والأدباء والقراء المثابرين صاروا يسترقون إليه الغارات "يخطفون" خلالها بصعوبة بعض العناوين التي تهمهم وينسحبون سريعًا لشرب قهوة في مقاهي الجوار. فالحركة داخل المعرض كثيرا ما كانت تتعرض لاختناقات مرورية حادة.

ويبقى شرط المجانية متوفرًا مع ذلك في لايبزيتش. فالدخول المجاني ممكن، لكن فقط للشخصيات الخارجة من الروايات والأساطير وقصص الأطفال. ولأن التحدي راق شباب المدينة، صاروا يحجُّون إلى المعرض زرافاتٍ وهم يرفلون في أزياء عجيبة تجعل من يزور معرض لايبزيتش لأول مرة يصاب بالذهول: الدونكيخوتي وتابعه سانشو يتجاذبان أطراف الحديث مع شهرزاد وشهريار أمام رواق للكتب العتيقة. حيوانات مزرعة جورج أورويل كلهم كانوا هناك. رأيتهم بأم عيني يكرعون البيرة وهم يتابعون ندوة يصورها التلفزيون من قلب المعرض حول الإسلام والغرب. ولأن اليابان كانت ضيف شرف لايبزيتش هذه الدورة فقد صادفتُ كل تلك المخلوقات اليابانية العجيبة التي انتقلت من قصص الأطفال المصورة إلى شاشات التلفزيون تتجول في الرواق الياباني الضخم. قلت، هي فكرة مذهلة. سأحاول اقتراحها على أصدقائي في معرض الدار البيضاء. لكن، حتى لو تحمس مسؤولو المعرض لمثل هذه الفكرة المجنونة، فهل سيقبل المجتمع: مجتمعنا المحافظ المتجهم الرافض للمرح البريء المتبرّم من الفرح والجنون؟

(كاتب وشاعر مغربي)

المساهمون