محبوبات عبد الناصر الطلياني

محبوبات عبد الناصر الطلياني

13 مايو 2015
+ الخط -

كان أول ما قاله بعد أن اعتلى المنصة: "أهدي هذا الفوز إلى نساء تونس". في زحمة المباغتة والإعلان عن النتيجة، تعجّب كثيرون ممّن قرأوا روايته الجميلة، "الطلياني"، من إهدائها إلى النساء التونسيات والعربيات، إذ لا يقفز لذهن القارئ بأنها رواية نسوية. على العكس، البطل المباشر والظاهر لـ"الطلياني"، عبد الناصر، هو الذي تسبب في فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام، ورشح للفوز مؤلفها الأستاذ الجامعي والناقد شكري المبخوت.

في أحاديثه للصحافة ولدى تبريره ذلك الإهداء، دفع المبخوت كثيرين ممّن قرأوا الرواية إلى إعادة موضعة نسائها من جديد في سياقات تلك السردية الملحمية لشطر عريض من تاريخ تونس في حقبة ما بعد الاستقلال. عبد الناصر، بطل الرواية وضحيتها، هو نتاج نسائها: حبيبته زينة ورفيقته في النضال الماركسي توجّه تكوّنه الفكري، جنينة، زوجة الشيخ المخاتل والنفعي، توجّه تكوّنه الجسدي والجنسي، أمه وأخواته، وعشيقته نجلاء، وحتى عشيقته السويسرية العابرة شقيقة زوجة أخيه، كل منهن تصوغ جزءاً منه.

يصير عبد الناصر كأنما هو جانب من هذا المجتمع الذي هو في نهاية الأمر صنيعة امرأة مجتمعات العرب حيث كانت. لربما كان هذا هو السبب الذي قرّب شخصية عبد الناصر، بالغ الوسامة إلى درجة تشبيهه بالطليان والأوروبيين ونعته في الحارة والمدرسة بلقب "الطلياني"، إلى قراء وقارئات الرواية. يرون فيه وفي تناقضاته وحيرته ونجاحاته وإخفاقاته ونبله وسفالاته وتضحيته وخياناته شظايا حياتهم المبعثرة.

في محيط عبد الناصر تتحرك تونس ومجتمعها وأفكارها وسياستها ودولتها وجامعها. هذه حقبة بن علي وهي ترث البورقيبية وترفع كل مزاعم التحرر من وطأة القائد الأب، ثم تنهار أو تكاد على عتبات الربيع العربي. تحمل شعارات تحرر المرأة وتحريرها... وتسجنها في تلك الشعارات، تحمل شعارات خصوصية التجربة الديمقراطية التونسية وتواصل نحرها على مذبح الاستبداد والسلطوية.

إبداع شكري المبخوت في هذه السردية الممتعة تكمن بالضبط هنا، في تخليق شخصيات حية، تنبض بالدم والحياة، نرى أنفسنا فيها. لهذا، جاءت صبايا تونسيات كثر يسألن المؤلف أين هو عبد الناصر وما إذا إن كان شخصية حقيقية. يردن التعرف عليه، احتضانه، وتقبيله. قال لشابة يافعة: لكن عبد الناصر، وهو من صنع خيالي، سيكون بعمر والدك لو وجد الآن. أجابته: لا يهم، فلقد عشقته.

المساهمون