الديكتاتورية وكأس العالم (10): تشيلي تلاعب نفسها وتتأهل

الديكتاتورية وكأس العالم (10): تشيلي تلاعب نفسها وتتأهل

11 يونيو 2014
أحد مشاهد القمع الديكتاتوري في تشيلي خلال العام 1973(Getty)
+ الخط -

تلعب مباراة في تصفيات كأس العالم بمنتخب واحد إذ لا يوجد منافس. هجوم بلا دفاع، هدف في مرمى يخلو من حارسه، جمهور لا يشجع، فوز بلا طعم، تأهل للمونديال دون احتفال.. هكذا كان حال المباراة "الوهمية" بين تشيلي والاتحاد السوفياتي.


ويعتبر يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1973 دون شك أحد أسوأ الايام في تاريخ كرة القدم، مباراة لعبت ولم تلعب بين تشيلي وأشباح السوفيات في مدينة سانتياجو بالملحق المؤهل لمونديال ألمانيا 1974 بين ممثلي قارتي أميركا الجنوبية وأوروبا، حيثُ أحاطت بالمباراة أجواء سياسية قمعية، وفاحت بمدرجات الملعب رائحة الدماء، والغريب أن "الفيفا" سمح بتلك المهزلة ومنحها الضوء الأخضر.


وكانت مباراة إياب الملحق في العاصمة التشيلية سانتياجو، وأعلن المنتخب السوفياتي رفضه السفر الى هناك لأسباب سياسية وأمنية، حيث جاء موعدها بعد أشهر قليلة من الانقلاب العسكري الذي شهده البلد اللاتيني بقيادة الجنرال بينوشيه، والذي كان يستخدم ملعب سانتياجو كمركز لتعذيب وسجن وقتل المعارضين لنظامه.


ورغم تلك الأجواء المتوترة، أصر "الفيفا" على إقامة المباراة في موعدها، حتى في غياب السوفيات، حيث أمر منتخب تشيلي بالنزول الى أرض الملعب وتسجيل هدف شرفي ليحصلوا على بطاقة التأهل لكأس العالم، ويقول مهاجم تشيلي في تلك المباراة كارلوس كازيلي "كانت تلك أقبح تجربة كروية عشتها في حياتي، كانت مسرحية هزلية".


في 11 سبتمبر/أيلول 1973، أسقطت القوات المسلحة في تشيلي الحكومة الاشتراكية، واغتيل أو انتحر الرئيس سلفادور ألليندي في قصر لامونيدا مقر الحكم، وانتزع بينوشيه السلطة، وبعد أسبوع واحد من الانقلاب، كان منتخب تشيلي مجبرا على خوض مباراتي الملحق، الأولى في الذهاب بموسكو، وهناك منع دخول الكاميرات أو الصحافيين.


ويروي لاعب تشيلي ليوناردو فيليز لحظات الوصول للأراضي السوفياتية "كان الاستقبال باردا، لا مكان للبروتوكول أو الدبلوماسية"، ويتحدث كازيلي لاعب إسبانيول السابق عن أصعب مواقف الرحلة، "بخلاف اللعب في درجة حرارة أربعة تحت الصفر، تم احتجازي وزميلي إلياس فيجيروا في المطار، لم يسمحوا لنا بالدخول لأن هيئتنا لم تكن شبيهة بالصور في جواز السفر، إلياس شعره كان قصيرا في الصورة، لكنه وصل موسكو بشعر طويل، أنا أيضاً كان لدي شارب في الصورة، لكنني حلقته قبل السفر".


انتهت المباراة الأولى بالتعادل السلبي، فيما اعتبرت نتيجة إيجابية للّاتينيين، وتفاءلوا بالحسم في عقر دارهم امام أحد عمالقة القارة العجوز آنذاك، أصدر "الكرملين" قراره بعدم سفر المنتخب السوفياتي الى بلد يعيش أوضاعاً غير مستقرة أمنياً، وتحول الى سجن كبير وساحة للتعذيب والقمع.


كان ملعب "سانتياجو الوطني" قد استقبل أكثر من 40 الف سجين في تلك الفترة، تعرضوا لشتى أنواع التعذيب في كل أركانه. وقبل يومين من المباراة أبلغ رئيس الاتحاد التشيلي فرانسيسكو فلوكسا اللاعبين بامتناع منافسيهم عن الحضور، وبتأهلهم فعليا الى المونديال، وبإصرار "الفيفا" على إقامة مباراة العودة في أي ظروف كانت، بدلا من اعتبار صاحب الضيافة فائزاً بنتيجة محددة.


ويسرد سازيلي "ما حدث كان منافياً للمنطق والعقل ولقيم الرياضة، لم أفهم لماذا لم تحتسب لنا نتيجة الفوز دون لعب"، بينما يعبر فيليز عن أسفه "شعرنا بحزن شديد لأننا نلعب الكرة على جثث الضحايا، كتمنا أحزاننا فلم نملك خيارا آخر، ودافعنا عن بلدنا".


والاجواء في المدرجات لم تكن أفضل حالا، فالملعب الذي تضم سعته 80 الف مشجع استقبل بالكاد 15 الفاً، كان أغلبهم ممن قطع تذكرة على أمل معرفة مكان أحد أقربائه المفقودين من ضحايا الديكتاتورية، لكن الجنود وأفراد الأمن انتشروا في كل مكان.


نزل اللاعبون الـ11 الى أرض الملعب، هم فقط على العشب الأخضر لا يواجههم أحد، بعد صافرة البداية تناقلوا الكرة في ما بينهم، ثم سدد القائد فرانسيسكو تشاماكو في المرمى الخالي محرزاً الهدف المنشود، وانتهت المسرحية وأعلن تأهل تشيلي لمونديال ألمانيا رسمياً.


ويستعيد فيليز ذكريات تلك اللحظة "لم نحتفل بالهدف، تركنا الملعب ثم عدنا مرة أخرى، كان قد تم الاتفاق مع فريق سانتوس البرازيلي على خوض لقاء ودي في الموعد نفسه، كان بمثابة عرض للجماهير التي دفعت أموالاً من أجل تذاكر المباراة الوهمية"، ويضيف "لم يكن لدى أحد منا رغبة أو دافع في اللعب امام البرازيليين، خسرنا بخمسة أهداف نظيفة".


كان المجلس العسكري التشيلي متمسكاً بلعب مباراة الملحق في الاستاد الوطني، كي يبعث رسالة طمأنة للمجتمع الدولي، وساعده في ذلك الفيفا، ويؤكد فيليز "لاعبو الكرة لا يملكون وعياً سياسياً، لم نكن ندرك الكم الهائل من القتلى والضحايا للديكتاتورية على مدار 17 عاماً، لم يتخيل أحد ذلك، فقط كنا نريد الذهاب الى المونديال، لكن بمرور الوقت أدركنا مدى فداحة الكارثة، وتمنينا لو أننا لم نلعب تلك المباراة".


ذهبت تشيلي الى المونديال لكنها لم تحقق نتائج جيدة وخرجت من الدور الأول، وبقيت تلك المباراة وصمة عار وبقعة سوداء في تاريخ الكرة.

المساهمون