ثقافة الصورة وتأثيرها على المشاهد في عالم كرة القدم

الصورة وتأثيرها على المشاهد في عالم كرة القدم

22 مايو 2017
فان بيرسي يوم سجل الهدف في إسبانيا (Getty)
+ الخط -
في عام 1972، عرضت أربع حلقات لمدة نصف ساعة على هيئة الإذاعة البريطانية لجون بيرغر، الناقد الفني والكاتب المسرحي الحائز جائزة بوكر، غيّرت الكثير عن كيف نرى العالم من حولنا في ما يخص الثقافة البصرية، والتي أخذت آنذاك من كتابه "طرق الرؤية". بطبيعة الحال نحن هنا لسنا لنتحدث عن الفن أو لنحلل أعماله، إنما سيكون محور الكلام عن كرة القدم، أو كيف نرى الأمور حين نشاهد هذه اللعبة.

فان بيرسي في الهواء
يوم 13 يونيو/ حزيران 2014، هزمت هولندا منتخب إسبانيا بنتيجة 5-1 في مباريات كأس العالم التي جرت في البرازيل. كانت الصورة التي سيطرت على مواقع التواصل ووسائل الإعلام وقنوات التلفزيون والصحف في الأيام، التي تلت ذلك، للهولندي روبن فان بيرسي، والذي كان طائراً في الهواء يوم سدد الكرة برأسه في شباك الحارس الإسباني، إيكر كاسياس، ليحرز أحد أجمل أهداف تلك النسخة.

بالنسبة للأشخاص الذين لم يشاهدوا المباراة أو مقتطفات منها، فإن اللقاء بأكمله تمركز حول تلك الصورة فقط، ولن يعرفوا أبداً من سجل الهدف الافتتاحي والذي جاء عن طريق شابي ألونسو من علامة الجزاء، كما أنهم لن يعرفوا شيئاً عن الأهداف الهولندية الأربعة الأخرى. ونظرا للأهمية التي أعطيت لتلك الصورة، ربما يفترض هؤلاء أن هدف فان بيرسي كان هو مصدر الفوز، لكن في الواقع عادل الكفة من خلاله، أما عن الهدف نفسه فهؤلاء لن يعلموا من ساهم في صناعة هذه اللوحة الكروية، إذ جاءت التمريرة الرائعة عن طريق دالي بليند.

يعتقد البعض أنه لا يمكن فهم مضمون الصورة إلا من قبل الشخص، الذي شاهد المباراة، ومع ذلك، إلى أي مدى يمكن تأكيد هذه النظرية؟ الصورة التي نراها على شاشات التلفزيون أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من الوسائل الحديثة من قبل الكاميرا المثبتة في مكان والتي تتحرك في الوقت عينه، تغيّر الكثير في كيفية نظرتنا للعبة وللتركيز على الصورة، وبالتالي العين دائماً تتابع الكرة. عندما كانت الكرة مع بليند كان تركيز الجميع ينصب عليه فقط، ولم نتابع اللحظة التي انطلق فيها فان بيرسي نحو منطقة الجزاء، أو حتى لم نلاحظ كيف أبعد آريين روبن المدافع الإسباني جيرارد بيكيه عن مسار فان بيرسي.

وهنا نصل إلى استنتاج مهم، فالشخص الذي كان يعلم أن إسبانيا هزمت هولندا في نهائي كأس العالم 2010، أو يعرف أن فان بيرسي وبليند ومدرب منتخب الطواحين حينها لويس فان غال سيعودون ويلتقون من جديد في مانشستر يونايتد بعد انتهاء المسابقة، أي وبشكل مختصر أن محبي الرياضة من شأنهم أن يفهموا أهمية الهدف والاحتفال الذي تلا ذلك "فان بيرسي يرفع يده عالياً ليضرب كفه بكف فان غال"، وهي صورة أخرى انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل، أكثر من أولئك الذين شاهدوا الصورة بشكل عفوي.

فان غال وفان بيرسي (Getty)


الصورة هي نتيجة قرار المصور بأن لحظة معينة تستحق التسجيل، وبالعودة إلى بيرغر وخلال مقالته "فهم الصورة"، يشرح أن جوهر الصورة هو الرسالة البسيطة: "لقد قررت أن رؤية هذا الأمر يستحق التسجيل"، ووفقاً لبيرغر فإنه حين يتم تسجيل المشهد، دائماً تؤخذ لحظة من السلسلة المتصلة أي المقطع المصور، ولذلك فإن كل ما هو مفقود في صورة النجم الهولندي الطائر هو كل الأحداث التي أدت إلى تلك اللقطة، وبالتالي فإن الذي سيفهم الصورة هو من تابع المباراة بشكل دقيق وعرف ما حصل سابقاً.


دير مير والتصوير من المنتصف
خلال أي مباراة في عالم كرة مفهوم المساحة والزمان أمران مهمان، وكيف يتفاعل كل لاعب مع هذين العنصرين يحدد ماهية قدراته، وفي كتاب "Brilliant Orange" والذي يتحدث عن تطور كرة القدم الهولندية منذ عام 1960 ونشر عام 2000 من قبل الكاتب ديفيد وينر، يصف الأخير صورة التقطت في ملعب "دير مير" عام 1995، في السنة التي كان فيها فريق أياكس بقيادة لويس فان غال الأفضل في أوروبا: "التقدم إلى الأمام، أياكس ومهاجم الظل"، حينها كان غاري ليتمانن يمتلك الكرة بين قدميه بالقرب من دائرة المنتصف، على بعد عشرة أمتار منه تواجد المهاجم باتريك كلويفرت، الذي كان محاطاً بالمدافعين، ولكنه كان يبدو مستعداً للتحرك، إضافة للجناح الأيسر مارك أوفرمارس والجناح الأيمن فينيدي جورج، واللذين يركضان في مساحة خالية، وخلف ليتمانن يأتي كل من إدغار ديفيدز على اليسار وأرنولد شولتن على اليمين ونستون بوغارد في المنتصف.

التقطت تلك الصورة من قبل "هانز فان دير مير" وهو الذي أطلق عليها اسم "لحظة التوتر"، ويقول في هذا الصدد: "هناك لحظة أو لحظتان حين تتطور إحدى الحالات، وحينها تفهم أن أمراً سيحصل، هذه لحظة التوتر، ومن الممكن أن يشارك كل الحاضرين في هذه الحالة، الأمر الرائع في الذهاب إلى مباريات كرة القدم هو أن الجميع يشعرون بذات الأمر معاً، إنها مثل الشطرنج، فحين تقوم إحدى الصحف بنقل مجريات المواجهة لا يسعون لجعلك ترى الخطوة الأخيرة لجعل الأمر أكثر دراماتيكية، وهذا هو الأمر عينه في خط المنتصف، الذي تكون فيه الأحداث محط الأنظار، فلحظة الهدف ليست مثيرة للاهتمام بشكل خاص، فما يحدث قبله هو الأكثر أهمية.

فان دير مير لا يميل إلى التقاط الصور في المباريات من على الجانب أو من وراء الهدف، بل هو يعمل دائماً على التقاطها من المدرجات العالية، وفي أكثر الأوقات يفضل أن يكون قريباً من خط الوسط، ومن خلال صورته يمكننا رؤية فلسفة "الكرة الشاملة" في ذروتها. وفي الوقت عينه ولكي نفهم كيفية تنظيم المنتخب الإيطالي الذي كان يدربه المدرب أنطونيو كونتي في يورو 2016، ومدى الانضباط التكتيكي فعلينا أن نشاهد هذا المقطع القصير الذي تم تصويره من الأعلى عبر كاميرا ثابتة تكشف كل الزوايا، ولا تشمل إبراز لاعب معين إنما المنتصف الإيطالي بأكمله.





المساهمون