يبدو أن المؤتمرات الصحافية لمدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي، لم تعد مجرد خرجات إعلامية كلاسيكية لأي مدرب قبل أي مواجهة، بل الأمر تطور إلى أكثر من ذلك، حيث باتت تكتسي أهمية كبيرة لدى الشارع الرياضي الجزائري، وذلك لما تحمله من تصريحات قوية وكلام واضح ومباشر، يصل بعض الأحيان إلى مهاجمة بعض الأطراف التي تشوش على عمل المدرب.
المؤتمر الصحافي الذي أجراه بلماضي خلال معسكر النمسا ويسبق وديتي نيجيريا والمكسيك، كان الأهم في مشوار المدرب، حيث إن هذا الأخير غاب عن الظهور الإعلامي لأكثر من سنة بسبب توقف المباريات بعد جائحة كورونا كوفيد19، وأيضا لأنها تلت التحاق لاعب ليون حسام عوار بالمنتخب الفرنسي منهيا بذلك مسلسلاً طالما حاول بلماضي تفاديه.
ولأن الأمور حسمت، فإن جمال أطلق العنان لنفسه، وتحدث بكل صراحة عن القضية، حيث أماط اللثام عن الكثير من الحيثيات، وأزال الغموض بالإجابة على كل الأسئلة بعد أن كان يكتفي بتلميحات غير مباشرة في وقت مضى، وذلك حفاظا على سرية العمل.
دروس بلماضي في المؤتمرات الصحافية، تبدأ من السرية في العمل، فمن يعرف جمال حق المعرفة يدرك تمام الإدراك، أنه مدرب لا يقبل أن تتسرب أي معلومة مهما كان يراها البعض هامشية، ولا يحب أن يخطف الأضواء من خلال الترويج لعمله، بل يكتفي بالعمل ويترك النجاح فقط ليتكلم عنه، فرغم أنه اتصل باللاعبين مزدوجي الجنسية الممارسين في البطولة الفرنسية، إلا أنه لم يصرح يوما بذلك، حيث علل الأمر بأنه حماية للاعبين إن قرروا يوما تغيير رأيهم واللعب للجزائر، فلا يجدون أنفسهم في حرج، كما أنه لا يحب كشف أوراقه بتاتا فتصبح مادة إعلامية يمكن أن يستعملها المنافسون لضرب الفريق ولو معنويا.
معالجة بلماضي لملف حساس كتغيير الجنسية الرياضية درس مهم جدا، فلا هو ترك اللاعبين يحسون بأنهم غير مرحب بهم في المنتخب الجزائري، وأن عليهم السعي في سبيل اللعب للخضر كما سُوق لكلامه من قبل، ولا هو تودد لهم وحاول استمالتهم بأي طريقة، لأنه يدري جيدا أن المجموعة أهم من اللاعبين، ومهما كان وزن أي لاعب لا يمكنه صنع الفارق إذا أحس بأنه أكبر من المجموعة، ولا هذه الأخيرة ستقبل بهذا اللاعب وسيدخل الجميع في دوامة التكتلات، وهو المشكل الذي طالما تكرر في المنتخب الجزائري في السنوات الأخيرة.
الحقيقة أن بلماضي تمكن في ظرف وجيز من وضع الأمور في نصابها، ونجح في فرض فلسفته بل تجاوز الأمر إلى رسم خارطة طريق كروية، يمكن لأي مدرب يأتي بعده مستقبلا أن لا يتيه إذا تقفى أثره، فجمال تمكن من بث روح جديدة في سليماني المنتهي مع فنربخشه وفتح له أبواب موناكو الموسم السابق، وأعاد بلعمري إلى المنتخب بعد سنوات من التهميش واليوم هو لاعب بنادي ليون، ونفس الأمر لبلايلي وبن زية وأسماء أخرى ستعيش ممتنة لجمال وشخصيته، أنه فرض منطقه وعدّل موازين القوى.
في الأخير، مهما سنقول نحن كإعلاميين آمنا ببلماضي كمدرب، ومهما سيقول اللاعبون عن الروح التي أعادها فيهم، ومهما سيقول الجمهور الذي بلغ عنان السماء بعد التتويج وبات يحلم بمونديال تاريخي، يبقى في الحقيقة الصمت في حرم الجمال جمالاً وأثبت المدرب أنه الأستاذ جمال والخطيب بلماضي.