"السوبر ليغ" الأوروبي يولد ميتاً

"السوبر ليغ" الأوروبي يولد ميتاً

24 ابريل 2021
الجماهير احتجت على "السوبر ليغ" في جميع الدول (Getty)
+ الخط -

لا تزال أزمة "السوبر ليغ" الأوروبي تشغل الرأي العام الأوروبي والعالمي، رغم إلغائها أو تجميدها، أو حتى تأجيلها، حسب آخر تصريحات لرئيسها، فلورنتينو بيريز، الذي لم يتجرع الخيبة ولم يعترف بالفشل حتى الآن، في وقت تراجعت فيه كل الأندية الأوروبية الأخرى.

 وتكاد الفكرة التي كان يشترك فيها 12 فريقاً تتحول إلى مجرد مشروع كلاسيكو جديد سيجمع بين برشلونة وريال مدريد أمام أنظار يوفنتوس بعد انسحاب الأندية الإنكليزية والإيطالية والإسبانية، و فشل ما سُمي الانقلاب على المنظومة الكروية الأوروبية من قبل كبار القوم، إثر حملة مضادة قادها رئيس الاتحاد الأوروبي بمساعدة الاتحادات المحلية و"فيفا" والحكومات، وحتى وسائل الإعلام وروابط الأنصار الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للمشروع، وطالبوا من مسيريهم تقديم الاعتذار أو الرحيل بعد محاولتهم اختطاف الكرة وخلق هيئة موازية ومسابقة خاصة بها.

المشروع الذي وُلد ميتاً لم يصمد أكثر من يومين، لكن تداعياته تبقى تلقي بظلالها على الفاعلين بين مستفيد وخاسر من حرب خاطفة، حيث خرج رئيس الاتحاد الأوروبي من المعركة قوياً يتصدر المشهد لكونه المنقذ، وخرج رئيس فريق باريس سان جيرمان رئيساً لجمعية الأندية الأوروبية خلفاً لأندريا أنييلي المستقيل بسبب خوضه معركة خاسرة، إضافةً إلى رحيل  نائب رئيس مانشستر يونايتد الذي لم يتردد في الاعتراف بالفشل وتقديم اعتذاراته للجماهير مثلما فعل فريق أرسنال. ليبقى الخاسر الكبير، رئيس ريال مدريد، ورئيس المشروع فلورنتينو بيريز، الذي كان إلى وقت قريب يعتقد أنه أقوى من كل هيئة كروية في إسبانيا وأوروبا والعالم، ولم يعمل حساباً للهيئات الكروية، ولا لوسائل الإعلام وكل جماهير الكرة التي وقفت ضده في تحديه وتمرده على منظومة كروية معقدة يصعب تغييرها في الوقت الراهن، حتى ولو كانت مليئة بالنقائص والتناقضات، ولا تأخذ بالاعتبار كل المصالح والتوازنات والتحولات التي تقتضي إعادة تشكيلها.

الأزمة أعادت الاعتبار لأحد العوامل المهمة في اللعبة، وهو الجماهير التي صنعت الفارق بدورها ودفعت الأندية الإنكليزية إلى الانسحاب من المشروع على غرار ما فعله جمهور تشلسي في محيط ملعب "ستامفورد بريدج" عندما رفع شعارات وهتافات منددة.

وكذلك جمهور فريق ليفربول الذي هاجم إدارة "الريدز" ووصف ما فعلته "بالعار"، وهو الاتجاه نفسه الذي سلكته جماهير أرسنال وعشاق الكرة في وسائط التواصل الاجتماعي، التي لم تتردد في الكشف عن نيات الكبار واحتقارهم لباقي الأندية الأوروبية بقرارهم إنشاء بطولة للأثرياء يمنع فيها الضعفاء من المشاركة أو الاحتكاك بالأندية الكبيرة التي لم تعد تقبل الخسارة في نظرهم، لذلك راحت تؤسس لبطولة جديدة خاصة بها، يمنع فيها الصغار من مقارعة الكبار مثلما هو الحال حالياً في دوري الأبطال، ويزداد على أثرها الأغنياء غنى والفقراء فقراً.

كذلك كشفت وسائل الإعلام الأوروبية بدورها عن نيات المشروع وخباياه وتداعياته، وساهمت كثيراً في إسقاطه من خلال عناوينها ومقالاتها وتقاريرها التي وصفت ما حدث بأنه زلزال وانفجار ومسخرة وإعلان حرب على الكرة وجماهير الأندية الأوروبية، إلى أن انتهت بوصفه بالمشروع الذي وُلد ميتاً عندما انهار مثل قصر من ورق، حسب تعبير جريدة ليكيب الفرنسية، التي أشارت إلى أن الكبار أساؤوا تقدير رد فعل الصغار، واستهانوا بقدرة الإعلام الحر المستقل على التأثير في الأحداث وصناعة الرأي.

وعليه، فشلوا في تجسيد مشروعهم وإقناع محيطهم، رغم نجاحهم المبدئي في تحريك الأمور على مستوى الهيئات الكروية التي استعادت هيبتها، لكن أيقنت في الوقت نفسه ضرورة إعادة النظر في مسابقاتها وفي العوائد والمستحقات والجوائز المالية للأندية والاتحادات، تجنباً لمحاولات انقلابية أخرى لاحقاً، خاصة أن القائمين على المشروع يقولون إنه جرى تعليقه، لا إلغاؤه، حتى يُبحَث عن صيغة جديدة لإعادة بعثه لاحقاً.

خسر الكبار أمام الصغار والجماهير ووسائل الإعلام والهيئات الكروية، لكن الانتصار ممكن أن يكون مؤقتاً وجزئياً فقط، ما دام فلورنتينو بيريز متمسكاً بمشروع لم يُعلِن إلغاءه، وما دام رئيس "فيفا"، جياني إنفانتينو، يلعب على الحبلين، إدراكاً منه أن الفوز بعهدة ثانية يمرّ حتماً عبر زعزعة استقرار الهيئة الكروية الأوروبية التي تعارضه، وتشك في تواطؤ الرجل مع الأندية الأوروبية التي لن تسكت بدورها ولن تتجرع مرارة الخسارة التي تكبدتها، لذلك ستسعى إلى إعادة تشكيل تحالف جديد لإطاحة مَن أطاح مشروعهم، وحطم جبروتهم وحلمهم في تجاوز أزمتهم المالية الخانقة.

الآن هدأت المعركة، لكن الحرب ستشتعل مجدداً، والرابح فيها سيخرج خاسراً لا محالة، والخاسر لن يتحلى بالروح الرياضية ويسكت، لأن القضية تتعلق بموازين قوة لن تستقر على حال حتى تسقط المزيد من الرؤوس.

 

المساهمون