أشكال نضالية... قديمة جديدة

أشكال نضالية... قديمة جديدة

23 مارس 2019
أعادت المسيرات قرار المواجهة للشعب لا الفصائل(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تقدمت مسيرات العودة على المشهد السياسي الفلسطيني لتكمل عامها الأول وتدحض كل الروايات، مستحدثة كل الأدوات الممكنة والمتاحة لتواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهزمته في الجولة الأولى وأربكته وعطلت كل قدراته وإمكانياته وأخرجت طائراته ودباباته من المواجهة.

وأعادت المشهد ليوميات الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، لتصل حلقات النضال والمقاومة الشعبية بعضها ببعض حتى بدت وكأنها تكمل ما بدأته انتفاضة الحجارة ولكن باستحداث أدوات جديدة تتماشى وتتلاءم مع واقع أنها هذه المرة تنقل المواجهة والاشتباك من أزقة المخيمات والشوارع إلى الحدود الشرقية للقطاع، أي من العمق إلى الأطراف وقد كان نقل المعركة إلى أرض الخصم تكتيكا حصريا تعتمده إسرائيل في حروبها، فإذا بمسيرات العودة تقلب المعادلة وتنقل التكتيك وتجعل المواجهة على حدود قطاع غزة.

بأدوات بسيطة ممكنة ومتاحة ببعض الإطارات شلت مسيرات العودة فعالية ما يسمى بوحدات القناصة في الجيش الإسرائيلي وعطلت عملها، وبطائرات ورقية وبالونات حارقة أخرجت منظومة القبة الصاروخية من الخدمة مبكرا، وبألعاب نارية ومفرقعات أربكت ليل مستوطني المغتصبات الإسرائيلية في محيط غلاف قطاع غزة وبات التحكم في تشغيل صفارات الإنذار تحت سيطرة شباب وحدات الإرباك الليلي.

عندما اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 واجهتها إسرائيل بقوة مفرطة، بذريعة أنها لم تكن انتفاضة شعبية وأن السلطة مسؤولة عنها وأن بعض عناصرها يشاركون فيها فقامت إثر ذلك بقصف مقرات السلطة ووصل الأمر إلى محاصرة الرئيس ياسر عرفات في المقاطعة برام الله حتى استشهاده.

وعندما انسحبت من قطاع غزة عام 2005 كانت تظن أن خروجها قد أخرج غزة من المواجهة، فأعادت مسيرات العودة خلط كل هذه الحسابات عندما تبنت الطابع السلمي والشعبي وتقدم الآلاف صوب الحدود وعلى مدار عام كامل لم تتوقف خلاله عمليات الاستنزاف التي أبدعتها مسيرات العودة. وعطلت بموجبها منظومة الردع العسكري الإسرائيلي وأجبرت إسرائيل على الاستدارة والاستجابة وطلب التهدئة.

استنسخت مسيرات العودة ما شهدته الانتفاضة الأولى منذ ثلاثين عاماً من مشاركات جماهيرية حاشدة وبعدما كانت المواجهة تقتصر على الفصائل أصبحت مواجهة شعبية عامة وبكثافة، وبعدما كانت إسرائيل تدعي أنها تستهدف المقاتلين وجدت نفسها في مواجهة مدنيين، وبدل أن يكون عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين رادعا للمتظاهرين، فقد شكل عاملا دافعا لهم للانتقام، وزيادة أعدادهم للانضمام إلى التظاهر. وبالتالي غيرت مسيرات العودة قواعد الاشتباك من اشتباك مسلح وجهاً لوجه ومن مسافة صفر إلى حرب استنزاف، وسحبت من إسرائيل ذريعة الخروج للحرب، خاصة أن مسيرات العودة لا تشكل مثلا خطرا وجوديا يهدد إسرائيل بقدر ما تطالب بحقوق أقرتها القوانين الدولية، وتتبنى نضالا تقره الشرائع الأممية اعتمادا وبناء على حق مكفول هو حق تقرير المصير.

أثبتت مسيرة العودة أن إبداع أشكال النضال الفلسطيني لن يتوقف وأن الشعب الفلسطيني قادر على استحداث أدوات نضالية جديدة لا في الاشتباك مع الاحتلال فقط ولكن حتى في التوزيع الجغرافي؛ ففي الوقت الذي يمكن لجماهير غزة الانتشار على طول حدود قطاع غزة فإنه من الصعب على إسرائيل حراسة هذه الحدود كلها ليلا ونهارا وإن استطاعت ذلك فإن جماهير الشعب الفلسطيني في غزة ستستحدث مناطق تماس جديدة في الحدود الشمالية وفي أيام مختلفة عن أيام الحدود الشرقية كالذهاب إلى "زيكيم" مثلا أو إلى معبر حاجز بيت حانون، أو جعل مخيمات العودة خمسين مخيما بدلا من خمسة فقط. وبدلا من أن تصبح مسيرات العودة يوما واحدا في الأسبوع أو يومين أو ثلاثة، قد تصبح طوال أيام الأسبوع حتى تصبح مخيمات العودة مزاراً مفتوحاً يقصده الناس لمشاهدة الفلكلور والتراث والدبكة. فتصبح مسيرات العودة متنفسا لغزة وتحديا لإسرائيل. ومن مواجهة صفقة القرن إلى ملحمة القرن.