سوريو الدنمارك.. مصير يتهدده الترحيل إلى بلد مدمر

سوريو الدنمارك.. مصير يتهدده الترحيل إلى بلد مدمر

18 مارس 2019
المستقبل المؤقت يطاول حتى الأطفال (العربي الجديد)
+ الخط -
لا تخفي اللاجئة السورية، هناء شفيق، التي حضرت، بعد أن فقدت زوجها ومعيل أسرتها في إحدى المذابح في سورية، مع 4 من أبنائها (من 9 إلى 17 سنة) كلاجئة إلى الدنمارك في بداية 2016 قلقها من أن تطاولها المزيد من التشديدات الدنماركية، ليس فقط لناحية قيمة "مصروف الدمج" ريثما تحصل على عمل، حيث بالكاد يتبقى 3500 كرونه، نحو 500 يورو، لها وللأبناء ليعيشوا منه شهرا كاملا، بل بسبب تواصل مسيرة تعديلات قوانين الإقامة والعمل الصارمة في كوبنهاغن.

بالكاد تستطيع أسرة هناء أن تفترش غرفة وصالة في شقة متواضعة تكلفها شهريا نحو 6500 كرونه، أو نحو ألف دولار أميركي، ومن بقية مبلغ، الذي تتلقاه كإعانة ريثما تجهز للعمل، لا يكفي سوى لدفع الماء والكهرباء والغذاء. وتذكر هناء لـ"جاليات" بأنها "يصعب أن أدخر حتى لشراء فرشة بسيطة، فكل كرون نصرفه محسوب، اضطرت ابنتي لتوزيع جرائد على البيوت لنحصل على ما يسد رمقنا بعد نفاد المبلغ قبل منتصف الشهر، لكن ذلك راح يؤثر على دراستها فتوقفت".
حال هذه الأسرة لا يختلف عن آلاف آخرين، ممن يجدون أنفسهم تحت سيف التشديدات التي أدخلتها الدنمارك على قوانين الإقامة منذ 4 أعوام ونيف.

التعديل الأكثر تأثيرا في حياة اللاجئين والمقيمين يسمى قانون "منحة الدمج، إذ وبنتيجته تحول حوالي 50 ألف مهاجر ولاجئ، وبينهم آلاف الأطفال، إلى ما يشبه الفقر، وفقا لتصنيف رسمي وتحذير "مجلس اللاجئين" ومنظمات الطفولة.
ليس ذلك فحسب ما يقلق هذه السيدة السورية التي تحاول بناء مستقبل لأبنائها في النظام التعليمي في الدنمارك، بل تكرار التشديدات فيما خص الإقامة، وغياب "الثقة في المستقبل وما إذا كانوا سيسمحون لنا البقاء في البلد أم لا".


مهددون بالترحيل
ذات المخاوف تشاركها أسرة عبد الكريم ناصيف، الذي حضر وزوجته و3 من الأطفال في 2015. فبالإضافة إلى الوضع المالي الصعب يذكر عبد الكريم لـ"جاليات" أن "المسألة المالية لم تكن ذات أولوية"، لكن بمرور الوقت، وبعد أن أصبح قانون الإقامة المؤقتة هو الساري (من خلال تعديل الحكومة في 2015 لقانون اللجوء) أصبحت "معونة الدمج تنخفض دائما حتى أن ما يتبقى لا يكفينا لمنتصف الشهر، وفي الواقع هذه سياسة مقصود منها جعل استحالة أن تعيش في البلد، ويتركك على هامش المجتمع مع قوانين مسلطة على رؤوسنا باعتبار إقامتنا مهما مرت السنوات مهددة بالإلغاء وإعادتنا إلى سورية إن قرروا ذلك".

وتنضم مخاوف سحب الإقامة إلى واقع فقر مالي يعيشه عشرات آلاف اللاجئين والمهاجرين، ومن ضمنهم 20 ألف طفل، بحسب تقرير حديث لـ"المركز الدنماركي لحقوق الإنسان". ويرى هذا المركز في تقريره لشهر فبراير/شباط ، أن تشديد القوانين لا يتعلق فقط بحالة الإفقار المالي والضغط الاجتماعي، بل بتهديد دائم لمعظم من يعتبر لجوءهم "مؤقتا" ويتلقون ما يسمى "منحة الدمج" المخفضة.

قوانين أكثر صرامة
وبحسب ما علم "جاليات" من مصادر برلمانية، الخميس الماضي، فإن حكومة يمين الوسط ذاهبة نحو تبني تطبيق سياسة هجرة أكثر صرامة خلال الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية في الصيف القادم.

هذه التشديدات ستشمل نحو 25.500 شخص وتحتوي على "نقلة نوعية لتشديد سياسة الهجرة". ومن بين هؤلاء الذين ستطاولهم هذه التغييرات الآلاف من السوريين ومن فلسطينيي سورية، إضافة إلى مقيمين عرب آخرين، وتتعلق في أغلبها بجعل "التركيز أكثر مستقبلا على تحضير اللاجئين وأصحاب إقامات لم الشمل للعودة إلى بلادهم، بدل التركيز وبذل الجهود على دمجهم في المجتمع الدنماركي".

ووفقا لما يرشح من توجهات حكومة يمين الوسط فإن "برنامج التأهيل للعودة إلى الأوطان سيشمل كل من حصل على إقامة خلال السنوات الخمس الماضية، وكان في سن الثامنة عشرة على الأقل حين دخل البلد". ورغم وجود نحو 8 آلاف من هؤلاء المشمولين في سوق العمل الدنماركي، بحسب أرقام وزارة الهجرة والدمج، فإنه حتى الانخراط في الشغل لا يستثني اللاجئين من اعتبار إقامتهم خارج سياق الدمج وللتأهيل فقط لإقامة مؤقتة ريثما تجري إعادتهم إلى دولهم.
وعلى الرغم من الانتقادات الحقوقية، وتقارير "مجلس اللاجئين"، التي تحذر من تبني هذه السياسة "التي تجعل الناس يعيشون في المجتمع وهم قلقون وبدون ثقة في مستقبلهم وحياة أبنائهم، ودفعهم للشعور بأنهم على هامش المجتمع، بما يحمله ذلك من نتائج وخيمة على الحالة النفسية للناس، بحسب مديرة قسم الدمج في مجلس اللاجئين الدنماركي، يوسفينا فوك، فإن حزبي فينسترا، الذي يقود ائتلاف حكومة يمين الوسط مع الليبراليين والمحافظين، وحزب "الشعب" اليميني المتشدد، عازمان فيما يبدو على تنفيذ سياسة اعتبار الإقامة مؤقتة مهما طال الزمن بالناس في البلد.

فبالإضافة إلى الصعوبات المالية التي تطاول حياة كثيرين ممن يضطرون "إلى الاستدانة من محلات السمانة والمتاجر العربية لاستكمال معيشة الشهر"، بحسب ما تقول "هناء" ويؤكد أبو خالد لـ"العربي الجديد"، فإن القوانين الجديدة تعني عمليا أن دائرة الهجرة، المسؤولة عن الإقامة بكافة الأنواع، تستطيع ببساطة سحب الإقامة أو رفض تجديدها إذا ما رأت، بحسب التعديلات، أن "أسباب وموجبات اللجوء والإقامة في الدنمارك لم تعد قائمة".

وبصعوبة تذكر أسرة "أبو خالد صبحي" شيئا عن أوضاعها "فقد يساء الفهم أننا نشكو ظروفنا المالية، وهو ما ليس في ثقافتنا وتقاليد أسرتنا البسيطة، لكنك حين تصل بك الحياة إلى الشعور بأنك عالق بلا حلول فأنت مضطر ولو على استحياء أن تخوض في واقعك العصيب، إذا ما قارنت تكلفة المعيشة مع ما تتلقاه في مرحلة الدمج، ثم التفكير مطولا بالمستقبل غير الآمن".

أبو خالد قام فور وصوله في 2015 بمحاولة تعلم اللغة الدنماركية "لأجد أي عمل وأستمر في دوري كما كنا في سورية".
صعوبات كثيرة واجهته بسبب الأمراض وحالة نفسية لما يسميه "اصطدام بواقع آخر". لدى هذه الأسرة ابنان في سن المراهقة استطاعا تدبر أمريهما في الدراسة، بعد وقت قصير "ولكن اعتبار أنك مقيم إقامة مؤقتة، يمكن ألا تجدد، مع تضييق القوانين، يضعك في حالة غير يقينية"، بحسب ما يذكر أبو خالد أمام زوجته وابنه الأكبر خالد (17 سنة).
في القانون المعدل
طاولت التعديلات التي أدخلتها وزيرة الهجرة، وبضغط من "حزب الشعب الدنماركي"، هؤلاء الآلاف ممن يعيشون اليوم تحت ضغط المزيد من القوانين الصارمة والمتجددة في البلد. فأسر كثيرة اضطر فيها الأبناء المراهقون للعمل إلى جانب المدرسة لتأمين أقل متطلبات الحياة. وريثما يتعلم الأب أو الأم لغة البلد وينجزون شيئا من الاندماج، الذي سيتغير تعريفه خلال الفترة القادمة إلى "تأهيل للعودة إلى الأوطان الأصلية"، لايجاد عمل فالأوضاع تسير برتابة وصعوبة كبيرتين بالنسبة لآلاف الأسر.

ومن بين عشرات الآلاف لا يتعلق الأمر فقط باللاجئين الجدد، بل تتأثر نحو 8 آلاف أسرة بهذه القوانين المستجدة في الاستقطاعات وتخفيض المساعدات الشهرية المؤقتة. ويشمل ذلك "كل من أقام لأقل من 6 سنوات خلال السنوات السبع الماضية"، بحسب تعديل 2015. ومنذ تاريخه أجري تعديل آخر على قيمة "غعانة الدمج" لتشمل "كل من أقام أقل من 9 سنوات خلال السنوات العشر الماضية".

المساهمون