قضية إنسانية

قضية إنسانية

23 فبراير 2019
الأطفال الأكثر تضرراً من الاعتداءات الإسرائيلية (نضال الوحيدي/Getty)
+ الخط -
قضية فلسطين قضية سياسية بامتياز وهي قضية أرض محتلة وشعب مهجر، والواقع الحاصل في قطاع غزة والضفة الغربية لم يعد يخفى على أحد، والسبب الرئيس في كل ما حدث هو الاحتلال الذي يبتز الفلسطينيين الآن من أجل تغليب الإنساني على حساب السياسي.

إن تسهيل حياة الناس مطلب وضرورة وأمر ملح، لكنّ واحدًا من أهداف الاحتلال تاريخيًا هو إظهار القضية بمظهر أنها قضية إنسانية بحتة منذ النكبة ومنذ اللحظة التي تأسست فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قدمت فلسطين على أنها قضية إنسانية، وأن أهلها بحاجة لملبس ومأكل ومشرب وإشباع حاجاتهم الأساسية والإنسانية، واليوم العالم كله يلوح ومستعد لتقديم الإنساني على السياسي، يمكنهم توفير حاجة الفلسطيني الإنسانية دون الانتقال لحل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

لا يمكن الفصل بين السياسي والإنساني، لأن الأصل في المعادلة أن يخدم السياسي الإنساني، فإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين والمقدسات والثوابت والحقوق كلها تهدف في النهاية إلى إحقاق الحق للإنسان الفلسطيني ولا يمكن مساومة ذلك كله على تسهيلات وتوفير بعض الاحتياجات.
إن إحداث انفراجة في وضع الناس جزء من المقاومة، لأن المقاومة هي المفاعلة وهي فعل شامل يضمن قوت الناس ومقومات حياتهم، وإن وضع العربة أمام الحصان أو استباق الأحداث والقول إن تغليب الإنساني على السياسي سيفضي إلى انتهاء القضية الفلسطينية غير حقيقي وغير موضوعي واستباق للأحداث، لا يمكن الاستمرار في الاشتباك مع العدو وظهير المقاومة مكشوف، رافد المقاومة الأساس هو الناس والشعب وتمتين الجبهة الداخلية وحمايتها أولوية دون الانزلاق للقول والاستباق بأن في الأمر تنازلات سياسية، لا سيما أن هذه الرواية ترد على لسان من قدموا التنازلات سلفا وذهبوا إلى اتفاق أوسلو والذي انتهى لما انتهى إليه الواقع الفلسطيني الحالي.

التذرع بالإنساني والتحذير من الاستغراق فيه ادعاء في غير محله فالناس في غزة خاضوا ثلاث حروب لا لأجل حاجة إنسانية وصمد الناس واحتضنوا المقاومة وانحازوا لها من قبل في انتخابات العام 2006 لا لأسباب أو لحاجة إنسانية، ومسيرات العودة لم تكن بدوافع إنسانية أو من أجل ملبس ومأكل ومشرب إطلاقا، والتهدئة الآن وفي هذا التوقيت وعقب المعادلات التي فرضتها المقاومة لا تأتي من موضع ضعف أو موقف ضعف بل بالندية وجولة التصعيد الأخيرة خير دليل، وقد قالت المقاومة كلمتها وأوصلت رسالتها لإسرائيل بأن الاقتراب من التهدئة لا يعني عدم الرد على التصعيد.

تغليب الإنساني على السياسي لم يكن فرية افترتها، لكن واقع الحالة الإنسانية لقطاع غزة كنموذج لتغليب الإنساني على السياسي جاء في بيان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جيمي ماكفولدريك، الذي طالب بضرورة تحسين أوضاع قطاع غزة قبل وقوع الكارثة، فهل نتهم الرجل بأنه غلب الإنساني على السياسي وبالتالي فرط في القضية وثوابتها؟
إن التربص بالوضع الفلسطيني لم يعد خافياً واليقظة وحدها لا تكفي مع الحاصل، والاستجابة مقتضياتها كبيرة جدا ليس أقلها التطويع لتمرير التطبيع، والجمود والعناد سيفضي إلى بقاء الحصار والإغلاق كما هو، وبالتالي نحن أمام عملية تدليس كبيرة جداً ظاهرها تسهيل وانفراج أوضاع الناس لكن باطنها هو ترويض الناس وربط تحسن أوضاعهم وظروف معيشتهم بقبولهم بالممكن والمتاح عن البحث عن مقتضياته وتبعاته.

هناك عملية إنتاج ضخمة جداً لبالونات الاختبار المربكة لكنها تستهدف ترويض الرأي العام الفلسطيني، وتمرير ما يريده الآخرون. فالحذر واجب وعلى القيادات الفلسطينية أنّ تتصالح لإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح.

المساهمون