أوسلو وبديلاتها... هدف واحد بعناوين مختلفة

أوسلو وبديلاتها... هدف واحد بعناوين مختلفة

30 سبتمبر 2018
+ الخط -
بعد 25 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، الذي فشل وفق اعتراف الموقعين عليه من كلا الجانبين، ومن قبل غالبية الأطراف الإقليمية والدولية التي رعته ودعت إليه في حينه، وعلى ضوء التسارع في وتيرة الأخبار المسربة عن بعض الاقتراحات والخطط المطروحة دولياً كبديل عنه، من رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الغامضة والسرية؛ المعروفة إعلامياً بصفقة القرن؛ إلى الحديث عن دولة فلسطينية في محافظة سيناء المصرية؛ أو عن كونفدرالية أردنية فلسطينية، نحتاج إلى التدقيق في الأهداف الحقيقية الكامنة خلف هذا الاتفاق المشؤوم؛ والاقتراحات المجحفة بحقوقنا، والمضللة بعناوينها.
تلك الأهداف التي أنكرتها القيادة الفلسطينية الموقعة على اتفاق أوسلو حتى اللحظة، من قبيل تكريس مصالح الاحتلال وداعميه؛ عبر التنازل عن غالبية الحقوق الفلسطينية، فضلاً عن حماية الاحتلال من أي طوفان شعبي فلسطيني يسعى إلى استعادة حقوقه المغتصبة. حيث حافظت القيادة الفلسطينية على ذات الأسطوانة المشروخة القائلة؛ لم يتم حتى اللحظة توقيع أي تنازل عن الحقوق الفلسطينية، كحق العودة والحق في الأرضي المحتلة عام 1967؛ بما فيها مدينة القدس، كونهم لا يعتبرون التخلي عن الأراضي المحتلة قبل النكسة تنازلا أو استسلاما، بقدر ما يعتبر التزاما بالبرنامج المرحلي الذي لا يحظى بقبول فلسطيني أصلاً، وبالقرارات الدولية، وهو ما تعتبره هذه القيادة حنكة ودهاء سياسيين.
بينما تكرس السياسية الإسرائيلية عكس ما تدعيه هذه القيادة، حيث لم يتوقف الاستيطان، بل على العكس قد نما وتوسع وقضم غالبية الأراضي المحتلة في العام 1967؛ كما استمرت سياسات تهويد القدس وتفريغها من سكانها الأصليين، ومحاصرة وخنق من بقى منهم، كما تم بناء جدار الفصل العنصري بذريعة حماية أمن إسرائيل، وقد تحول عمليا إلى وسيلة جديدة من أجل قضم الأراضي الفلسطينية ومحاصرتها، وفصل الأراضي الزراعية عن المناطق السكنية، الأمر الذي قد يدفع الفلسطينيين إلى هجر أراضيهم ومنازلهم، إلى خارج فلسطين أو إلى بعض المدن والبلدات البعيدة عن الجدار، وغيرها الكثير من الإجراءات الاستعمارية والاستيطانية والتوسعية التي تهدف إلى محو الآخر، الفلسطيني الذي كان من المفترض به وفقاً لأوسلو أن يكون شريكاً في صناعة السلام المزعوم، دون أي اكتراث لأي من القيم الإنسانية والقانونية، أو بأي من المعاهدات والاتفاقات الموقعة سواء مع المجتمع الدولي أو مع القيادة الفلسطينية.
في المقابل، كشفت الوقائع اليومية، قبل أن تكشف تصريحات رجال السلطة الإعلامية، عن جزء من الأدوار والمهام المطلوبة من هياكل السلطة المنبثقة عن أوسلو، مثل إدانة الخطاب المقاوم؛ وإلغاء خطاب التمسك بجميع الحقوق الفلسطينية المستلبة وعلى رأسها الحق في كامل الأراضي المحتلة منذ النكبة؛ واعتقال المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، وتجريم الفعل المقاوم الفردي والجماعي، بما فيه التظاهر والاحتجاج السلمي. بينما عجزت السلطة نتيجة تخوفها من طبيعة الرد الشعبي، عن أداء جميع الأدوار المطلوبة منها؛ وخصوصا فيما يتعلق بإعلان تخليها عن جميع القضايا الفلسطينية الأساسية؛ من العودة والأرض ومقاومة الاحتلال؛ الأمر الذي فرض عليها ترديد بعض العبارات والجمل التي قد توحي للبعض بجذرية السلطة في التعامل مع هذه المسائل والقضايا، مثل استبدال حق العودة بعبارة إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، وكذلك فيما يخص الحق في الأرض، فبعد التنازل عن الأراضي المحتلة عام 1948، أصبحت للأراضي المحتلة عام 1967 حيثيات وتفاصيل مختلفة، مما يتطلب وفق رجالات أوسلو حلولا عملية ومبتكرة؛ من قبيل تبادل الأراضي؛ أو ربما التنازل عن مزيد من الأراضي، كما يحدث فيما يخص الموقف من مدينة القدس، التي أضحت وفقا لهم شرقية وغربية، لنا الأولى ولإسرائيل الثانية، وإن كانت السياسة الإسرائيلية تقوم على السيطرة على كامل مدينة القدس. وأخيراً الحق في مقاومة الاحتلال، والتي أضحت تعتبر أعمالا إرهابية أو استفزازية بأحسن الأحوال؛ حتى فيما يخص النشاطات السلمية منها؛ مثل مسيرات العودة وحركة مقاطعة إسرائيل.
الأمر الذي دفع الاحتلال وداعميه إلى ترويج بعض الخيارات البديلة عن إفرازات أوسلو، المتمثلة بالسلطة الوطنية، لكنها خيارات لا تقل سوءا عنه طبعاً؛ إما بغرض ممارسة أعلى درجات الضغط على قيادات السلطة، مما قد يدفعها إلى إعلان استسلامها وتخليها الكامل عن جميع حقوقنا المستلبة. أو من باب البحث عن إطار سياسي وإداري مغاير للسلطة الفلسطينية، قادر على أداء ذات الدور مع التمتع بخبرات وقدرات أمنية وقمعية؛ وإمكانات إعلامية وسياسية، تمكنه من تحريف الحقائق السياسية والواقعية بذات الوقت الذي يقمع فيه الحركة الشعبية وربما يسحقها.
وعليه فإن الحلول البديلة التي يروج لها الإعلام اليوم، عبارة عن بالونات اختبار؛ تهدف إلى تعريف الفلسطينيين والعرب بحجم التنازلات المطلوبة؛ حيث يجد الاحتلال أن الأوان اليوم قد آن للانتقال من خطاب تأجيل الملفات الحساسة أو الرئيسية، إلى خطاب تخلي القيادة الفلسطينية وربما العربية عن هذه القضايا بشكل نهائي. كما يهدف إلى ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية أولا والعربية ثانيا، عبر الكشف عن طبيعة علاقتهم مع الاحتلال؛ وحقيقة الأدوار المكلفين بها، الأمر الذي يرغب الاحتلال من خلاله في حث جميع قيادات المنطقة إلى مزيد من التعاون فيما بينهم من أجل تمكينهم من إحكام قبضتهم على الشعب العربي عموما والفلسطيني خصوصا؛ ومنعه من أي حركة أو رد فعل حتى لو كان حراكا سلمياً وسياسياً وإعلامياً فقط؛ والذي يتبعه إعلان عربي وفلسطيني رسمي وعلني وواضح عن التخلي عن حقوقنا التاريخية والإنسانية، بما فيها الحقوق التي يعترف بها القانون الدولي.
بالتالي، لا يكترث الاحتلال والأميركيون اليوم بمدى واقعية أي من المخططات التي يتم ترويجها إعلامياً؛ بقدر ما يتابعون ردة الفعل الشعبية عليها، فالوضع العربي عامة الآن يعيش واحدة من أسوأ حالاته؛ نتيجة تعدد صراعاته وحروبه الداخلية، وتفاقم التصدع والشقاق والصدام داخل المنظومة الرسمية العربية. الأمر الذي يشكل أرضية خصبة للاحتلال من أجل اقتناص ما عجزت عن تحقيقه اتفاقات السلام عموما واتفاق أوسلو خصوصا عنه على مدار ربع قرن. لذا وعلى الرغم من خطورة أوسلو جميع الحلول البديلة المطروحة اليوم على قضايانا الوطنية والقومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إلا أن مواجهتها وإسقاطها جميعا يتطلب منا استعادة خطاب التمسك بجميع حقوقنا التاريخية وعلى رأسها الحق في كامل الأراضي المحتلة منذ النكبة، دون إنقاص أو تحريف، وهو ما ينسجم مع مجمل الحراك الشعبي الفلسطيني المتصاعد اليوم من داخل إسرائيل إلى غزة مرورا بالضفة.