فض اشتباك العلاقة بين الثالوث: المنظمة والسلطة و"فتح"

فض اشتباك العلاقة بين الثالوث: المنظمة والسلطة و"فتح"

24 يونيو 2018
فتح لم تعد السلطة ولا الحزب الحاكم(علي جاد الله/الأناضول)
+ الخط -
ارتبط اسم حركة فتح بمكونات ثلاثة، فهي تعني الحركة الوطنية الفلسطينية وتعني منظمة التحرير الفلسطينية وستعني لاحقا السلطة الفلسطينية أو الحزب الحاكم؛ الأمر الذي ستترتب عليه الكثير من التبعات لاحقا وسيكون مكلفا للحركة دون غيرها من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، فكل تبعات تكوين السلطة ستتحمله فتح وحدها؛ ستجد فتح التي حافظت على مسافة كافية في هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية، نفسها تذوب رويدا رويدا في هياكل السلطة، حتى عندما تخرج من كونها الحزب الحاكم، فإنها ستبقى تتحمل تبعات أنها كانت الجزء الأهم والأبرز من تكون السلطة وتشكلها؛ حتى وإن كان نصيبها من السلطة موقع الرئاسة فقط؛ فعمليا فتح خارج مشهد السلطة وخارج توصيف الحزب الحاكم منذ انتخابات العام 2006.

تبعات التماهي
حتى سبتمبر/ أيلول من العام 1993 لم تكن هناك إشكالية في مناقشة العلاقة بين ثنائي فتح والمنظمة، رغم احتواء فتح للمنظمة. بدا الأمر مقبولا، ولا سيما أن الهدف واحد، حدث الاشتباك عندما قررت المنظمة الذهاب إلى التسوية السلمية واتفاق أوسلو، حينها اتضحت تبعات التماهي بين فتح والمنظمة. المنظمة هي التي ذهبت إلى التسوية، لكن فتح هي التي قررت، لأنها ببساطة صاحبة الكلمة العليا في إقرار كل ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي عندما وقعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو توقف الخطاب العسكري لحركة فتح، فرئيسها حينها كان هو أيضا رئيس منظمة التحرير. دارت الدائرة، ومثلما تحملت المنظمة تفرد فتح بها منذ منتصف الستينيات جاءت اللحظة التي على فتح أن تتحمل فيها ذهاب المنظمة للتسوية، ولكن الأمر سيتمدد لأن التسوية بين الاحتلال والمنظمة سيفضي لميلاد السلطة التي ستحتوي فتح، لتصبح حزب السلطة الحاكم، وتكتمل الدائرة ليصبح مطلوباً من فتح أن تتحمل أخطاء السلطة وتجاوزاتها وعثراتها. هكذا انتهت المعادلة: تشكيل فتح انعكس على المنظمة وتشكيل السلطة انعكس على فتح، وتداخل الثالوث حد التماهي.

تداخل الهياكل
بدأ دخول الشرطة الفلسطينية لقطاع غزة في 18 مايو/ أيار 1994، وأدى أعضاء الحكم الذاتي اليمين الدستورية أمام الرئيس ياسر عرفات في أريحا يوم 5 يوليو/ تموز 1994، حينها تحول جيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير تحت قيادة فتح ووصياتها إلى مسمى الشرطة الفلسطينية التابع لإدارة السلطة التي نشأت وفق مخرجات تسوية سياسية مع إسرائيل. لم يعد التداخل في الهياكل فقط لكنه تمدد حتى وصل إلى مكونات هذه الهياكل. عندها تعددت مراكز القيادة والنخبة والعمل الإداري والعمل المقاوم، واتضح الخلل في صنع القرار وفي مأزق الحكومة ومأزق القيادة السياسية، وحدث استقطاب حاد بين الداخل ممثلا في السلطة وفتح والخارج ممثلا في منظمة التحرير.
لقد أفضى قيام السلطة الفلسطينية إلى تحولات في صيغة اتخاذ القرار السياسي، من صيغة تقوم بشكل رئيسي على التوافق الوطني بين مختلف التنظيمات المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير، وإن بقي القرار النهائي بيد قيادة حركة فتح كونها التنظيم الأكبر، إلى صيغة تمنح اتخاذ القرار للأغلبية العددية التي تفرزها نتائج الانتخابات عامة دون الاتفاق الوطني على وظيفة هذه الانتخابات والهدف منها والتوقيت الملائم لها.

من منظمة لسلطة
إن أبرز التغييرات التي دخلت الحقل السياسي الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو، انتهاء دور منظمة التحرير التي هيمنت على ذلك الحقل، وتولي السلطة الفلسطينية التي قامت، وفقاً للاتفاق المذكور، بدور محوري في ترتيب الأوضاع الداخلية للحقل. وانتقل القرار مع قيام السلطة الفلسطينية من منظمة تحرير وطنية فلسطينية إلى أطر سلطة فلسطينية تسعى للتحول إلى دولة على إقليم فلسطيني. وانتقل الحال الفلسطيني من حقل يخيم عليه خطاب التحرير والمقاومة، ويقيم ائتلاف فصائل مسلحة، ويتسم بالتعددية السياسية والفكرية والإعلامية وبدرجة عالية من التسييس الجماهيري، ويدير تحالفات عربية ودولية على أساس الموقف من حقوق الشعب الفلسطيني، إلى حقل تسيطر عليه سلطة مركزية تحتكر استخدام العنف في المناطق المحددة لها وفقاً للاتفاقات مع إسرائيل.
لم تعد منظمة التحرير بفصائلها المسلحة المتعددة ومقراتها في الخارج، هي التي تهيمن على الحقل السياسي الفلسطيني، وإنما سلطة جديدة تحتكر شرعية العنف الداخلي وصناعة القرار السياسي، وتقيم على إقليمها وتتفاوض مع إسرائيل.
لم تختلف المنطلقات الفكرية لحركة فتح والتي قامت على أساسها توجهاتها السياسية بعد أوسلو عن البرنامج السياسي للسلطة الفلسطينية أو عن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، إنما بات هناك برنامج سياسي واحد للحزب الحاكم سياسيا للسلطة وللمنظمة.

اشتباك قديم جديد
الآن بعد أكثر من خمسين عامًا، يبدو أننا أقرب لفض الاشتباك بين ثالوث المنظمة وفتح والسلطة، ففتح لم تعد هي السلطة ولا الحزب الحاكم؛ والمنظمة لم تعد هي الضابط لإيقاع المشهد الفلسطيني؛ وحماس بدت بفعل الشرعية الانتخابية هي الحزب الحاكم وعينها على المنظمة بالأغلبية إن لم تكن مناصفة مع فتح على أقل تقدير، فواحدة من متطلبات إصلاح المنظمة وإحيائها أن تدخلها حماس بالرؤية التي تريدها وتراها هي ولا تقبل أن يُملى عليها تمثيلها وحضورها في المنظمة.
وسيصبح الاهتمام لاحقا في محددات العلاقة بين حماس ومنظمة التحرير وبالتالي سنكون على موعد مع اشتباك جديد يتعرض للعلاقة وللتأثير ما بين حماس والمنظمة والسلطة الفلسطينية بينهما، من يبتلع من ومن يمرر برنامجه في أجندة من؟
ويبقى السؤال الأهم الآن، هل يصل الفرقاء في فلسطين إلى برنامج إصلاح يُفضي إلى استعادة منظمة التحرير من أجل الانتقال إلى ملامح برنامج وطني فلسطيني يستحضر المشروع الوطني الفلسطيني على أسس واضحة ومحددة ومتفق عليها سلفا، ما يعني حركة وطنية فلسطينية قادرة على مواجهة الاحتلال؟ والإجابة عليه منوطة بتطورات الأيام والأسابيع المقبلة.