1948 - 1967: رقمان ودلالة واحدة

1948 - 1967: رقمان ودلالة واحدة

21 مايو 2017
+ الخط -

يتوازى إحياء ذكرى نكبة 1948 هذا العام أيضًا مع مرور نصف قرن على حرب حزيران/ يونيو 1967. وليس من العسير على أي مُتابع فطن ملاحظة أن مقاربة دلالة الذكرى الثانية في دولة الاحتلال الإسرائيلية تتسّم عمومًا ومن باب أولى بنزعتين تبدوان متصلتين من حيث السياق العام: 

الأولى، النزعة التي تعتبر أن أهم نتائج تلك الحرب التي أسفرت عن النكسة وعن احتلال مزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، تتمثل في "استعادة الحق التاريخي" لـ"الشعب اليهودي" في أراضي فلسطين التاريخية. وبرأي أصحابها فهو الحق الذي يجب أن يتغلب ويتفوق على أي حق آخر للسكان الأصليين غير اليهود في بقاع هذا البلد، نظرًا إلى أن هذا الأخير "عمره 30 عامًا"!! في حين أن "الحقّ الأول عمره 3000 عام"!! وفقًا لما قاله أحد زعماء "هشومير هتسعير" ("الحرس الشاب"، منظمة شبابية يهودية "يسارية"). وهؤلاء جميعًا يتمسكون بما حدث إبان النكبة وحرب 1967 ويضيفون إليهما حدثًا آخر هو "الانفصال الأحاديّ الجانب" عن قطاع غزة عام 2005، كي يثبتوا أن "السلام" مع الفلسطينيين لا يتحقق عبر تقديم "تنازلات إقليمية"، وإنما في المقام الأول عبر موقف حازم ضد أي انسحاب من طريق إخلاء مستوطنات في أراضي 1967. 

الثانية، النزعة التي يؤيد أصحابها ما بات يُعرف باسم "حل الدولتين" على أساس حدود 1967 مع كثير من التعديلات، في مقابل ترتيبات أمنية صارمة (في مقدمها سيطرة إسرائيل أمنيًا على منطقة غور الأردن)، وتجريد الدولة الفلسطينية التي ستُقام، من السلاح، والتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ورُبما الأهم من ذلك كله - كما يتراءى منذ نحو عقدين - الاعتراف بإسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي". في الوقت الحالي يأخذ هؤلاء على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ما يصفونه بأنه "بُخل سياسي" إزاء الفلسطينيين وسلطة أوسلو، منوّهين بأن هذا البُخل لا ينطوي على بُعد نظر سياسي، وبأنه في هذا الصدد يتعيّن عليه أن يحذو حذو سلفه إيهود أولمرت. فقد خاض هذا، خلال ولايته كرئيس للحكومة (2006- 2009)، حربين على لبنان (2006) وعلى غزة (2008- 2009)، وبنى بتغوّل في مستوطنات أراضي 1967، لكنه في الوقت عينه منح إسرائيل غلاف حماية سياسية في العالم بمجرّد أن أعلن قبوله "مبدأ 1967". وعلى الرغم من أنه في واقع الأمر لم يُخلِ مستوطنة واحدة، ولم ينسحب حتى من ذرّة تراب واحدة في الضفة الغربية، فإنه حظي باعتماد دولي أتاح له إمكان أن يضرب "أعداء إسرائيل"، وأن ينقل عبء المسؤولية عن انعدام السلام من عاتق إسرائيل إلى كاهل الفلسطينيين، وبذا أوجد "كلمة السرّ" للهروب من تبعات ما حدث في نكبة 1948، والكامنة في رقم آخر هو 1967!

إن أصحاب النزعة الثانية هم القلة القليلة، وكما لا يُخفى على أحد فإن دوافعهم صهيونية صرفة. وبعضهم يعتبر أن تمدّد النفوذ السياسي لأصحاب النزعة الأولى على نحو جارف، كما هي الحال في دولة الاحتلال الآن، هو بمثابة "احتلال جديد"، مثلما كتب ذات مرة أحد الناطقين المفوّهين باسمهم، ويهدف "إلى سلب الإسرائيليين القدرة على إنهاء احتلال 1967 وإلى جعله احتلالًا لا رجعة عنه". لكن في العُمق يقول هؤلاء إن ذلك الاحتلال هو "أساس وأصل الصراع مع الفلسطينيين"، وإن هذا الفهم يستلزم، بالطبع، تناظرًا وتبادلية من الجانب الفلسطيني، تقومان على أساس أن "الخط الأخضر" هو الحد النهائي لأي حلّ للقضية الفلسطينية، وأنه في مقابل ألا تبقى مستوطنة إسرائيلية واحدة في أراضي الضفة الغربية لن تكون أيضًا أي عودة فلسطينية إلى داخل حدود دولة الاحتلال. وأقصى ما يعرضونه هو أن من الممكن إجراء بعض "تعديلات حدودية"، وهي مسألة خاضعة للمفاوضات حول السلام وتبادل الأراضي.

ولا شكّ أنّ في ما يقوله هؤلاء أساسًا قويًّا للربط، على المستوى التاريخي، بين نكبة 1948 والنكسة التي تلت حرب 1967 من جانبنا كفلسطينيين. ويمكن تحديد الغاية الأبرز من هذا الربط بأنها إعادة مفهمة المشروع الصهيوني في نقطته الزمنية الراهنة، بكونه مشروعًا كولونياليًا أولًا ودائمًا، وبأن دلالة الرقمين 1948 و1967 واحدة، سواء في ما يتعلق بالصراع مع دولة الاحتلال، أو بالبوصلة التي ينبغي أن توجّه مفهوم الفلسطينيين حيال جوهر هذا الصراع.




المساهمون