أنا وأنت... ماذا نفعل في قصة "المعزة والجدي"؟

أنا وأنت... ماذا نفعل في قصة "المعزة والجدي"؟

22 مارس 2017
لا تحوّل لعب الأطفال إلى قضايا جنسية (Getty)
+ الخط -
انتشر، في الأيام القليلة الماضية، تسجيل صوتي تم تسريبه من مجموعة إلكترونية لأولياء أمور بأحد الفصول الابتدائية في الوطن العربي، واحتوى التسجيل على تهديد ووعيد موجّه من إحدى الأمهات إلى أخرى في المجموعة، لأن ابن الثانية قام بتقبيل ابنة الأولى!! واحتوى التهديد على أن أخ الفتاة- التي تم تقبيلها- سيضرب الطفل الذي فعل هذا، مع التأكيد على أن أهل الفتاة متدينون ولا يقبلون مثل هذه التصرفات من الولد المنحرف- من وجهة نظرهم!!

ثم جاء تسجيل آخر لوالد الطفل قائلا إن ابنه يفعل ما يشاء و"اللي عنده معزة يربطها"!! ونحن ليس من عاداتنا أن نعلق على مثل هذا النوع من الأحداث، ولكنها في الحقيقة انتشرت انتشاراً مذهلاً جعل من الصعب تجاهلها، حيث تناقل معظمنا تلك التسجيلات المتعلقة بقصة "الأب والأم والمعزة والجدي"!!.

ثم ضحك كثير منا على طوفان التعليقات الكوميدية حول الموقف، وسخرنا، وربما استمتع بعضنا بتبادل الطرائف والكوميكس المتعلقة بتلك السلسلة الطويلة من الجرائم الإنسانية: جريمة تدمير الطفل والطفلة نفسيا بسبب الفضيحة التي ستظل تطاردهما مدى العمر بعد تسريب التسجيلات الصوتية للأب والأم، وجريمة تحويل سلوك الأطفال إلى "قضية جنسية" كانت هناك ألف طريقة أفضل للتعامل معها تربوياً، وجريمة استخدام الأم طفلا آخر- وهو ابنها الأكبر- في التهديد والبلطجة، وجريمة تشويه صورة الفتاة أو المرأة وتحميلها دائما وزر الخطيئة، وجريمة إعطاء الحرية المطلقة للذكر- طفلا كان أو راشدا، وأخيرا جريمة التلويح بالدين والتدين والنقاب واللحية في إباحة كثير مما سبق!ّ! 

وربما غاب عن الكثير منا أننا في قلب هذا المجتمع، وأننا قد نكون ضحايا أو جناة في أنواع مشابهة من الجرائم، لذلك وجب أن يسأل كل منا نفسه سؤالا وهو: ماذا كنت سأفعل إذا كنت في هذا الموقف؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه الآن:

1. إذا كنت في موقف "الأم":
- لا تستخدمي المساحات العامة في حل المشكلات الخاصة، فهذا "الجروب" المخصص لأولياء الأمور هو لمناقشة القضايا العامة المتعلقة بالفصل، وليس المشكلات السلوكية الخاصة بطفلٍ ما، فهذه مكانها غرفة الأخصائي الاجتماعي أو النفسي. وتذكّري أنك مستأمنة على كرامة هذه الطفلة، وأنها ليست "دمية" صماء، وأن أي تصرف متهور يصدر منك قد يرسخ فيها عقدا واضطرابات لا تفارقها مدى الحياة.

- السلوك العدائي في حل المشكلات لن يضر الطرف الآخر فقط، وإنما سيضر ابنتك أيضا. فإذا صدر سلوك خاطئ- من وجهة نظرك- من طفل آخر، ثم لجأت إلى الأخصائي النفسي، وتطور الأمر لاستدعاء ولي أمر الطرف الآخر فلا تكوني عدائية، وتذكّري دائما أن الطرف الآخر "طفل" أيضا.. واغرسي في قلبك الشعور بالأمانة تجاه كليهما- طفلك والطفل الآخر- ثم ليبدو هذا ظاهرا في حديثك، وذلك لأن المشكلات السلوكية تحتاج "تعاونا" من كل الأطراف، وهذا التعاون لن يتحقق في جو عدائي.

- تذكّري أن الأطفال- سواء ابنتك أو غيرها- ستصدر منهم سلوكيات غير مقبولة أو ربما أخطاء، لأنهم أطفال، وحتى الكبار يخطئون، ووظيفتك هي "تعليمهم" وليس ترهيبهم وتهديدهم!! وهذه الرحلة الطويلة للتعلم تحتاج إلى جلسات وقصص وأفلام كارتون وأغان وكتب، ووسائل مبدعة ومبتكرة لتعليمهم السلوك الأفضل والأفكار البناءة.

- التحقي بدورات عن التربية الجنسية، ستدركين أن ما صدر من الطفل هو مجرد "لعب"، وأن رد الفعل المناسب هو- تماما- عكس ما فعلت، وأننا في حالة هذا النوع من اللعب إذا قمنا برد الفعل كالذي قمت به سنؤدي إلى ما يسمى بأحد أمرين (للولد والبنت): إما "تأجيج الفضول الجنسي" أو "الشعور باستقذار الجنس وتنجيس العلاقة بين الذكر والأنثى حتى في إطار الزواج"!! وهذه الحالات نراها كل يوم في غرفات الاستشارات النفسية.

- أنت حرة في اختياراتك الدينية، ولكن بما أن ابنتك تعيش في مجتمع "مختلط"، ربما ليس له نفس اختياراتك، فعليك أن توجدي صيغة للتعامل مع هذا المجتمع، وإما أن تعتزليه- إن استطعت- وهذا غير ممكن!! ليست المشكلة الآن فقط، ولكن المشكلة الأكبر ستكون في المستقبل، عندما تصل الفتاة إلى سن المراهقة، ثم عندما تخرج الفتاة للعالم الأوسع، وعندما تلتحق بالجامعة، أنت في حاجة إلى مد جسور الحوار معها، ووضع قواعد للتفاعل مع هذا المجتمع، من دون عزلة وانغلاق، ودون إرهاب وتهديد، بحكمة وهدوء وصداقة معها وسعة صدر وذكاء للتعامل مع الحقيقة والواقع.

2. إذا كنت في موقف "الأب":
- أستطيع أن أتفهّم أن تعرّضك للهجوم والتهديد كان دافعاً لأن تمارس أنت أيضا الهجوم، ولكن الحقيقة هي أن ظهورك في المشهد على هذا النحو سيؤدي إلى ضرر كبير لابنك- أولا- بدلا من ضبط سلوكه وتنمية أفكاره عن الحياة وعن الصواب والخطأ، كما أنه يؤدي إلى اعتداء بالغ على الطفلة المسكينة، لأنه أظهرها في شكل العاهرة، ويؤدي إلى ضرر في استحالة التعاون من أجل مصلحة الأطفال في المستقبل وحدوث صدع لا يمكن رأبه. وأعتقد أن أضعف الإيمان أن الإنسان إذا وصل به الغضب إلى درجة العجز عن قول "الخير" فعليه- على الأقل- أن يصمت، عملا بمقولة: "فليقل خيرا أو ليصمت"، حتى يهدأ ثم يتصرف على نحو أكثر حكمة وإعمالا لمصلحة الجميع.

- ابنك- الطفل- ليس مجرما لأنه قبّل طفلة، ولكنه مجرد طفل يتصرف بتلقائية وبساطة، وربما يقلّد ما يراه في التليفزيون أو ربما في البيت، هو فقط في حاجة إلى أن يتعلم- بكل هدوء وبابتسامة رحيمة- ما يصح وما لا يصح، وما هي الحدود وما هو المسموح وغير المسموح. وهذا يحتاج جهدا منك ومن والدته واستخدام وسائل بعيدة عن الوعظ والأمر المباشر والتهديد، وإنما هي وسائل تستند على الحوار واللعب والوسائل التعليمية الشيقة.

- إذا تعلم منك ابنك أن الفتاة "معزة"، فهكذا سيتعامل مع أمه ومع زوجته ومع أخته!! ستفاجأ بالأخ البلطجي الذي يضرب أخته، والذي يتطاول على أمه، والذي يهين زوجته لينتهي به الحال إلى زواج فاشل وعلاقات مضطربة!! وليس صحيحا أن الأخريات هن فقط الخاسرات، وإنما سيخسر ابنك أيضا عندما يعيش مغضوبا عليه من المرأة التي ينتظر منها حبا أو تقديرا فلا يجد.

3- إذا كنت في أي موقع تربوي: أب، أم، مدرس، ناشط في جمعية أهلية، أخصائي نفسي أو اجتماعي، تذكّر أن عليك دورا كبيرا، فالمجتمع يعاني من أمية تربوية مروعة، فحاول أن تقوم بمسؤوليتك في توعية نفسك ثم في نشر الوعي وتطبيقه - قدر استطاعتك - حتى تشارك في وقف هذا النزيف التربوي والأخلاقي.



المساهمون