الانتماء والتعصب... ثلاثة خطوط فارقة لتربية الأبناء

الانتماء والتعصب... ثلاثة خطوط فارقة لتربية الأبناء

18 أكتوبر 2017
فلنعلم أولادنا أن الخسارة ليست نهاية العالم(Getty)
+ الخط -
الاحتياج إلى الشعور "بالانتماء" هو احتياج ضروري تؤكده جميع مدارس علم النفس، والانتماء ليس له دائرة واحدة وإنما دوائر مختلفة تتشابك وتتلاقى، والإنسان يمكن أن تكون له انتماءات متعددة، ومن المؤكد أن "الانتماء" صحي وضروري وأساسي للطفل وللإنسان، ومن المؤكد أيضا أن "التعصب" مدمر ومؤذ للصحة النفسية وللحياة. وينطبق ذلك على كل المستويات، بدءا من الانتماء أو التعصب للأوطان والأديان والقبائل والعائلات، وانتهاء بالانتماء أو التعصب لفريق في كرة القدم. 

والذي نراه من شجار وخصومة ومقاطعة عقب كل مباراة لكرة القدم يعكس ذلك الخلل في فهم
الفرق بين الانتماء والتعصب، وعدم امتلاك مهارات التطبيق والتفرقة لكل منهما.

والبداية منذ الطفولة الأولى، ذلك لأن أحد الأدوار الهامة للآباء والأمهات والمربين هو بناء المعرفة والمهارات لدى الأبناء للتمييز بين الانتماء والتعصب. ولتبسيط الأمر، يمكن أن نوضح ثلاثة خطوط فارقة نسترشد بها في المواقف والمراحل العمرية المختلفة مع أطفالنا:


أوّلاً: عدم الإهانة أو السخرية أو الهدم
يمكن لطفلك أن ينتمي لما يشاء بداية من سنوات الحضانة الأولى، فلينتم إلى فريق "بطوط" في مسابقة أجمل فصل، أو لينتم إلى مجموعة "هاري بوتر" للأنشطة العلمية، أو فريق "الأبطال" في كرة القدم، ولكن ليتعلم أن الانتماء لذلك الفريق لا يعني توجيه الإهانة أو السخرية للفريق الآخر.. يتعلم هذا منذ نعومة أظافره، يتعلم أن التشجيع هو فقط شد أزر فريقه وليس شتم الفريق الآخر.

يتعلم أن الانتماء هو طاقة إيجابية للبناء، تدفعه إلى توجيه طاقته ووقته لبناء ما يؤمن به وليس إلى هدم أو إيذاء الآخر، ويتعلم الدرس الأهم وهو: أنه لو كل فريق وجه كل طاقته ووقته وماله لتنمية نفسه وليس إيذاء الآخر لتقدم الجميع وازداد التنافس من أجل الوصول لخطوة للأمام وليس لدفع بعضنا البعض خطوات للخلف.

ثانياً: العدل
يمكن لطفلك أن ينتمي إلى ما يشاء، ولكن يظل "العدل" مؤشرا محوريا بين الانتماء والتعصب، فلينتم لوطنه، أو لقبيلته أو لدينه، أو لفريق كرة يشجعه، ولكن إذا دعاه انتماؤه للظلم أو انطماس البصيرة، أو أن يرى الحق في طرفه فقط فهذا ليس انتماء محمودا وإنما هو التعصب المذموم، وهذا المؤشر خطير جدا، لأنه يتعلق بمنظومة الإدراك الكلية للطفل، بمعنى أنه لكي يكون الطفل سويا لا بد أن تكون منظومة إدراكه متسقة مع بعضها البعض.

فمثلا: "إذا اعتدى أحمد على صلاح فإن أحمد مخطئ" ولكن "إذا اعتدى صلاح على أحمد فإن صلاح غير مخطئ" وذلك لأن صلاح ينتمي لفريقي، هكذا تكون منظومة الإدراك مشوهة، وهذا النمط "pattern" المضطرب يمتد لمواقف الحياة المختلفة وتنتج عنه شخصية غير سوية.

ثالثاً: عدم الضغينة وقطع الصلات
يظل الأصل بين البشر هو "الصلة" و"التعاون" سواء في الأسرة الواحدة أو في الوطن الواحد أو في الإقليم الواحد بل وفي العالم ، وتظل الحروب والضغائن هي الاستثناء عندما تحدث اعتداءات لا سبيل لحلها إلا الحرب.
ولكن ليس منطقيا أن تتحول الحروب إلى أصل في حالة أي اختلاف في الرأي أو منافسة في مباراة كرة قدم، وهنا أيضا يأتي دور المربين مع أطفالهم، لتوضيح معنى هام وهو: أننا سنظل مختلفين في آرائنا وانتماءاتنا وميولنا الرياضية مدى الحياة، ولكن يظل الأصل بيننا هو الصلة والمودة، وألا يؤدي الاختلاف إلى القطيعة والضغينة والكراهية. لأنها قاعدة بسيطة: لو أن كل اختلاف أدى إلى ضغينة وقطع صلة لعاش كل إنسان بمفرده، لأنه – ببساطة – لا يوجد اثنان ليس بينهما اختلاف حتى ولو كانا تحت سقف واحد، ولذلك نرى مثلا أنه من العادات الرياضية أنه بعد انتهاء المباراة يسلم كل لاعب على الآخر، في إشارة إلى أن الود موصول، والعلاقة الإنسانية لم يشبها شائبة ولا تتعارض مع المكسب أو الهزيمة في اللعبة.


هذه الخطوط الثلاثة يجب أن تكون -أوّلاً- واضحة وحاضرة في عقول وقلوب المربين، وأن يجتهدوا أن يكونوا هم أوّلاً قدوة فيها، ثم أن يبدأوا في وضع وسائل عملية لغرسها في الأبناء على مدار مراحل حياتهم المختلفة، وهذه بعض الأمثلة لتلك الوسائل:

• عرض نماذج للاعبي كرة قدم استطاعوا أن يكونوا قدوة، وكيف أنهم لم يلوثوا أخلاقهم بالسخرية أو الإهانة للمنافس، وكيف أنهم ركزوا طاقتهم في النجاح وليس في مسارات سلبية فيها اعتداء أو تطاول، وكيف أدى ذلك إلى أنهم أصبحوا مثالا محبوبا ناجحا أكثر من غيرهم أصحاب اللسان السليط، سيئي السمعة.

• الحوار الدائم مع الأطفال حول المنافع والخسائر في الحالتين: في حالة توجيه الطاقة لإيذاء الآخر أو توجيهها لبناء النفس، وجعل الطفل يستنتج بنفسه الأفضل.

•بعض نصائح عملية عن مهارات إدارة الغضب، لأن الإهانة والاعتداء تكون كثيرا بدافع من الغضب، وبالتالي تحتاج إلى مهارات إدارة الغضب.

• عرض نماذج من التاريخ حول العدل في الحكم سواء مع من هو من بني قومك أو من ليس
منهم.

• تدريب العقل على مهارات التفكير التحليلي والنقدي، وهي تلك المهارات التي تساعدنا على الوصول - قدر المستطاع لما هو أقرب للحقيقة - بعيدا عن الوقوع فريسة لأهوائنا، وكيف أن ذلك يؤثر إيجابيا على نجاحنا في الحياة عموما وعلى علاقاتنا.

• حوارات يومية وتدريبات حول "حالة" أو "موقف"، وماذا سيكون رأيك في هذا الموقف أيا كان الطرف الذي تنتمي إليه؟

• تبادل الأدوار، وأن يأخذ الطفل مكان "الآخر" ويصف إحساسه ومشاعره وما هو العدل الذي يحتاجه، وهل هو من حقه أم لا.

•مشاهدة للقطات من ألعاب رياضية ثنائية قام اللاعبون بتبادل السلام في النهاية.

•التدريب على سلامة الصدر من الكراهية، وأن يكون القلب أكثر تسامحا وتقبلا وأقل حقدا، وذلك بالمراجعة الدائمة للقلب، وربما مع الاستعانة ببعض الألعاب والرسم والحوارات اليومية عن الفرق بين القلب الحاقد والقلب السليم.

•التأكيد - من خلال الحديث والدراما والحوار- على أن الاختلاف سيظل بين كل البشر، وأن البشر سيبقون مختلفين في جميع انتماءاتهم، ومع ذلك يظل الأصل بينهم هو التواصل وليس الحروب، وطرح عشرات الأمثلة لذلك، للاتحاد الأوروبي، الهند ... وغيرها، بلاد بها عشرات الملل والانتماءات ومع ذلك هي قادرة على الحفاظ على تماسكها وتعاونها والتواصل بين أفرادها بعضهم البعض.


المساهمون