أيها المهاجر... اركب بغلا أو جملا...

أيها المهاجر... اركب بغلا أو جملا...

22 يناير 2017
من الاحتفال بالثقافة إلى تعليقات استعلائية (ناصر السهلي)
+ الخط -

من المحزن، أن الجهل والتخلف والأحكام المسبقة عند بعض الغربيين يأخذهم، وتحديدا من عايشوا الاحتجاج على مرحلة حرب فيتنام وتغول الراسمالية في السبعينيات، إلى مواقف صعب أن تهضمها وهي تدخل أذنك دون قدرة على فصلها عن دماغك.


أمس ليلا، وبعد نهار طويل من احتفالية، مستمرة حتى بضعة أيام قادمة، لاختيار مدينة "آرهوس" الدنماركية كـ"عاصمة للثقافة الأوروبية"، كان مئات الألوف في الشوارع يستمتعون بالعروض "الثقافية" والأنوار المبهجة... وبعد خروجنا من "دار الموسيقى"، حيث كان الاحتفال المركزي بحضور العائلة المالكة، ممثلة بالملكة مارغريتا الثانية، وجل وزراء ومحافظي 19 بلدية محيطة وشخصيات ثقافية وعامة، كانت الشوارع مكتظة بالشرطة والأمن وتقطع الطرقات في اتجاهات معينة.

كنت في طريقي مع بعض المراسلين الأجانب نحو محطة قطارات المدينة في وقت متأخر، أحمل على ظهري مثل بقية الزملاء حقائب العمل. كان ميغيل، وهو زميل مراسل اسباني مختص فقط بشؤون الملكة، يودعنا بلكنة اسبانية... خطوات بسيطة مشيناها على الرصيف قبل أن نسمع (معظمنا) تعليق زوجين في العقد السابع باستهجان غاضب على مشهد شابين، لا ندري أصلهما ولا جنسهما، لكنهما بالنسبة للزوجين بدا غامقا البشرة والشعر عند الإشارة الضوئية الحمراء:" من أين يأتي هؤلاء بثمن مثل هذه السيارات وهم مجرد معتاشين على المساعدات؟"، علق الزوجان وهم يمضيان بالتفاتة نحو سيارة أثارت نحن انتباهنا... لا نعرف بالفعل كثيرا بأنواع السيارات، لكنها سوداء داكنة وعجلات ألمونية نظيفة...

الصورة النمطية المحببة 

نظر كل منا، أنا وميغيل، باندهاش ولم نستطع أن نعلق لأن الزوجان اختفيا بين الجموع الكثيفة... شعر ميغيل بأني غضبت من تعليق سخيف دون معرفة خلفية الشابان، اللذان لم يبدو عليهما كبعض الشباب الذي يقود بشكل أرعن وبموسيقى عربية أو غيرها مرتفعة لاثارة الانتباه...

طيلة ساعة وأكثر من الانتظار، وقد انتصف الليل والمدينة تعيش كأنها في وسط النهار، بقيت أفكر بما قاله ميغيل:" يبدو وبعد 40 سنة من اقامتي في هذه البلاد لم أعد أفهم كل هذا الانغلاق عن التفكير عند هؤلاء... ماذا يريدون من الناس؟ أن يأتي الإسباني أو البرتغالي ليثبت لهم شيئا ممتطيا بغلته أو حماره كما في الريف عندنا.. وأن يمتطي الشاب العربي جملا ويبدور رثا ليكون صالحا ويستحق الشفقة مثلا؟..."... ضحك ميغيل وأردف:" حتى في ذلك لن يكون هناك خلاص... فعندها بالتأكيد سيقولون:انظروا إلى هؤلاء المتخلفون الذين لا يعرفون حتى ما يرتدون من ثياب...".

في حقيقة ما يجري من تطورات شعبوية مقيتة في الغرب ثمة أشياء غير سارة أبدا... لقد سمعت قصصا ورويات عدة من شبان يعملون في شركات، أو لديهم مصالحهم الخاصة، عن توقيف دوريات الشرطة لهم وسؤالهم عن مصدر أموال شراء سيارة حديثة... سؤال بالأصل لا يحق لشرطي أن يسأله... ولأن بعض الشباب مزهوا بعد أن يعمل ويشتري بالتقسيط سيارة يذهبون للجدال ومحاولة اثبات أنهم اشتروا سياراتهم بعملهم... رغم أنه لا حق لأحد سوى مصلحة الضريبة بالسؤال عن مصدر المال... على كل، كنت أظن أن تلك القصص فيها تضخيم... إلى أن سمعتها من مدير مركز إسلامي مرموق في فيينا... وهنا أمس بأذني أن مواطنين عاديين يعلقان بطريقة استعلائية واستهجانية عن امتلاك شاب من اصل مهاجر، ربما هو مولود في البلاد، أو حتى ربما هو ابن لعائلة دنماركية بالتبني... لكن الحكم، وبالضد من كل التعاليم والثقافة التي كانوا للتو يحتفلون بها، يصدر على أساس الشكل واللون...

هذا لون من ألوان تغلغل الشعبوية والأحكام المسبقة عند الناس... وربما بشكل أخص طبقتين... واحدة تشبه جمهور ترامب في الأرياف، من فلاحين وعاطلين عن العمل، وأخرى تشبه تلك التي كانت ذات يوم ترفع الرايات الحمراء كاجتماعيين ديمقراطيين عن العدالة والمساواة... قبل أن يهيمن التوجه يمينا ويؤثر بالشارع بمثل ما ودع به السفير الأميركي في كوبنهاغن بلدا قال عن بعض ساسته:" هؤلاء ترامبيون أكثر من ترامب..."


سنسمع المزيد من القصص في قادم الأيام... فالهمس يجعلك تظن بأن دونالد ترامب الشعبوي لم ينتخب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بل رئيسا للغرب الأوروبي، وربمابعض شرقه في المزايدة على فلاديمير بوتين...

المساهمون