"أونروا"... الحصار من الداخل

"أونروا"... الحصار من الداخل

13 نوفمبر 2016
تقلصت ميزانية وكالة "أونروا" كثيراً (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تنفيذاً لوعد (إعلان) بلفور بتاريخ الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 والذي منح من خلاله الحركة الصهيونية "الحق" بإنشاء دولة يهودية على أرض العرب أرض فلسطين، شنت المليشيات الصهيونية المدعومة من بريطانيا، حرباً على الفلسطينيين في العام 1948، وفق ما عرف بخطة (دال) والتي نجم عنها تهجير حوالى مليون فلسطيني من أراضيهم وقراهم ومدنهم، وذلك بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث.

وبعد أن تبعثر اللاجئون الفلسطينيون في كل أنحاء العالم، رأت الدول الكبرى أن هناك شعباً، قد أصبح عبئاً على الدول المضيفة، وقد يتحول إلى بؤرة توتر تهدد الاستقرار في المنطقة العربية، ما أدى إلى إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، من أجل تقديم المساعدة لهم، وذلك في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 والقاضي بإنشاء وكالة "غوث" في سنة 1949. وتقدم الوكالة للاجئين المسكن والخدمات الصحية والاعانات الإغاثية، لحين عودتهم إلى أرضهم حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1948 المسمى بالقرار 194 والقاضي "بعودة اللاجئين الفلسطينيين حين تسمح الظروف وتعويضهم عن ممتلكاتهم وما ألمّ بهم من خسائر مادية ومعنوية".

لكن هذه الخطوة كانت بمثاب
ة "كلمة حق يراد بها باطل"، إذ ومنذ أن مارست الوكالة عملها سنة 1951 وبعد مرور 67 عاماً على النكبة لا تزال "الظروف غير مواتية للعودة"، في حين لا تزال تقدم الوكالة الخدمات الصحية الأولية والتعليم الأساسي، ويمدد عملها كل ثلاثة أعوام، حتى أصبحت تشرف على 61 مخيماً فلسطينياً في 5 أقاليم، لكنها في السنوات الأخيرة تقلصت ميزانية خدماتها بشكل كبير، في حين أنها تشترط في تقديم خدماتها معايير القانون الدولي التي ترى في أعمال المقاومة من داخل المخيم ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهاباً.

نطاق عمل وكالة الغوث
تعمل وكالة الغوث في قطاع غزة وبها 8 مخيمات، وفي الضفة الغربية حيث يتواجد 19 مخيماً، ولبنان 12 مخيماً، وسورية 12 مخيماً، والأردن 10 مخيمات، وهناك الآلاف قد توزعوا في دول متفرقة مثل العراق والسعودية والكويت والأميركيتين وأوروبا، ولا يزالون يحتفظون ببطاقة اللجوء.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة "غوث" حالياً قرابة ستة ملايين نسمة في الأقاليم الخمسة، وهناك أكثر من مليوني نسمة غير مسجلين في
الوكالة لأن تعريف صفة اللاجئ في وكالة "غوث" هو كل من سكن فلسطين عام 1946 حتى عام 1948، وهو العام الذي حصل فيه العدوان على فلسطين، وبذلك يخرج من تعريف اللاجئ الفلسطيني كل من كان خارج فلسطين، إن كان في زيارة أو تعليم أو مبعداً من الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، وكذلك كل من خرج من فلسطين في عام 1967 في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وسيناء وعلى الضفة الفلسطينية والقدس والجولان السوري.


خدمات الوكالة
تراجعت "أونروا" في تقديم خدماتها داخل المخيمات الفلسطينية بشكل مستمر، وتحديداً بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العام 1993، وهناك قوائم طويلة في هذا التراجع، ولكن نذكر منها ما يلى:

الخدمات الاجتماعية
إذ كانت تعطي الوكالة الخدمة الاجتماعية لكل اللاجئين بدون استثناء حتى صارت تمنع على كل من له مصلحة، كوظيفة أو سيارة أو عمل. وبعد ذلك أصبح توزيع الخدمة على ثلاثة أصناف وهو (الفقر المدقع، والفقر المطلق، والفقر العادي) وأخيراً، أوقفت مساعدات نقدية كانت تعطى للفقراء، فئة الفقر المدقع وهي عبارة عن 40 شيكلاً لكل فرد وذلك كل ثلاثة شهور، وتم قطعها بحجة عدم توفر موازنة لهذا المبلغ، علماً أن هذه المبالغ تم تقديمها ببدء استقطاع جزء من السلة الغذائية.

التعليم
بحسب المعايير التي اعتمدتها "أونروا" فإن عدد طلاب الصف الواحد في مدارس الوكالة لا يجب أن يتعدى 35 طالباً، لكن العدد الفعلي للطلاب كان يتعدى 45 طالباً في الصف الواحد، وهو ما دفع بإدارة قطاع التعليم في الوكالة إلى التهديد بوقف العملية التعليمية في مدارس المخيمات الفلسطينية مدة نصف عام، وذلك بداعي العجز المالي. إلا أنه تمت تسوية القضية أن يصل معدل الطلبة في الصف الواحد بمعدل 39.4 طالباً، لكن على أرض الواقع العدد يزيد بكثير.

كما تم وقف فصول الصناعة والتجارة التي كانت في الصف السابع والثامن والتاسع، وكذلك التدبير المنزلي والأعمال اليدوية للإناث في نفس المستوى، وقبلها أوقفت حصص الرسم الهندسي. فيما وصل العجز في الكادر التعليمي لقطاع غزة وحده بنحو 450 معلماً في كافة التخصصات في الوكالة، وترفض الوكالة تعيينهم بحجة الوضع المالي الصعب.


العمالة المؤقتة
كما أوقفت الوكالة نظام العمل المؤقت الذي كان يساعد العمّال الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة، الذي يعاني م
ن الحصار المفروض عليه من الاحتلال الإسرائيلي والسلطات المصرية منذ عشر سنوات متواصلة.

مساعدات الأطفال
أوقفت وكالة "غوث" في العام 2012 وجبات غذائية كانت تسلم للأطفال اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً للعائلات التي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، كذلك كانت تعطى منحة مالية للأطفال في المدارس وهي عبارة عن 100 شيكل لكل طالب تساعد رب الأسرة بشيء يسير أيضاً أوقفت.

تقليص عدد الموظفين
قامت وكالة "غوث" بالاستغناء عن مئات الموظفين في العام 2016، حيث كان يبلغ عددهم نحو 30360 موظفاً عربياً، فيما وصل الآن إلى نحو 29700 موظف، كما تخلت الوكالة عن كثير من مسؤولياتها، إذ سلمت مهام الإشراف على تشييد البنى التحتية للمخيمات للسلطة "البلديات" في قطاع غزة، وكذلك آبار المياه ما عدا مخيم جباليا.

الخدمات الصحية
لوحظ بشكل كبير، خلال السنوات الأخيرة، تراجع واضح في مستوى الخدمات الصحية التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين، منها الاستغناء عن خدمات الإسعاف والتي كانت توفرها في العيادات والمستشفيات التابعة لها، وكان لها دور بارز في الحروب العدوانية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والآن لا يوجد إسعاف
يغطي العيادات ولا توافر أي خدمات للطوارئ. كما أوقفت الوكالة عمل عيادات الولادة وتغطية عمليات الأذن والحنجرة بذريعة العجز المالي أيضاً.

ظروف خانقة
الحالة الراهنة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينون والذين يشكلون أكثر من 70% من سكان قطاع غزة المحاصر، فضلاً عن الحرب الدائرة في المخيمات الفلسطينية في سورية والتي أدت إلى تهجير وتدمير مخيم اليرموك، والوضع الصعب في مخيمات لبنان والضفة الغربية تطلبت رفع مستوى المساعدات التي يفترض أن تقدمها وكالة "غوث"، إلا أن الواقع يكشف عن أن الوكالة باتت تعيش في ظروف أصعب من الظروف التي تأسست في حينها، وهو ما رفع الأصوات أخيراً، بضرورة أن تكثف الوكالة جهودها بالبحث عن ممولين جدد وكذلك مطالبة المانحين بدفع التزاماتهم التي التزموا بها.

لكن الملحوظ من سياسة الوكالة أنها تعمل على عكس ذلك في حين تمر غزة بحروب ثلاث، تضع وكالة "غوث" على جدارياتها ومنشوراتها صوراً تعكس صورة مغايرة عن الواقع الذي يعيشه أهل المخيمات، فعلى سبيل المثال في سنة 2012 وزعت ملصقاً لكل الجهات الرسمية الذي تدعمها، عليه صورة طفل صغير وهو يمسك تفاحة، وذلك ضمن موضوع البرنامج الغذائي، وكأنها ترسل صورة للمانحين، أن اللاجئين قد اكتفوا من الدعم وعليكم إيقافه وتحويله إلى جهات أخرى هم بحاجة إليه.

وكذلك استبدلت في الجداريات التي كانت تعكس معاناة اللاجئين الفلسطينيين وصور النكبة التي مرت على الشعب الفلسطيني، بصور للرقص واللعب لأطفال اللاجئين، وذلك بما يسمى ألعاب الصيف (summer games)، وقد غفل الإعلام في الوكالة عن نشر صور المعاناة التي يعانيها اللاجئ، مع ارتفاع معدل الب
طالة داخل مخيمات قطاع غزة إلى نسبة 45%، وكذلك تغييب الصور التي توثق البيوت المدمرة من جراء الاعتداءات الإسرائيلية في الحروب الثلاث السابقة على القطاع، وتخضع عملية إعمار هذه البيوت إلى خطة المبعوث الأممي روبرت سيري، التي وضعت فيها قيوداً على إعادة الإعمار وفق الاشتراطات الإسرائيلية، مثل منع إدخال الخشب والحديد والإسمنت.

ويرى مراقبون أن الإعلام في وكالة "غوث" يتعاون على خنق اللاجئين في غزة، من خلال تغييب كثير من الحقائق وعدم نقل الصورة الحقيقية عن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون عموماً وفي قطاع غزة على وجه التحديد.

ويرى عديد من الفلسطينيين أن الوكالة تتخلى عن مهماتها الإنسانية، مذكرين بمحاولة الوكالة تغيير اسمها إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، في محاولة منها للتخلي عن الإغاثة والتشغيل، وهو الأمر الذي رفضه اللاجئون والدول المستضيفة على حد سواء.

وترى فعاليات ونشطاء فلسطينيون أن عمل "أونروا" يظل رهينة للظروف السياسية، وتستمر معضلاتها بغياب أفق واضح لحل قضية اللاجئين، كما أنها استفادت من اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، للتخلي عن كثير من مسؤولياتها، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهو الدور الذي تخلت عنه أيضاً، فترة تواجد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، في حين أنها مسؤولة أخلاقياً وقانونياً عن رعاية شؤون اللاجئين إلى حين تحقيق المطالب الفلسطينية العادلة بالعودة، وإنهاء كل الأوضاع التي ترتبت على نشوء إسرائيل.

(مسؤول اللجان الشعبية للاجئين في قطاع غزة)