إصلاح التعليم العربي على غرار "طاقة في الجدار"

إصلاح التعليم العربي على غرار "طاقة في الجدار"

29 أكتوبر 2016
"سوجاتا ميترا" شارحاً نتائج تجربة "طاقة في الجدار" (Getty)
+ الخط -

ماذا يحدث لو تم وضع حاسب آلي متصل بالإنترنت متروكاً في شوارع أحد أكثر الأحياء فقرا بالعالم في الهند؟ بالطبع ستكون سرقة الجهاز أو تعطله أموراً غير مستبعدة. لكن ما حدث لم يكن كذلك على الإطلاق، ليتحول الأمر إلى إحدى أهم التجارب التعليمية وأكثرها إلهاماً في القرن الحادي والعشرين.

بدأت قصتنا في أوائل عام 1999م، حينما قام "سوجاتا ميترا" الأستاذ الجامعي الهندي في مجال التعليم بوضع حاسب آلي متصل بالإنترنت في فجوة بجدار أحد أكثر الأحياء فقراً في مدينة "نيو دلهي" الهندية. بحيث يكون ذلك الحاسب الآلي ظاهراً للمارة ومتاحاً للاستخدام بواسطة أي شخص. إلا أنه في الوقت ذاته لم تكن هناك أية تعليمات أو توجيهات بشأن كيفية استخدامه على الإطلاق.

ما حدث بعد ذلك كان أمرا مدهشا للغاية. حيث قام أطفال هذا الحي الفقير بالتزاحم حول شاشة الحاسب الآلي المثبتة بتلك الطاقة في الجدار، وللوهلة الأولى لم يتمكن أولئك الأطفال من التعامل مع الحاسب الآلي أو البرامج المثبتة عليه. إلا أن هذا لم يمنعهم من مواصلة المحاولة لاستكشاف هذا الجهاز واستخدامه، وفي غضون ساعات قليلة تمكن الأطفال من استخدام الحاسب، وتصفح الإنترنت بمفردهم دون مساعدة أي شخص على الإطلاق!

 بعد مرور 6 أشهر من تثبيت الحاسب بتلك الطاقة في الجدار، تمكن أطفال ذلك الحي الفقير من تعلم كيفية استخدام الحاسب الآلي بشكل متقدم. حيث تمكنوا من استخدام العديد من البرامج المتنوعة، بالإضافة إلى تصفح الإنترنت، وحتى تحميل الألعاب والموسيقى ومقاطع الفيديو.

ولدى تكرار تلك التجربة في عدد من المناطق الفقيرة الأخرى بالهند، بالإضافة إلى عدة دول أخرى كانت النتائج المذهلة حاضرة دوما. وعند سؤال أولئك الأطفال عن كيفية تمكنهم من القيام بكل تلك الأشياء دون وجود معلم أو حتى توجيهات، كانت إجابتهم بكل ثقة أنهم قاموا بتعليم أنفسهم بأنفسهم!

إن التأمل في تلك التجربة التي اشتهرت باسم "طاقة في الجدار" (Hole in the Wall)

يدعونا لإسقاط الأمر على بلادنا العربية. حيث تتواجد العديد من المناطق المهمشة والمحرومة، وذلك بغض النظر عن فقر أو ثراء تلك الدول بالأساس.

ويعاني الأطفال في تلك المناطق من انعدام فرصهم للحصول على تعليم جيد ينمي قدراتهم ويتولى إعدادهم لمستقبل أفضل. ولعل السبب الذي يعزو إليه الجميع عدم وجود مثل تلك الفرصة لأطفال المناطق المهمشة هو احتياج الأمر إلى ميزانيات هائلة – غير متوافرة في غالب الأمر – لتطوير التعليم بتلك المناطق.

إن ما حدث خلال تجربة "طاقة في الجدار" كفيل بهدم تلك الحجة من الأساس. فتعليم مجموعة من الأطفال في أحد أكثر المناطق فقرا بالعالم لم يتطلب سوى حاسب آلي واحد متصل بالإنترنت فقط. الأمر لم يتطلب ميزانيات ضخمة أو لجانا استشارية مكلفة أو حقبا تدريبية للقائمين على التعليم، فقط كان الأمر بسيطا ومباشرا اترك للأطفال شيئا بسيطا يتعلمون منه ودعهم يفعلون ذلك بأنفسهم! قد يبدو للبعض أن هذا الأمر خيالي بعض الشيء، إلا أنه من وجهة نظري هو الأكثر واقعية للتعامل مع إحدى المشاكل الضخمة التي تواجه التعليم في العالم العربي.

إن واقعية هذا الحل تتبدى في كونه مجربا ومدروسا بعناية لمدة تربو على عشرة أعوام بواسطة فريق متخصص في تطوير التعليم، على رأسه "سوجاتا ميترا" الأستاذ الجامعي الهندي المعروف عالميا بخبراته في إصلاح التعليم بالمناطق المهمشة عبر حلول مبتكرة.

وأضاف إلى ذلك أن ظروف الفقر والحرمان المدقع التي تعاني منها المناطق المهمشة بالهند تفوق كثيرا الوضع المزري للمناطق المهمشة في بلادنا العربية. أي أن تطبيق مثل تلك التجربة التعليمية الإصلاحية في بلادنا ستكون أكثر ملائمة من استيراد حلول جاهزة من دول العالم الأول التي تفوقنا علما وثراء وذات سياق اجتماعي مختلف.

وأخيرا فإن بلادنا العربية تعاني من مشكلة ضخمة في عدم تكافؤ فرص جميع الأطفال للوصول إلى تعليم جيد، ويتجلى ذلك في المناطق المهمشة والمحرومة والأكثر فقرا وأحيانا بعدا عن المدن الرئيسية. وإن دفن الرؤوس في الرمال أو التذرع بنقص الأموال كما نتعامل مع مشاكلنا دوما لن يجعلنا نقترب قيد أنملة من الحل. فحري بنا تتبع التجارب الإصلاحية الرائدة في مجال التعليم في بلاد ذات ظروف مشابهة. وعسى أن تكون "طاقة في الجدار" هي طاقة من نور الأمل لمستقبل أكثر إشراقا لأطفال المناطق المهمشة.


 

 

دلالات

المساهمون