ناجون سوريون ينزحون إلى الأرياف بحثاً عن الأمان

06 اغسطس 2023
يفضل السوريون الأرياف على مخيمات النزوح (محمد الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -

أجبر الزلزال كثيراً من السوريين على النزوح إلى المناطق غير المتضررة، ومن بينها الأرياف، في انتظار استعادة الشعور بالأمان، وانتهاء السلطات من إحصاء الأبنية المتضررة كي تسنح فرص إعادة الإعمار أو الترميم.
نزح معظم المتضررين من الزلزال من الأحياء والمدن المنكوبة خلال الأشهر الماضية، واستضافت معظمهم بلدات وقرى صغيرة، من بين تلك البلدات "الدالية" في ريف جبلة، والتي تدفقت عليها عائلات نازحة بعد أيام من الزلزال.
يقول علي إسماعيل، والذي يسكن في الدالية، لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أن البلدة تبعد نحو 35 كيلومتراً عن مدينة جبلة، و67 كيلومتراً عن مدينة اللاذقية، فقد وصلت في الأيام الأولى التي تلت الزلزال عائلات تملك منازل في البلدة، أو يعيش أقارب لها فيها. حتى الآن، ما زال كثيرون يقصدون البلدة للسكن، حتى باتت لا تضم منازل أو شققاً للإيجار. لم يضرب الزلزال الدالية، وبالتالي لم تطاولها الكارثة، لكنها مثال حي على تداعيات الزلزال، إذ تحوّلت إلى نموذج معبر عن الهجرة المعاكسة، فبعدما تركها في السابق عدد كبير من أبنائها للعمل في مدن أخرى، عاد كثير من هؤلاء إليها بعدما كتبت لهم النجاة من الموت تحت أنقاض الزلزال".
مثل الدالية، عاد كثيرون إلى قرى وبلدات في أرياف اللاذقية وحلب وطرطوس وحماة وحمص، كما استضافت مدينة الرقة (شمال غرب) بعض النازحين من المناطق المنكوبة، وأقام بعض هؤلاء في مبانٍ مهدّدة بالانهيار تضررت خلال الحرب على تنظيم داعش التي انتهت قبل خمس سنوات، وأدّت إلى تدمير نحو 80 في المائة من منازل المدينة.
في محافظة حلب، يختلف شكل النزوح كثيراً بسبب تقسيم سنوات الحرب الطويلة أجزاءها، فالمدينة تخضع لسيطرة النظام السوري، والأرياف تدير معظمها سلطات أُخرى، كما أن هناك أعداداً كبيرة من الحواجز الأمنية التي تقيمها فصائل عسكرية تابعة لقوى مختلفة، وتلك الحواجز تعيق منذ فترات طويلة حركة الهاربين من المخاطر، ما يضطر معظمهم إلى اللجوء إلى الجوامع، أو مراكز الإيواء، والساحات والحدائق العامة، وحتى المقابر، كما نزحت بعض العائلات إلى محافظات أخرى تعتبرها أكثر أمناً، مثل السويداء.
يسكن محمد خليفة في منطقة الباب بريف حلب، ويقول لـ "العربي الجديد": "لم تشهد منطقتنا نزوحاً عكسياً من المدينة إلى الأرياف لأنها مقطَّعة الأوصال منذ سنوات، وما زالت معظم أرياف حلب غير آمنة بسبب النزاعات العسكرية والسياسية التي لم تحسم في معظم المناطق".

بدوره، يقول أبو خالد الذي يسكن في حي الفردوس بمدينة حلب لـ "العربي الجديد"، إنه بعد انهيار منزله، لجأ مع عائلته المؤلفة من أربعة أشخاص إلى أحد أقاربه في العاصمة دمشق، وحاول جاهداً إيجاد منزل متواضع للإيجار في أحد أحياء المدينة، لكنه لم يستطع إيجاد منزل إيجاره الشهري أقل من 300 ألف ليرة سورية (نحو 40 دولاراً)، علماً أن
الملّاك وكذا المكاتب العقارية يطلبون دفع الإيجار مقدماً لمدة ثلاثة شهور. يضيف: "انتقلنا إلى مدينة السويداء مع عشرات العائلات، وقدمت لنا الفعاليات الأهلية في السويداء مسكناً وفرشاً ومعونات غذائية، ما جعلنا نشعر للمرة الأولى منذ وقوع الزلزال باستقرار نفسي، وبأننا بعيدون عن الخطر".
يتابع: "منذ صدمة الزلزال، وبعد توالي الهزات التي خلفت تهدم وتصدع مئات المنازل، يبحث جميع من أعرفهم عن مكان آمن للاستقرار الدائم في الأرياف بعيداً عن المدن الخانقة التي لا تتوفر فيها سبل للعيش، وترتفع فيها الأسعار بشكل متواصل. جميع المتضررين من الزلزال يعلمون أنهم لن يعودوا إلى منازلهم في وقت قريب، وأنهم قد يحصلون على تعويضات بخسة لا تكفي لتوفير ما يحتاجونه، أو تسد التكاليف المعيشية الأساسية".
وبعد مرور ستة أشهر على الكارثة، لم تستطع مؤسسات ولجان النظام السوري الوصول إلى معظم الأماكن المتضررة، أو تقديم رؤية حول مصير المناطق المنكوبة، أو نفقة الإسكان المؤقت للمتضررين، ولا تكاليف إعادة الإعمار، وفي نفس الوقت، لم تسمح بتنفيذ أية أعمال ترميم أو تدعيم للمباني، بحجة عدم انتهاء اللجان من دراستها، وإصدار تقارير مفصلة عنها.

غادر كثيرون المدن إلى الأرياف السورية (عارف وتد/فرانس برس)
غادر كثيرون المدن إلى الأرياف السورية (عارف وتد/فرانس برس)

وكتب المحامي عارف الشعال عبر صفحته في موقع "فيسبوك": "يجب الاعتراف بأن النصوص القانونية التي تسمح باستخدام حق الملكية بعد تهدم الأبنية بسبب الزلازل في النظام القانوني السوري قاصرة وضعيفة في الاستجابة والتصدي بسرعة للأوضاع ومعالجتها. ينص القانون رقم 24 على تطبيق حق الملكية في المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات، أو التي لحقت بها أضرار نتيجة حروب وحرائق، لكن ذلك يبقى رهن مشيئة السلطة التنفيذية، علماً أن المادة 49 من القانون أعفت العقارات المنكوبة بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب من الرسوم المالية والتكاليف المحلية والرسوم الأخرى المترتبة على إعادة البناء".
يتابع: "المشاكل المتعلقة بالسلطات التنفيذية تضاف إليها تلك المرتبطة بآليات تنظيم المدن وتعقيداتها البيروقراطية والمملة، والوقت الطويل الذي تستغرقه، وأيضاً تكاليفها الباهظة، علماً أن السلطة التنفيذية يمكن أن تطبق أيضاً قوانين تنظيمية أخرى في المناطق المدمَّرة، مثل قانون التنظيم الخاص رقم 10 لعام 2018، أو قانون تثبيت ملكية العقارات في مناطق السكن العشوائي رقم 33 لعام 2008، أو قانون التطوير العقاري رقم 25 لعام 2011".
وفي الموضوع ذاته، يكتب المهندس غسان جديد، والذي يسكن في مدينة اللاذقية، عبر "فيسبوك": "تكفل الدولة في المادة 24 من الدستور السوري التضامن مع المجتمع في الأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية. حالياً، لا يتم الحديث عن تدعيم الأبنية أو ترميمها لأسباب أهمها عدم زوال خطر الزلازل والهزات الارتدادية، كما أن كل الأبنية المرخصة قبل عام 1995 ليست مقاومة للزلازل، وكل الأبنية المخالفة السابقة واللاحقة لا تحقق شروط السلامة. وهذا ينطبق على معظم الأبنية في محافظة اللاذقية".
وتشير إحصاءات رسمية إلى تهدّم 700 مبنى بالكامل بسبب الزلزال، ووجود آلاف الأبنية المتضررة بنسب كبيرة، والتي قد تحتاج إلى هدم، أو ترميم، أو إصلاح، وهناك آلاف من الأسر المشردة بسبب الزلزال، علماً أن جهات غير رسمية تقدّر نزوح نحو 4 ملايين سوري بسبب تصدع أو تهدم منازلهم.
يقول ناشط إغاثي سوري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد": "شهدنا بعد الزلزال نزوحاً معاكساً من المدن إلى الريف، واشترى كثير من الأسر الميسورة منازل في مناطق الريف بسبب الخوف من أن يتكرر الزلزال، وقد نزح العدد الأكبر من المتضررين والمنكوبين إلى الأرياف القريبة بحثاً عن الأمان. خلال جولاتي على مناطق حلب واللاذقية لاحظت أن معظم الأهالي، سواء المتضررون أو الخائفون، يسعون إلى الاستقرار في الأرياف لأنهم يعتقدون أن معظم أبنية الطوابق في المدن لا تحقق الحد الأدنى من شروط السلامة".

ويقول أبو ياسين، وهو متعهد بناء سابق يسكن في مدينة جرمانا القريبة من دمشق، لـ"العربي الجديد": "معظم الأبنية الحديثة في ريف دمشق غير نظامية، ولا تملك الحدّ الأدنى من شروط السلامة، وأي كارثة طبيعية ستخلف دماراً غير مسبوق فيها. ولا يمكن استبعاد تأثير فساد مسؤولي البلديات، أو نقابة المهندسين عن هذه الأوضاع، فالربح هو الخطة الأساسية لدى هؤلاء، ولا يهتم أي منهم بسلامة المباني، أو سكانها".
ويسكن أكثر من 2 مليون نسمة في عشوائيات تقع في محيط العاصمة دمشق، كما يعيش عدد أكبر من هذا الرقم في مدن طاولها القصف الجوي والبري خلال السنوات الماضية، وتضم تلك المناطق مئات من أبنية الطوابق، والكثير منها متصدعة، ومعظم هؤلاء يستشعرون أخطار الزلازل، وتداعياتها كما في المناطق المنكوبة والقريبة منها، ويعيش الكثير منهم هاجس الابتعاد عن مناطق الخطر إلى الأرياف، حيث تتواجد ما يطلق عليها شعبياً "المنازل العربية"، إضافة إلى فساد أقل في مشاريع البناء.

المساهمون