مريض وزارة الصحة يُذلّ عند أبواب المستشفيات

مريض وزارة الصحة يُذلّ عند أبواب المستشفيات

07 فبراير 2015
مرضى كثيرون يُمنعون من اجتياز أبواب المستشفيات (حسين بيضون)
+ الخط -
المرضى المعوزون هم الذين يدفعون ثمن الإهمال المستشري في قطاع الاستشفاء في لبنان، من صحتهم ومن حياتهم أحياناً. وكأن من لا يملك المال، لا يحقّ له العلاج.. ولا تحقّ له الحياة.

وفي خطوة تحذيريّة، عمدت وزارة الصحة العامة أخيراً إلى فسخ عقود والتهديد بفسخ أخرى مع مستشفيات لم تظهر رحمة ولا إنسانيّة في تعاملها مع هؤلاء المعسرين.

بألم وحسرة يقول أبو شادي (حبيب باسمة): "أصلي لله كي لا تتكرر مأساتنا مع أي شخص آخر، فيفقد مريضاً عند باب مستشفى". هو خسر حفيده حيدر حسين باسمة البالغ من العمر سنة وسبعة أشهر، بهذه الطريقة. ويخبر أن زوجته "أطعمت الصغير قطعة تفاح، فاختنق بها. نقلناه إلى أحد مستشفيات الجنوب، لكنه لم يستقبله بحجة أنه لا يملك آلة لسحب قطعة التفاح العالقة في بلعومه. فرحنا ننتقل من مستشفى إلى آخر من دون أن يستقبلنا أي منها. وعندما اتصلنا بوزير الصحة السابق علي حسن خليل، تأمّن لنا سرير. لكن حفيدنا لم يتمكّن من الصمود أكثر، فالعلاج أتى متأخراً. وهكذا قتلت قطعة تفاح صغيرنا".

ويشير أبو شادي إلى أن "هذا الإهمال ناتج عن غياب مراقب من وزارة الصحة في بعض المستشفيات التي هي أشبه بدكانة تعمل من دون رقيب أو حسيب". ويحاول التماسك وهو يقول: "بعد هذه التجربة المؤلمة، نطالب المعنيّين بفرض نظام صحي صارم على المستشفيات تفادياً لمثل هذه الحوادث".

حيدر الصغير ليس حالة معزولة. فكثيرون هم المرضى الذين يُمنعون من اجتياز أبواب المستشفيات لأنهم لا يملكون الإمكانات. والطفل مؤمن خالد المحمد البالغ من العمر سنة وعشرة أشهر؛ والذي توفي بعدما رفضت مستشفيات عديدة في الشمال استقباله قبل نحو عامَين، مثال آخر.

إيلي حلو أيضاً له حكايته ومعاناته. فقد رفض أحد المستشفيات الكبرى علاج ولده الذي أصيب بحالة تسمم غذائي، لأنه لم يكن يملك المال اللازم لذلك. فراح يتنقل بابنه من مستشفى إلى آخر، حتى وجد له سريراً في أحدها وبصعوبة. يقول: "كادت المياه تنشف من جسمه نتيجة الإسهال الحاد والتقيؤ المستمرّ. فهل كتب على المريض الفقير البهدلة والذل؟". أما سمير يوسف الذي كان قد خبر تجربة مرّة قبل أن يتمكّن من دخول أحد المستشفيات لتلقي العلاج على أثر إصابته بأزمة قلبيّة، فيكتفي بالقول: "ما من احترام لمريض يتعالج على نفقة وزارة الصحة".

بحسب بيانات وزارة الصحة العامة، تُصرف سنوياً 420 مليار ليرة لبنانيّة (280 مليون دولار أميركي) للاستشفاء، توزّع على 120 مستشفى خاصاً و35 مستشفى حكومياً. وهو ما يعني أن وزارة الصحة هي أكبر شركة تأمين تستفيد منها المستشفيات. فيطرح السؤال: لماذا يُرفَض مريض وزارة الصحة إذاً؟ ثمّة أكثر من مليونَي لبناني رهن "مساعدات" وزارة الصحة، أي رهن الحاجة إلى زعيم - إذا صح القول - كي يتلقوا علاجاً مناسباً.

بالنسبة إلى المتخصص في طب الطوارئ الدكتور ناجي صعيبي: "أنْ يموت مريض عند باب مستشفى في عصرنا، أمر بغاية المرارة. لو كان ثمّة تنظيم فعلي لطب الطوارئ، لما كانت مثل هذه الحالات الصعبة كالوفيات والتداعيات الصحيّة المختلفة أن تحدث في أقسام الطوارئ. فوجود طبيب متخصّص كفيل بتحديد الحالات الطبيّة الصعبة ومعالجتها، تفادياً لتهديد حياة المريض للخطر عبر تنقّله من مستشفى إلى آخر".

يضيف صعيبي: "للأسف 90% من المستشفيات غير كفوءة في مجال استقبال المرضى في حالات الطوارئ، لذا نشدّد على تنظيم طب الطوارئ وإعطائه الأولوية. فنحن بحاجة إلى نحو 400 طبيب متخصّص في المجال، بينما ليس لدينا إلا 20 طبيب طوارئ ممارسا". ويشرح أهميّة هؤلاء الأطباء، إذ هم القادرون على تحديد ماهيّة الفحوصات الواجب إجراؤها تجنباً لأي حادثة وفاة. ويوضح أن نسبة تلك الحوادث تصل إلى 5% من جرّاء الإهمال، في حين أن 90% من أقسام الطوارئ في المستشفيات لا تلبي نظام الاعتماد الصحيح.

ويقول هنا نقيب المستشفيات سليمان هارون لـ "العربي الجديد" إنه "كلما شهدنا فعلاً وردّ فعل عندما يتعذّر دخول أحد المرضى إلى مستشفى ما وخصوصاً على حساب وزارة الصحة، نتمنّى لو كانت الأمور الأساسيّة تعالج بالطريقة الصحيحة. فلو كانت الأمور كذلك، لما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه من فسخ لعقود تعاقد وزارة الصحة مع بعض المستشفيات التي سجّلت فيها حوادث نأسف لحصولها، أخيراً". يضيف: "كل ذلك ما هو إلا نتيجة للتراكمات الماليّة وصعوبة إعطاء المستشفيات مستحقاتها الماديّة بشكل دوري ومنتظم".

المساهمون